Loading...

مرسوم الأسناد والتواقيع الإلكترونية في لبنان… العبرة في التطبيق!

 

يقترب المواطن اللبناني من لمس الحوكمة الالكترونية بطريقة عمليّة، ولو متأخرًا، فلقد أقرّ مجلس الوزراء في جلسة 10 شباط 2024 مرسوم الأسناد الرسمية الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني، سندًا للمادة 8 من قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81 الذي أُقرّ في العام 2018 وجاء لينظم المعاملات الإلكترونية، ويُعتبر هذا المرسوم خطوة أساسية للانطلاق بمرحلة الإصلاحات، ويساهم في تحويل معاملات المواطنين بالكامل إلى الصيغة الإلكترونية ما يُخفف عبء التنقل، التكاليف، هدر الوقت، ويحدّ من الرشاوى.

 

وكان قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي قد نصّ على ضرورة الاعتراف بالأسناد الالكترونية والتواقيع الالكترونية وقبولها كوسيلة إثبات في ظل اتجاه التعاملات المتسارع نحو تجريد العقود والأسناد من دعامتها الورقية واستبدالها بدعامة الكترونية. وعليه، تم العمل على مسودات اقتراحات عدة حتى وصلنا للمرسوم الصادر أخيرًا والذي اعتبره بعض القانونيين مقبولاً للسير به.

 

يُذكر أن قانون المعاملات الالكترونية كان موضع جدل لدى الحقوقيين منذ سنوات، بين من اعتبر أنه لا يمكن الوثوق كليًا بالاثباتات الالكترونية وبين من رأى أن العديد من الدول التي تعتمد المكننة أكدت أن تجربتها ناجحة.

 

مفهوم وأهمية السند والتوقيع الإلكتروني 

يُعرَّف قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي التوقيع الإلكتروني، ببيانات الكترونية مربوطة أو مدمجة منطقيًا مع بيانات أخرى إلكترونية، وتُستخدم من قبل المُوقّع للتوقيع. أما السند الرسمي الالكتروني فهو السند الرسمي المنصوص عنه في المادة 143 من قانون أصول المحاكمات المدنية والذي يصدر بالشكل الإلكتروني وفقاً لأحكام قانون المعاملات الإلكترونية ومرسومه.

 

يُترجم ذلك على أرض الواقع، بمعنى أسهل، يشرحه عضو لجنة التكنولوجيا النائب رازي الحاج لموقع "مهارات نيوز"، ويقول: "الاسناد الالكترونية تساهم في الانطلاق بمفهوم مكننة المعاملات، أي تنفيذها عن بُعد دون حضور المواطن شخصيًا إلى الدائرة التي تتم بها العملية، فالمواطن سيتمكن من ارسال طلب استحصال على معاملة ما الكترونيًا، ليتم ارسال الجواب والمعاملة له بالطريقة نفسها. ويضيف: "القيام بإسناد الكتروني، معناه أن يصبح التوقيع معترفًا به رسميًا بأنه توقيع المواطن، وتوقيع الدائرة الرسمية او الموظف الرسمي، لتفادي حصول معاملات مزيفة أو عمليات تزوير".

 

ويشرح الحاج بأن هذه الخطوة تُعتبر خطوة الألف ميل على طريق الإصلاحات، مشددًا على أن الهدف ليس فقط أن يُنجز المواطن معاملته عن بعد، بل أيضًا ربط كل "الداتا" داخل خوادم الانترنت. مثالاً على ذلك، إذا أراد المواطن تأسيس شركة، يدخل الى تطبيق لتعبئة طلب التأسيس، عندها يبحث خادم الانترنت عن المعلومات والداتا داخل خادم آخر، المخصص للسجل العدلي مثلا، أو لوزارة المالية للتأكد من أنه لا وجود لتهرّب ضريبي أو غيره، وبالتالي يتم جمع المعلومات المطلوبة كافة لإعطاء الترخيص للمواطن عبر الخدمة الإلكترونية.

 

 

ويعتقد الحاج أن تجربة المواطنين في لبنان مع القضايا الإلكترونية لا بأس بها مقارنة مع دول أخرى طور النمو، كمنصة impact التي استُخدمت للمرة الأولى في لبنان للتسجيل لتلقي اللقاح الخاص بكورونا، ولاقت ترحيبًا كبيرًا. أما بالنسبة للمواطن الذي لا قُدرة لديه على الولوج للانترنت، يجيب الحاج: " لا شيء يمنع أن يترافق تطبيق الإسناد الالكتروني مع فريق تقني لمساعدة الناس عبر الهاتف، ووجود شُبّاك موحد لكل معاملات الدولة مخصص للمواطنين الذين لا يملكون انترنت أو هاتفًا أو لا يجيدون استخدام الحاسوب كي يتمكنوا من تقديم معاملاتهم يدويًا، ويكون مركزًا لاستقبال كل معاملات الإدارات الرسمية والوزارات وغير محصور في وزارة واحدة". ويضيف: "كل هذه الأفكار موجودة في وزارة التنمية الادارية والإصلاح الإداري منذ سنوات، والمشكلة كانت في التطبيق وليس في الأفكار والطروحات".

 

اما بالنسبة لقدرة الدولة ماديًا وبشريًا للانطلاق في مشروع المكننة وتطبيقه، يوضح الحاج أن التمويل قد يكون سهلاً عبر البنك الدولي أو أي جهة مانحة أخرى لأن هذا الأمر يُشكل حجر زاوية في عملية الإصلاح ومكافحة الفساد، كما أنه في السابق عندما تبنى مجلس الوزراء استراتيجية التحول الرقمي، كان البنك الدولي على استعداد لتمويله وتجهيز الكادر البشري والإدارات للتمكن من تطبيقه. ويضيف: "إقرار المرسوم يُشكّل مدخلاً للبدء بإعادة هيكلة القطاع العام والتوظيف بحسب الكفاءة، وضخ دمّ جديد في الادارة ذو كفاءات علمية واختصاصات جديدة نحتاج إليها، وبالتالي، من الطبيعي جداً أن نطالب بهذا الموضوع".

 

عراقيل أمام التطبيق!؟

لطالما شكلت الإجراءات البيروقراطية في لبنان أساسًا لضرب القوانين الإصلاحية أو تأخيرها بالحد الأدنى، فضلًا عن الخوف الدائم من غياب الوضوح والشفافية، فمرسوم الأسناد الإلكترونية مثلًا عمره عشرات السنوات، وتمّ تأخيره مرارًا الى أن أُقِرّ أخيرًا، لذلك، الخوف يبقى في أن يستغرق تطبيق المرسوم ووضع الأُطر التنفيذية له بدوره سنوات إضافية.

 

وفي جلسة مجلس الوزراء وأثناء مناقشة مشروع مرسوم الأسناد الرسمية الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني وإبداء الرأي فيه والتصويت عليه، طالب وزير الأشغال علي حميّة بالتريث في التنفيذ لمزيد من الدراسة، ولحين استكمال كافة التعيينات بـ (COLIBAC)، وهو مجلس الاعتماد اللبناني الموجود في وزارة الصناعة لكنه غير مُفعّل وتنقصه التعيينات، في حين أنه يلعب دورًا اساسيًا بحسب القانون في صلاحية اعتماد التواقيع الإلكترونية في السندات والمعاملات الرسميّة للأشخاص، إذ تنصّ المادة السادسة من اقتراح الاسناد الالكتروني على "ضرورة الاستعانة بمقدمي خدمات توقيع إلكتروني ومصادقة معتمدين من قبل "كوليباك" أو من قبل إحدى الهيئات الأوروبية وفقاً للنظام الأوروبي، الواردة ضمن اللائحة المرفقة مع المرسوم واللاحقة التي قد تصدر عن المجلس اللبناني للاعتماد بعد صدور المرسوم". 

 

في السياق، أعلن وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان في تصريح أن الإطار التنفيذي سيكون ضمن مجلس الاعتماد اللبناني الذي سيدير المشروع، ووعد استكمال تعيين المؤسسة العامة الضرورية في الجلسة الثانية لبدء مرحلة الإصلاح ضمن الأطر القانونية وتطبيق التوقيع الالكتروني. والسؤال هنا، هل تتأخر التعيينات كما تأخر اقرار مرسوم الاسناد، فيعود أدراجه كما القوانين المُكدسة التي تنتظر تطبيق مراسيمها؟ الجواب رهن الوقت. 

 

اضافة الى ذلك، كان الوزير حميّة قد طالب بإدراج بعض المواضيع التقنية ضمن المرسوم، والتي كانت مذكورة في احدى المسودات السابقة بحسب ما علمت "مهارات نيوز"، ومن ضمنها أن تكون خوادم الإنترنت موجودة في لبنان لا في الخارج. وقد حاول موقع "مهارات نيوز" التواصل مع حميّة إلا أنه لم يُجب على الاتصالات. 

 

 

في هذا الإطار، اقترح مقرر لجنة التكنولوجيا النائب الياس حنكش انضمام المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية والاجهزة الامنية الى اجتماع لجنة التكنولوجيا لمناقشة الموضوع. ويقول حنكش في حديث لموقع "مهارات نيوز": "أكد كريدية بعد التحاور معه قدرة خوادم أوجيرو على استيعاب القدرة التشغيلية ولديها امكانية 5.7 تيرابايت، ولدينا ثقة بأوجيرو طالما البيانات محمية، رغم أن لبنان ليس بأفضل حالاته، وما حصل من خرق في المطار أكبر دليل على ذلك، لهذا فضّل البعض أن تكون الخوادم خارج لبنان، إلا أنه بالمقابل منصة impact تُعتبر من افضل الانجازات والداتا موجودة ما يسهّل العمل، من هنا لا مانع بأن تكون الخوادم في لبنان مع جهة موثوقة، طالما لديها القدرة والحماية والأمن، وسط متابعتنا الدائمة لموضوع الأمن السيبراني".

 

ويضيف حنكش أن هذه الخطوات الصغيرة تأخذنا باتجاه دولة حديثة ومتطورة وإدارة دولة الكترونية بطريقة يتمكّن المواطن فيها من انجاز معاملاته عبر الهاتف بسرعة وانتاجية أكبر، والأهم، من دون لا رشاوى ولا ابتزاز ولا فساد. وهنا، يشير حنكش الى أن أمام كل ذلك، هناك بعض الأشخاص المستفيدين من الضياع والاهتراء والفساد في الادارة، يُفضّلون الإبقاء على الأطر القديمة، لذلك قد تستمر محاولات العرقلة، ويقول: "المهم أن نملك العزيمة الكافية، خصوصًا الجيل الشاب في البرلمان، لنتمكن من الدفع باتجاه تطبيق القانون الجديد، للتوجه نحو حكومة إلكترونية وتطبيق إلكتروني، فعلى سبيل المثال، في العام 2018، أقمت ندوة لنحو 6 ساعات لكل بلديات المتن والمخاتير وكُتّاب العدل عن موضوع التحول الإلكتروني، لأن هذا الأمر أساسي ويجب اعطائه الأهمية الكبرى".

 

وحول السؤال، هل سيُعرقل المرسوم أم سيلمسه المواطن في المدى القريب؟ أجاب حنكش، أن الأمر رهن التطبيق الذي سيحصل، لكن الأهم هو البدء وعدم الرجوع الى الوراء حتى لو كان هناك محاولة لعرقلة التغيير في بعض الإدارات.

 

هل يسبق التطور التكنولوجي القانون اللبناني؟

تتطور التكنولوجيا عالميًا بشكل سريع ويومي، ما يفرض على دول العالم ومنها لبنان تحديث القوانين والتشريعات التي تُعنى بالشأن الرقمي باستمرار لمواكبة هذا التطور العالمي.

 

وعليه تقدم النائب رازي الحاج باقتراح قانون لتأمين استمرارية التحول الرقمي، اضافة الى اقتراح قانون لإنشاء الوكالة الوطنية للتحول الرقمي لمواكبة التطور التكنولوجي، كما تقدّم  أيضًا باقتراح قانون مكننة الدوائر العقارية عبر ربطها  بكُتّاب العدل وهو أمر موجود في كل الدولة المتقدمة، حيث أن المواطن لا يذهب الى الدوائر العقارية شخصيًا للقيام بمعاملته بل يتجه الى كاتب العدل الذي ينفذّ كل ما يلزم عبر نظام الربط الالكتروني ، ما قد يعالج أزمة الدوائر العقارية المقفلة في لبنان منذ أكثر من عام.


ويشدد الحاج على أنه يجب على الدولة أن تقوم بواجبها رغم الظروف الصعبة، فعمليًا، ومن حيث مبدأ فصل السلطات الذي لا يمارس في لبنان بشكل صحيح بحسب الحاج، كل نائب يحق له تقديم اقتراحات قوانين ولكن عندما يكون هناك أمور تقنية، على الحكومة أن تقوم بإرسال مشاريع قوانين إلى المجلس، لانها السلطة التنفيذية والإجرائية، ومن مسؤوليتها إعداد المراسيم التطبيقية التابعة لها على المستوى التقني.

 

إذاً، لا يزال مسار مرسوم الأسناد الرسمية الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني بحاجة الى الأُطر التطبيقية واستكمال تعيينات "كوليباك" التي يتم العمل عليها من قبل المعنيين والتنمية الادارية للبدء بوضع القانون ومراسيمه حيز التطبيق للانطلاق الى الخطوات اللاحقة، وإلا سيبقى القانون حبرًا على ورق.