Loading...

الإحتكار: قاتل التقدّم و الإبتكار

لم ينجو قطاع الإتصالات و الإنترنت من الإفلاس البنيوي للدولة اللبنانيّة منذ نشأتها. كما لم ينجو أيٌّ من القطاعات الخدماتيّة الأخرى التي تحتكرها الدولة بشكل مباشر أو عبر عدد محدد من الإمتيازات التي تمّ توزيعها في يوم من الأيّام على أصحاب النّفوذ من أبناء الإقطاع السّياسي و الإقتصادي.

 

فالإتصلات في لبنان محتكرة بموجب القانون من قبل الدولة ممثّلة بوزارة الإتصالات (وزارة البريد و البرق و الهاتف سابقاً). هذا يعني أن للدولة الحق الحصري في تأمين كل الخدمات المتعلّقة بوسائل الإتصال: البريد (و قد لزّمت الخدمة لشركة Liban Post) و البرق Data و الهاتف و قد لزّمت هذه الخدمات لمؤسّسة  Ogero (Organisme de Gestion de l’ex Radio-Orient). 

 

و تملك وزارة الاتصالات في لبنان حوالي  150 Gbps من السعات الدولية بحسب الموقع الالكتروني لهيئة Ogero. وهي لا توزع على المواطنين أكثر من 100 Gbps عبر مجمل موزعي خدمات الانترنت الشرعيين. وبعمليّة حسابيّة بسيطة يمكننا استنتاج أن لكل مواطن في لبنان سعة دولية لا تتعدّى 0.024Mbps بينما يفوق المعدّل العالمي للسّعات الدوليّة حد ال 6Mbps أي أكثر من 250 ضعف المعدّل اللبناني.

ومما لا شك فيه أن هذه السعة المتاحة للسوق اللبناني ليست بكافية ولا تلبّي حاجات لبنان على المستوى الشعبي ولا على مستوى المؤسسات العامة والخاصة التجارية منها والتربوية والصحيّة والاعلامية وغيرها. فلماذا يا ترى تتمسك الدولة هكذا بحصرية امتلاكها لهذا القطاع من دون القيام بتطويره لكي يتلأم مع متطلبات الشّعب اللبناني وقطاعاته الانتاجية؟

 

انها مسألة خطيرة جدا على مستقبل الاقتصاد الوطني سيما أن الدولة تتصرف بنفس الطريقة في كافة القطاعات التي تملك حصرية استثمارها وهي قطاعات أساسية بالاضافة الى قطاع الاتصالات, كالكهرباء والمياه والنقل العام والدواء و النفايات وبعض القطاعات الاخرى.

 

وقد دأبت الحكومات المتعاقبة على خنق كل هذه القطاعات من أجل تقويض انتاجيتها وخلق عدم تكافؤ بين العرض والطلب. فما هي مصلحة الدولة في انعدام التكافؤ بين العرض والطلب؟ او بالاحرى ما هي مصلحة القيّمين على الدولة من رجال سياسة ومتنفذين واصحاب مصالح من تنفيذ سياسات كهذه؟

 

في أي بلد من بلاد العالم حين يشح العرض يكبر الطلب. وحين يكبر الطلب ترتفع الاسعار. أما في بلادنا فهذا الامر لا يحصل هكذا، لأن الاسعار بيد الحكومة. فحين يزيد الطلب تثبت الحكومة الاسعار فلا يبقى للمواطن من أجل تأمين حاجته الا اللجوء للسوق السوداء الغير شرعية وهي في أكثر الاوقات محميّة من المتنفذين والسياسيين نفسهم الذين يطبقون السياسات الرعناء ويثبّتون الاسعار عبر وجودهم داخل الحكومة.

 

مافيا بكل ما للكلمة من معنى.
 

 أنظروا ما جرى في قطاع الكهرباء منذ أوائل التسعينات وفي قطاع المياه والنقل والدواء و أخيرا" في موضوع النفايات.

 

الشيء نفسه يحصل في قطاع الاتصالات:

1- الدولة تملك الحق الحصري في توزيع كل خدمات الاتصالات من هاتف وانترنت

2- الدولة لا تعطي المواطن ما يحتاجه من خدمات رغم تخفيض الاسعار مرارا من دون نفع، فالعرض لا يتواءم مع الطلب.

3- تبدأ مجموعات من المؤسسات غير الشرعية التي لم تستحصل على الرخص اللازمة، بتقديم الخدمات التنافسية وهي محميّة من قوى الامر الواقع على كافة الاراضي اللبنانية والدولة تغض الطرف عن هؤلاء لتَورُّط المسؤولين فيها معهم. وثمة من يقول أن بعض الشركات الشرعية تقوم بتزويد نفس الخدمات غير الشرعية والله اعلم.

4-  و في المحصلة يتكوّن اقتصاد متكامل رديف لا تقيّده قيود وهو موجود فقط لمصلحة القلة من ذوي السلطة ولا يصب في المصلحة العامة أو في الاقتصاد الوطني.

ان هذا التصرف من قبل المسؤولين في حال علموا أو لم يعملوا هو على درجة كبرى من الضرر على مصالح المواطن والمؤسسات والاقتصاد اللبناني.

لا يمكن الاستمرار بهكذا سياسات لا في قطاع الاتصالات ولا في أي قطاع آخر. وعلينا مناشدة الحكومة القادمة في العهد الجديد للتطرّق الى مجمل السياسات الاقتصادية من باب المصلحة العامة وليس المصالح الخاصة الملتصقة بالفعاليات السياسية فهذا لن يؤمن الاستمرارية للدولة اللبنانية ولمؤسساتها ولن يساهم في ارساء الحد الادنى من "السلم الاجتماعي" فاللبنانيون ضاقوا ذرعا من تلك الممارسات التي باتت مفضوحة وواضحة للعيان.

 

أمّا الحل فيكمن في تحرير قطاع الإتصالات و جعل الدّولة أحد اللاعبين و ليس اللاعب الأوحد. و ربما يكون قطاع الإتصلات أسهل قطاع على طريق التحرير و المنافسة إذ أن القوانين اللازمة لهذا الموضوع موجودة و هي تتمثّل بالقانون 431 الذي صدر في سنة 2004 و قد تمّ تطبيق أجزاء مهمّة منه. و إذ نأسف أن تكون قوى الفساد قد تحاملت على هذا القانون و قامت بوقف مفعوله في السنوات الماضية لكننا نأمل أن يعود القانون 431 إلى حيّز التنفيذ فتُبصر الهيئة المنظّمة للإتصلات النور مجدداً و يعود هذا القطاع إلى مسار تصاعدي يؤمّن للبنانيّين مستقبل واعد أسوة بدول المنطقة و العالم.
 

غابريال الديك
رئيس جمعية مجتمع الانترنت في لبنان