Loading...

بيانات 27 ألف أستاذ رسمي إلى العلن... أين حماية البيانات؟

 

تفاجأت أستاذة في التعليم الرسمي في شمال لبنان باتصال تلقّته من شركة تأمين تعرض عليها التأمين على حياتها في الشركة، وبعد رفض الأستاذة العرض أجابتها المندوبة بأن راتبها بالدولار يسمح لها بإجراء التأمين، وأضافت أنها لديها معلومات شخصية عديدة عنها مثل الحالة الاجتماعية وعدد ساعات العمل والبريد الالكتروني الخاص بها.

 

الإتصال جاء بعد نشر وزارة التربية للائحة تضم المعلومات الشخصية للأساتذة المتعاقدين في القطاع العام عبر مجموعات الواتساب الخاصة بهم، ومن ثم تسربت هذه المعلومات الى العلن. وتضمنت المعلومات عدد ساعات عملهم ورقم الحساب المصرفي والحالة الاجتماعية وكافة المعلومات المطلوبة عن أي أستاذ كتاريخ الميلاد واسم الأم والأب، معلومات يُفترض أن تبقى سرية ولكن بطريقة ما عن علم أو جهل انتشرت تلك المعلومات لأكثر من 27 ألف أستاذ دون تبرير أو تصحيح للخطأ من قبل الوزارة، وعند محاولة أخذ تصريح من بعض الأساتذة المنشورة معلوماتهم كان الجواب "هناك ضغوطات تمنعنا من التصريح خوفًا من فقدان العمل"!.

 

خطأ غير مقصود؟

بدأت القضية بعد نشر وزارة التربية ملف"Excel"  يتضمن معلومات خاصة لجميع الأساتذة في التعليم الرسمي بهدف "الشفافية" بحسب مصادر الوزارة، إلّا أن الأمر خرج عن السيطرة وانتشر بطريقة خاطئة بين مجموعات الأساتذة عبر تطبيق "واتساب" لتقوم الوزارة لاحقًا بتدارك الوضع وانشاء رابط يمكن من خلاله للأستاذ الاطلاع على الساعات المنفّذة واحتساب الحوافز، ومن الطبيعي بحسب المصدر أن يكون هناك بيانات شخصية عن الاساتذة لاحتساب عدد الساعات.

 

 

تواجه الوزارة حملة اعتراضات واسعة على تسريب المعلومات الشخصية، وتقول رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي الدكتورة نسرين شاهين لموقع "مهارات نيوز": "الخطأ اعتدنا عليه من قبل الوزارة، وكان من الممكن وضع أرقام سرية ليعرف الأستاذ ساعات عمله وطريقة احتساب راتبه بدون نشر المعلومات الشخصية الخاصة جدًا، ونتيجة هذا الخطأ يمكن لأي استاذ أو مواطن معرفة كافة التفاصيل عن حياة الأساتذة من تاريخ ميلاده وصولاً إلى راتبه.

 

واعتبرت شاهين، أن الوزارة حاولت استدراك الموضوع عبر الرابط الجديد الذي ورغم ايجابيته إلّا أن الملف قد انتشر ولا يمكن سحبه ممن وصلت إليهم البيانات، وفي حال كان الهدف من النشر هو الشفافية فمن الأفضل أن ينشر الوزير والإدارة العامة المصاريف والهبات التي وصلتهم في السنوات الأخيرة، لا أن يتم نشر تفاصيل الأساتذة الصغار.

 

وأضافت شاهين "تعتبر الوزارة أن المشكلة قد حُلّت عبر الرابط الجديد، هذا الرابط الذي تحتاج فقط أن تمتلك تاريخ ميلاد الأستاذ لتعرف كافة تفاصيل حياته وهذه قمة اللاسرية، بينما كان يجب عليها أن تقوم بأبسط مقومات الحماية كوضع رقم سري لكل استاذ يحميه من خرق بياناته".

 

 

قانون 81 لا يُطبّق

أقر لبنان في العام 2018 القانون رقم 81، "قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي" الهادف لتنظيم العمل الإلكتروني وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي، وكان اقتراح القانون قد بدأ العمل عليه في العام 2004 عندما وضع الخبيرين الفرنسيين البروفسور بيار كتالا والأستاذة فاليري سيداليان مسودته الأولى وتم ترجمته للغة العربية.

 

القانون غير المطبق أصلاً يحتوي على العديد من الثغرات لا سيما في الباب الخامس منه والمتعلق بـ" حماية البيانات ذات الطابع الشخصي". ومن أخطر الثغرات في القانون والخاصة بحماية البيانات أنه لا يطبق على الإدارات العامة للدولة، إلا أن المعلومات المنتشرة الخاصة بالأساتذة هي بالأصل صادرة عن جهة رسمية يُفترض بها حماية حقوق الأساتذة.

 

تشرح رئيسة جمعية نواة للمبادرات القانونية "Seeds" المحامية ليال صقر لموقع "مهارات نيوز" كيف يكرّس القانون رقم 81/2018 في المادة 93 حماية البيانات ذات الطابع الشخصي إذ يلزم المسؤول عن معالجة البيانات ذات الطابع الشخصي باتخاذ جميع التدابير، بحسب طبيعة البيانات والمخاطر الناتجة عن المعالجة، لضمان سلامة البيانات وأمنها ولمنع تعرضها للتشويه أو تضرّرها أو وصولها إلى أشخاص غير مخولين الاطلاع عليها. 

 

ويعاقب القانون بحسب صقر كل من أقدم، ولو بالاهمال، على إفشاء معلومات ذات طابع شخصي موضوع معالجة، لأشخاص غير مخولين الاطلاع عليها، بالغرامة من مليون ليرة لبنانية إلى ثلاثين مليون ليرة لبنانية وبالحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات او بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك بحسب الفقرة الثالثة من المادة 106 من القانون. كما تنص المادة 108 منه على تشديد العقوبة والغرامات من الثلث إلى النصف في حال تكرار الفعل، إلّا أن ملاحقة المسؤول عن ارتكاب جرم "إفشاء معلومات ذات طابع شخصي موضوع معالجة" لا يتم إلّا بناء على شكوى المتضرر، وهذا يعني بأنه لا يمكن للنيابة العامة مباشرة الملاحقة من تلقاء نفسها، فتقوم بذلك بعد أن يقدّم المتضرر من الجرم شكوى، وهذا ما تنص عليه المادة 109 من القانون 81/2018. كما تنص هذه المادة على أنه يسقط الحق العام أي الدعوى العامة في هذا الجرم تبعًا لإسقاط الحق الشخصي، إذا حصل هذا الإسقاط قبل أن يصبح الحكم في الدعوى مُبرمًا.

 

 

وأضافت صقر أن خصوصية المعلومات الشخصية الموجودة لدى الوزارت تم تكريسها ايضًا في قانون "الحق في الوصول إلى المعلومات" رقم 28 الصادر بتاريخ 10/02/2017، الذي تنص المادة 4 منه على أنه يحق فقط لصاحب العلاقة الوصول إلى الملفات الشخصية، كما تمنع المادة 5 من هذا القانون الإدارة عن الإفصاح عن المعلومات المطلوبة إذا تناولت حياة الأفراد الخاصة وصحتهم، والأسرار التي يحميها القانون كالسرّ المهني، علمًا أن إفشاء الأسرار المهنية هي جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات في المادة 579.

 

إذاً، وبحسب صقر فإن خصوصية المعلومات ذات الطابع الشخصي الموجودة في الوزارات مكرّسة في القانون اللبناني، كما وأن تسريب أو إفشاء بيانات ذات طابع شخصي ولو بالإهمال يعاقب عليه بحسب قانون "المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي"، وهذا ينطبق على البيانات الموجودة لدى وزارة التربية والتعليم العالي. ويمكن لأي متضرر من هذا الإفشاء اللجوء إلى النيابة العامة أو المحكمة الجزائية المختصة وتقديم شكوى بذلك.

 

تسريبات بالغة الخطورة

يفتح تسريب المعلومات الشخصية لأي مواطن الباب للعديد من المخاطر التي قد يتعرض لها، لذلك تسعى الدول والحكومات دائمًا لتكريس مبدأ حماية البيانات الشخصية لمواطنيها، وبحسب مدير المحتوى الرقمي في منظمة "سمكس" للحقوق الرقمية عبد قطايا فإن تسريب معلومات الأساتذة يُعتبر بالغ الخطورة فهو يعرّض الأساتذة لعدّة مخاطر حالية ولاحقة من خلال نشر البريد الشخصي ورقم الهاتف، وفي هذه الحالة يمكن للمقرصنين الوصول إلى معلومات اضافية في حال ربطها ببعضها.

 

ويضيف قطايا في حديث لـ "مهارات نيوز" أنه لا يمكن ضبط ما تم نشره فالمعلومات قد سُرّبت، وتطبيق القانون 81 لم يتم بالأساس ولا يوجد أصلًا معايير في الدولة تلاحق مُسرّب المعلومات، كما لا يوجد نظام داخلي في الوزارة لتجميع تلك البيانات، والمعلومات المسربة تمت من خلال ملف Excel لا يحمل حتّى رقم سرّي للدخول اليه.

 

المشكلة الأساس بحسب قطايا أن القانون لا يُطّبق، "والأفضل أن يرفع المواطن قضيّة حتى لو بقيت سنوات في المحكمة، من أن يتم تسريب المعلومات بلا ملاحقة خصوصًا أن المخاطر السيبرانية كبيرة جدًا".

 

ورغم عدم تطبيق القانون وحماية البيانات الشخصية للأساتذة إلّا أن المشكلة الأكبر التي تواجه الأساتذة هي محاولات اسكاتهم لمنعهم من الاعتراض على التسريبات وهو ما حصل عندما امتنع العديد من الأساتذة عن التعليق خوفًا من "الملاحقة القانونية" بحسب تعبيرهم، ما يعني أن سياسة كمّ الأفواه مستمرة الى أن يستجد في الأمر جديد.