Loading...

النساء في الحياة البرلمانية بين الالغاء ومحاولات اثبات الوجود

فوجئ الجميع بترشحهن الى مجلس النواب، اكثر من 30 إمراة لبنانية تقدمن بطلبات ترشح للانتخابات النيابية كإعادة اثبات قدراتهن في المشاركة في الحياة السياسية. كان التمديد حتمياً ومحسوماً، لكن لنفترض ان التمديد لم يحصل وتم اللجوء الى الانتخابات، هل يملكن برنامجاً انتخابياً؟ هل حضرن لحملة انتخابية؟ ما الهدف من هذا الترشح؟ هل الأولوية كانت لقضية المرأة؟

تخوض المرأة اليوم معركة من أجل ممارسة حقوقها والمحافطة عليها في نظام يحكمه زعماء الطوائف، الا ان هناك اسباباً عدة تمنعها من ذلك، تأتي في طليعتها  الطبقة الحاكمة التي لا تؤمن بأهمية النساء في مطبخ اتخاذ القرار. "البلد يقوم على الديموقراطية الشكلية والاحزاب التي لديها خطاب مدني او علماني تشارك مع الأحزاب السياسية في اقصاء النساء"، تقول منار زعيتر لـ"مهارات نيوز". وتضيف ان القوانين هي التي تميز المرأة عن الرجل، اذ لا يمكن التركيز على مشاركتها السياسية كمواطنة ومنعها من اعطاء الجنسية لأولادها. وتركز زعيتر على كيفية توزيع الأدوار، اذ يعطى للمرأة الدور الاجتماعي والانجابي بينما مراكز صنع القرار السياسي والقيادة تبقى للرجل في مجتمع ذكوري.

للتغير والتجديد

ثمة اجماع ان النساء اللواتي حصلن على مقاعد نيابية في انتخابات 2009 لا يمثلن تطلعات المرأة اللبنانية ولا يحملن قضايا النساء. "تنجح المرأة في الانتخابات اما لكونها اخت الزعيم او زوجة الزعيم او اذا كانت مدعومة من حزب معين ما يجعلها تلتزم بقراراته ويجردها من دورها"، تقول زعيتر. وعن دور النواب وخصوصاً النساء، تقول المرشحة سعدى حليمة "ما خصّن بالعمل النيابي"، وتضيف أن الطبقة السياسية الموجودة حالياً تعيش في كومة من الفساد في مختلف الوزارات ومن الصعب ان تصل المرأة في ظل الارث العائلي". الهدف من ترشحها هو تسجيل موقف وحاجة الناس الى وجوه جديدة داخل مجلس النواب، علماً ان حليمة شبه متأكدة ان "اقتحام حوالى 40-50 امرأة البرلمان يترك بصمة".

في هذا السياق، تعتبر المرشحة ندين موسى لـ"مهارات نيوز"، أن "الهدف هو التغيير والمطلوب مواجهة حقيقية تتمثل في معارضة سياسية تنشق لتوقف الخطر". وتعيد المشكلة الأساسية حيال تهميش دور المرأة الى النظام القائم، مؤكدة على ضرورة طرح خط سياسي جديد بديل عن الواقع الموجود حالياً.

"فليجربونا ما اذا كنا نستطيع التغيير انطلاقاً من  مجلس النواب، سنغيّر وجه البلد وسنتصدى للفساد"، تقول المرشحة منى دياب، التي تريد المشاركة في الحياة السياسية "عنوة عن الرجل"، وفق تعبيرها. وتحتد على القانون الذكوري الذي يجرّم المرأة في قضية الشرف ويضع ولاية عليها ويعتبرها نصف "زلمي". لم تغب الشعارات عن المرشحة النيابية، فعند سؤالها عن الخطوات التي ستقوم بها كونها مرشحة وعن عملها في الأيام المقبلة تجيب "سنصعّد وسنبقى نتحرك ضد التمديد ومفاعيله وسنشدد على ضرورة العودة الى الدولة وتعزيز دور الجيش والعمل على الغاء الطائفية السياسية في البلد". ولم تنسَ دياب المطالبة بالكوتا النسائية.

الأولوية لقضايا المرأة

في هذا الإطار، تؤكد زعيتر ان النساء يخطئن كأي فرد في المجتمع، لكن هذا لا يعني عدم محاسبتهن. "هدف من الأهداف التواجد كإمراة في البرلمان وكسر "التابو". لكن الأولوية ان تحضر قضايا النساء من خلال التشريعات، نريد أن نرى في مجلس النواب من يحاسب الحكومة على خطة العملعن التمييز العنصري، التحرش الجنسي، العنف ضد النساء، بطالة النساء". وتأسف زعيتر لغياب هذه القضايا المرتبطة بالمرأة في شكل اساسي عن المرشحات، اذ يمكن ان تكون واحدة او اثنان تبنتا قضية العنف الأسري في برنامجها. وتضيف "يأتي التبرير ان المرشحات لا يردن فقط رفع قضايا النساء، لكن في المرحلة الحالية ليس هناك رجال يحملون قضيتنا  لذلك على النساء مسؤولية اساسية تتلخص بحمل قضايا المرأة". وتعتبر أن القضايا الاخرى من الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي من البديهي ان يكون لهن موقف والعمل على تلك المواضيع لكن الأولوية تبقى لقضايا المرأة".

 وفي ما يخص الكوتا النسائية، تؤكد زعيتر انه يجب تطبيقها ضمن رزمة من الاصلاحات الانتخابية لأن غير ذلك سيعيد انتاج طبقة نسائية تابعة لفئة سياسية معينة. وتتابع قائلة: "الاشكالية معقدة ولكن يجب ان تكون هناك خطوات استراتجية انطلاقاً من اصلاح القوانين ومنها الكوتا كتدبير موقت ضمن حزمة اصلاحية انتخابية وتمكين النساء". والتحدي الكبير "هو كيفية خلق مناضلات نسويات يحملن الهم العام وتملكن الوعي النسوي الفكري"، وفق زعيتر.

الأولى والأخيرة

ففي دراسة أجراها "التجمّع النسائي الديموقراطي اللبناني" بعنوان "تعزيز دور الأحزاب والنقابات في النهوض بالمشاركة السياسية للنساء"، يُعتبر لبنان البلد العربي الأوّل الذي أعطى المرأة حق الترشح والانتخاب العام 1953، وجاء ذلك نتيجة نضالات طويلة واعتقالات نسائية عدة. وسجّل أوّل انتصار وتقدّم مفصلي للمرأة اللبنانية في المجال السياسي. الا أن تلك المبادرة كانت الأولى والأخيرة، كما أنها لم تؤثر في شكل ملحوظ على التمثيل النسائي في المجالس النيابية المتعاقبة.

ففي استعادة للمشاركة النسائية في البرلمان، نجد أن غالبية النساء حصلن على مقاعد نيابية، اما عبر الوراثة السياسية أو عبر ترشيح الأحزاب السياسية لهن على لوائحهم. علماً أن بعض النساء أخذن المبادرة وترشحن مستقلاّت، لكن لم تصلن الى أي نتيجة. انطلقت حالات الوراثة السياسيّة مع البرلمانيّة الأولى ميرنا البستاني التّي فازت بالتزكية في انتخابات عام 1963 بعد وفاة والدها اميل البستاني. وفي المقابل، غرّدت خارج السّرب، إميلي ابراهيم، عضو اللجنة المركزية للحزب الشّيوعي اللّبناني، مقدّمةً ترشّحها في دورة عام1953 ، لكن الحظ لم يحالفها .

وبحسب دراسة أجرتها اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة لعام 2014، بيّنت حصر تمثيل المرأة بالوراثة السياسية، وضعف مشاركتها على صعيد الترشح للانتخابات النيابية الى يومنا هذا. كما لفتت الى أن هناك بعض النساء المستقلات اللواتي ترشحن للانتخابات من تلقاء نفسهنّ، ولم تفزن. 

هذا وأكدت أن نسبة مشاركة النساء في مجلس النواب لم تتجاوز الـ 4،68% من اجمالي 128 مقعداً. واقتصر وصول ثلاث نائبات فقط في دورات 1992،  1996 و2000. فيما لم تتجاوز الست نساء في دورة العام  2005. لتعود وتنخفض الى أربع في دورة 2009.

كما أشارت الى أن عدد المرشحات في حال تغيّر واختلاف، بحيث بلغ امرأة واحدة عام 1963. أما بعد انتهاء الحرب، فتفاوت هذا العدد بين ستّ نساء كحد أدنى و18 كحد أقصى.

وشدّدت على أنه منذ اجراء الإنتخابات النيابية الأولى بعد الحرب (1992)، راوحت مشاركة المرأة في البرلمان ما بين 2،34% كحدّ أدنى و4،68% كحدّ أقصى.

 

عوامل تُضعف مشاركة المرأة

رغم المساواة التي نص عليها الدستور اللبناني ومنح قانون الانتخاب حق الترشح للجنسين، لا تزال مشاركة المرأة في السياسة خجولة جداً، وذلك يعود لجملة أسباب، عرضتها الناشطة في اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة، ندى مكّي. هذا وقسّمت هذه العوامل الى ثلاثة أقسام: اجتماعية، اقتصادية وسياسية. كما ارتكزت على بحث أعدّته اللجنة لاعطائنا الاجابات الآتية.

في ما يتعلّق بالعوامل الاجتماعية، اعتبرت أن الثقافة، على اختلاف سماتها، تُساهم في شكل أساسي في اعاقة وصول المرأة الى مراكز القرار.

وأشارت الى ظهور نتائج هذه الثقافة في المجالات الآتية:

-  وضع المرأة تحت اشراف سلطة أبويّة مُطلقة وادراجها اجتماعياً في مرتبة أدنى من الرجل.

- إعطاء الأولوية للمرأة في القيام بدورها المنزلي – العائلي، وسط التقليل من أهميّة عملها كقيمة اجتماعية واقتصادية وسياسيّ.

- التشديد على أنّ الرجل هو الممثل الوحيد للعائلة والمحافظ على مصالحها ومصالح المنطقة أو الطائفة، حتى ولو كان أقل كفاءة من المرأة.

- التمييز بين النساء داخل الطائفة الواحدة وعبر الطوائف، وسط  اختلاف الثقافات الطائفية والمناطقية.

- تأمين الغطاء الكامل للعنف الممارس ضدّ المرأة، مما يؤثّر سلباً على حريتها وممارسة حقوقها.  

- الثقافة اللبنانية، وتحديداً السياسية النزاعية، غير المُتجانسة والرافضة للتعدّدية والتنوّع.

أمّا في ما يخصّ تلك الاقتصادية، فحصرتها مكّي بكلفة الحملات الانتخابية، وتليها  افتقار المرأة للاستقلالية المادية، هذا الى جانب الكلفة المالية الباهظة لاقامة شبكة علاقات اجتماعية ولتأمين المتطلبات الضرورية لها. لتختم بالرسوم الضرورية لانشاء هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات. 

بالانتقال الى العوامل السياسية، تؤكّد مكّي أن المشكلة الاساسية تكمن في قانون الانتخاب الذي لا يقبل واضعوه اجراء الاصلاحات الضرورية عليه، خوفاً على مراكزهم، وذلك في ظل غياب المساءلة والمحاسبة. هذا الى جانب خلو قوانين الأحزاب من ذكر آليات تحقق المساواة في الفرص بين الجنسين. وتُضيف الى ذلك اضطرار المرأة لخوض الانتخابات مُستقلة، في ظلّ النظام الأكثري الذي يُعزز موقع الأحزاب واللوائح الكبرى على حساب المستقلين والأحزاب الصغرى. ولم تنسَ التطرق الى معارضة بعض الطوائف لترشيح نساء طائفتهن وقبولهن بمرشحات أُخريات. لتختم بالسلوك الانتخابي للمرأة المُساهم، في اعادة انتاج الطبقة السياسية المُتنكّرة لأبسط حقوقها كانسانة في الدرجة الأولى ومن ثمّ كمُواطنة، كون المرأة تشكّل نصف عدد الناخبين.  

 

اقتراحات حلول

تكمُن الحلول في ثقة المرأة بنفسها وبقدراتها وبكسر خجلها وتردّدها، الى جانب تنمية حسّ المبادرة الفردية لديها واندفاعها نحو خوض معارك سياسية حادّة. بالاضافة الى معرفتها بحقوقها السياسية، واقتناعها بأهمية المشاركة في المجال السياسي.

- ترشيد التربية والسلوك لدى مختلف أفراد المجتمع والابتعاد من التمييز الجنسي. اضافة الى معالجة عقدة الفوقية الذكورية والنظرة الدونية للمرأة وتعيينها في المراكز الأولى، في حال أثبتت كفاءتها وتفوقها على الرجل.

- اعتماد الكوتا النسائية الموقتة بنسبة30% كحدّ أدنى، واعتبارها دافعاً للنساء وخطوة أولى لبلوغ الهدف المنشود.

- تعديل قانون الانتخاب القديم بما يضمن صحة تمثيل المرأة.

- التنسيق والتعاون بين الهيئات النسائية، وتوحيد جهودهنّ  لوضع خطط واستراتيجيات تمكّنهم من ممارسة الضغط على البرلمان لتطبيق الكوتا ولانتزاع حقوقهنّ المسلوبة.

- خلق شبكة تواصل مع النساء الرائدات في مختلف المجالات والحصول على دعمهنّ.

- اقامة ورش تدريب لتفعيل مشاركة المرأة في السياسة وتعليم المرشحات تقنيات ادارة الحملات الانتخابية وتمويلها.

- استعمال وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لتأمين الدعم للمرشحات، مع اشراك  الذكور خصوصاً في هذه الحملات.

- وضع سياسات عامة وقوانين تُجبر قادة الأحزاب باعتماد المناصفة في ترشيح الجنسين على لوائحهم.  وفي المقابل، فرض عقوبات على المُخالفين.

- عرض برامج ثقافية - توعوية، تبرز أهمية مشاركة المرأة في البرلمان وحثّها على الترشح للانتخابات ومساعدتها.

- التعاون ما بين الدولة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني لتعزيز حضور المرأة سياسياً والتكاتف لدعم تكاليف ترشّحها وحملتها الإعلامية الانتخابية.