Loading...

كفيف "ما بيقدر"

تتذكر دائماً وأنت تعيش في لبنان، أنّ مجتمعا كهذا ما زال يرفض كلمة الإختلاف. يرفضها، او على الأقل ما زال ينظر إليها من منظار سلبي، غير مكترث بما قد تحمل هذه الكلمة من معاني الإيجابية المتمثلة بالتنوع الذي يغني المجتمع ويرقى به إلى التطور والحضارة.

الإعاقة على تعدد أنواعها ودرجاتها، هي أحد أوجه الإختلاف الذي ما زال مجتمعنا اللبناني حتى اليوم، غير قادر بشكل كبير على فهم هذا الإختلاف ايجابياً، وذلك من خلال الرفض لمبدأ دمج المعوق في الحياة التربوية، العملية، الثقافية والإجتماعية. من جهته، ما زال الإعلام في لبنان، غير جادّ في حمل راية قضية الإعاقة، على الرغم من بعض المحاولات الخجولة للحديث عن هذه القضية بين الحين والآخر.

حقوقياً يتحدث القانون اللبناني 220 / 2000 بوضوح، كما الإتفاقية الدولية لحقوق المعوقين، عن حق هؤلاء الأشخاص بفرص عمل ومعيشة لائقتين، بشكل متساو مع الأشخاص غير المعوقين، الأمر الذي ما زال ينتظر وعي ومسؤولية الدولة اللبنانية في تطبيق هذه البنود واحترامها.

وبالعودة إلى الإعلام، لناحية فرص العمل، لم يكن توظيف شخص معوق في المؤسسات الإعلامية بالأمر الصعب أو المستحيل، فقد كان هناك العديد من التجارب الناجحة والتي يصعب اختصار مسيرتها في هذا المقال، أمثال الإعلامي الكفيف سامي جلول في "إذاعة لبنان"، إضافة إلى الصحافية نيكول طعمة في جريدة "النهار"، وهي كفيفة أيضاً. ولكن، على الرغم من وجود هذه النماذج التي أثبتت نجاحاً كبيراً في مجال عملها، غير أنّه وحتى الأمس القريب، كانت مؤسساتنا الإعلامية، المرئية منها على وجه الخصوص، تخشى فكرة المراسل المعوق، نتيجة لاعتبارات عدة، خصوصاً مع غياب هذه التجربة عن الشاشات العربية.

وفي العام 2013، تمكنت قناة "الجديد" في لبنان، وبخطوة كبيرة، من كسر هذا الحاجز الذي وضعته بقية المؤسسات الإعلامية اللبنانية والعربية أمام فكرة توظيف مراسل معوق بصرياً ليطل عبر شاشتها.

بالنسبة لي، حلمت بهذه التجربة منذ الصغر، ولكني كنت دائماً أنظر إلى واقعنا الإعلامي الصعب، الذي قد يعيق وصولي إلى حلمي هذا، إلى أن أصبح هذا الأمر واقعاً في صيف العام 2013.

لم يكن تصوري واضحاً حول ما سأواجهه من مصاعب في خوضي لهذه المهنة، نتيجة لعدم وجود تجارب سابقة تساعدني في فهم عملي الجديد كشخص كفيف. وفي هذا الإطار، كنت أعتمد على زملائي المصورين والمراسلين بشكل خاص، لأكتسب منهم ما استطعت من خبرة، في مهنة تعتمد بشكل أساسي على الصورة والتقنيات البصرية في شتى مراحل تحضير التقرير.

كان سهلاً لي وبعد أشهر قليلة على بداية عملي، فهم التحدي الوحيد الذي أواجهه في كل مرة أعد فيها تحقيقاً او تقريراً، ألا وهو التنقل بمفردي في أماكن التصوير. لذلك، كان الزملاء المصورون خير مساعد لي في هذا الموقف، لتنتهي بذلك مقولة (ما بيقدر) والتي كانت وما زالت تطلق على الشخص المعوق بصرياً. كان هذا هو التحدي الإضافي الوحيد الذي مررت به إضافة إلى التحديات التي يمر بها أي مراسل.

ممنوع الحكم على المعوقين بالرفض فقط لأنهم معوقون، هذا ما كنت وما زلت أسعى من خلال تجربتي اثباته للمؤسسات الإعلامية وبقية المؤسسات، التي لا ترى في الشخص غير إعاقته، ولا تنظر إلى ما قد يحمل من قدرات يفيد بها مجتمعه وبلاده. ممنوع رفض المعوقين لأنهم معوقون، فالقانون يكفل حقوقهم في فرصة عمل ومعيشة لائقتين ومتوازنتين مع غيرهم من المواطنين، لا سيما اننا كمعوقين أثبتنا قدراتنا في الكثير من التحديات في مجتمع معظمه لا يؤمن او يفقه معنى الاختلاف.