Loading...

مسودة اقتراح قانون لتفعيل العمل البلدي: هل تُبصر النور وتُحدث التغيير المنشود؟

 

تُعاني البلديات في لبنان العديد من المشاكل أهمها الثغرات في القانون الحالي - المرسوم الاشتراعي رقم 118 سنة 1977، فضلا عن الصلاحيات المحدودة، الروتين الإداري المرهق، الضعف المادي، الاستنسابية في الرقابة، والفوضى في تشكيل البلديات... مشاكل كثيرة ترزح البلديات تحتها، وتساهم في تقييدها في كثير من الأوقات وتجعلها غير قادرة أو عاجزة عن تلبية الاحتياجات المطلوبة.

فشِل القانون الحالي في مساعدة البلديات على تحمل مسؤولياتها وتأدية دورها كما يجب، في حين أن هناك مسودة قانون مُقترح يهدف إلى تفعيل العمل البلدي ليُحاكي تطلعات المواطنين ويُنصف البلديات وإتحاداتها بصلاحيات أوسع وبشكل واضح ومحدد، وبُني مشروع القانون المُقترح على دراسة تفصيلية تم اعدادها للواقع البلدي ومشاكله.  

ونتيجة هذا الواقع، تُطرح أسئلة مشروعة اليوم وأهمها أين فشلت البلديات في تأدية دورها وأين لعبت دورًا يتخطى صلاحياتها ومسؤولياتها؟ وما هي الثغرات والمشاكل التي تعاني منها البلديات في لبنان، وكيف يمكن تصحيح المسار البلدي والإستفادة من خدماته التنموية؟ وهل يمكن لمسودة القانون المقترح تفعيل العمل البلدي ليُحاكي تطلعات المواطنين؟

تفاصيل مسودة اقتراح القانون البلدي

لا يزال القانون المُقترح مسودّة غير رسمية، في انتظار اطلاع النواب عليها قبل تقديمها إلى المجلس النيابي للمناقشة، ويقول رئيس جمعية "نحن" (جهة شاركت في إعداد مشروع القانون) محمد أيّوب لموقع "مهارات نيوز": "في الوقت الحالي لم نُقدم اقتراح القانون إلى النواب بشكل رسمي، ونحن نعمل على عرض هذه المسودّة على البلديات واتحاد البلديات في لبنان لإبداء رأيهم بها، ونتيجة هذه الزيارات تقرر تعديل بعض البنود والنقاط بشكل نهائي قبل أن نبدأ جولتنا على النواب، ونأمل في تبنّيه وتقديمه كإقتراح قانون إلى مجلس النواب"، كما أشار أيّوب أن بعض النواب اطّلعوا على مسودّة القانون وأبدوا تجاوبهم معها.

ويؤكّد أيّوب أنه مع كل أزمة وجدت البلديات نفسها في مواجهة الواقع المأزوم، بدءًا من أزمة النفايات مرورًا بجائحة كورونا حيث واجهت البلديات هذا الوباء بالتعاون مع وزارة الصحة، كذلك لعبت البلديات دورًا أساسيًا في هذه الأزمة الاقتصادية حيث سعت إلى تأمين الكهرباء والمياه والإعاشات وغيرها من الخدمات للمواطنين، فضلًا عن التعامل مع قضيّة النزوح السوري وخطر الزلازل.

وفي السياق أُطلقت حملة في العديد من المناطق اللبنانية شملت تعليق لافتات إعلانية حملت شعارات مثل  "صلاحيات على قد الحِمِل" و"بلديات بالواجهة" في محاولة للضغط نحو تفعيل العمل البلدي، ولكي تتمكن البلديات من تأدية دورها بصلاحيات عادلة على عكس ما هو الحال عليه اليوم حيث البلديات مهمشة وعاجزة عن تأدية دورها ولو بالحدّ الأدنى.

أبرز التوصيات في مقترح القانون

لم يكن الهدف من مشروع القانون المُقترح تسليط الضوء على المشاكل التي تعاني منها البلديات والصعوبات التي تعرقل العمل البلدي فقط، بل الانطلاق من هذه الصعوبات والمشاكل لوضع توصيات والعمل على تغيير القانون الحالي بهدف تفعيل الدور البلدي وتعزيز قدراته ونشاطه ليحاكي الواقع الإنمائي والإجتماعي.

ويوضح القاضي والمستشار في ديوان المحاسبة د.ايلي معلوف بصفته مشارك في اقتراح القانون في مقابلة لموقع"مهارات نيوز" أن هناك محاور عدة تتعلق بمشروع اللامركزية الإدارية وقد حاول مقترح القانون الإجابة عليها من خلال إعداد توصيات تساعد على معالجة الثغرات وتطوير إمكانيات البلديات لتتمكن من لعب دورها كما يجب.

ويُفنّد معلوف أبرز التوصيات على الشكل التالي:

1- مستويات اللامركزية الإدارية : وضع المقترح 3 مستويات للامركزية الإدارية:

  • المستوى الأول: تبقى البلدية بتسميتها وإنما بحدود مختلفة لتأمين إمكانيات التنمية المحلية،وعليه أبقينا على صلاحياتها إلا أننا عدلنا بتكوينها وتشكّلها.

  • المستوى الثاني: اتحاد البلديات سيكون مختلفًا عن اتحاد البلديات المتعارف عليه وسيصدر مع مقترح القانون جدول يحدد اتحاد البلديات في لبنان وفق معايير معينة تعكس المستوى الحقيقي للامركزية الإدارية ، بحيث يكون لاتحاد البلديات إمكانيات وقدرات بشرية قادرة على تنفيذ المهام.

  • المستوى الثالث: المجلس الأعلى للإدارات المحلية وهو عبارة عن مجلس تتمثل فيه كل البلديات والاتحادات بطريقة انتخابية يضم  ممثلين عن أكبر النقابات في لبنان وتكون مهمته إعطاء صوت واحد للبلديات والاتحادات وتمكينها من الإتصال مع الإدارة المركزية، وتكون صلاحياته مندرجة ضمن التنمية على صعيد البلد ككل.

2- نظام اللائحة المقفلة

المحور الثاني الذي تحدث عنه معلوف والذي نصّ عليه مقترح القانون يتمثل بكيفية تأليف الهيئات وخاصة البلديات، فالنظام الانتخابي الذي اعُتمد هو نظام اللائحة المقفلة يوازي عدد أعضائها عدد مقاعد البلدية مع صوت تفضيلي، بالإضافة إلى اعتماد النظام الأكثري على صعيد اللائحة وليس على صعيد الشخص.

وهنا يتم التضحية بتمثيل الأقلية في سبيل إنشاء مجلس متجانس ومتفاعل تفاديًا لأي مناكفات داخلية مثل تلك التي تشهدها الكثير من البلديات حاليًا.

3- موازنة قائمة على المشاريع

بالنسبة إلى مالية البلديات، يوضح معلوف أن الموازنة ستكون موازنة برامج وأداء قائمة على مشاريع، وليست موازنة بنود قائمة على أنواع نفقات، وعليه سيتم تعديل الإدارة المالية بمشروع اللامركزية الإدارية.

كما سعى اقتراح القانون إلى تمكين البلديات من خلال مشاريع استثمارية تُديرها، لها ماليتها الخاصة وأنظمتها المالية والإدارية، الأمر الذي يُحقق للبلديات إيرادات من دون أن تُثقل المواطنين بأعباء إضافية.

4- الرقابة

المشكلة الأخرى التي عمل اقتراح القانون على حلّها تتمثل بمسألة الرقابة التي تعاني منها البلديات، ونصّ اقتراح القانون على إلغاء الرقابة المسبقة على قرارات المجلس البلدي، بحيث تصبح كل القرارات نافذة حين تصدر، في المقابل للحفاظ على الرقابة حرص اقتراح القانون على إبقاء البلديات خاضعة للرقابة اللاحقة من السلطة المركزية في كافة شؤونها على أن يتمّ توحيد نظام الرقابة والمحاسبة لجميع البلديات  مهما كان حجم مجلسها وموازنتها وعدم تطبيق الاستنسابية، إذ يخضع حوالى 7 في المئة فقط من البلدية الى رقابة ديوان المحاسبة، والعمل وفق اقتراح القانون على تنظيم حسابات كل البلديات للأصول المعمول فيها في الدولة وخضوعها لديوان المحاسبة بعد تفعيله وتمكينه، وإلى رقابة التفتيش المركزي.

 

واقع العمل البلدي: مشاكل وثغرات

تبدأ مشاكل العمل البلدي من عمليّة تشكيل البلديّات واتّحاداتها حيث أنّها أدّت الى إضعاف القطاع البلدي برمّته، وصولاً إلى محدوديّة الاستقلال الإداري والمالي للبلديّات نتيجة الرقابة المسبقة والبيروقراطية الإدارية المملة وعدم الاستحصال على العائدات في الوقت المحدد بالقيمة المحددة، ناهيك عن المشاكل المرتبطة بصحّة التمثيل وأدوات المراقبة والمحاسبة وغيرها من المشاكل المتعددة والمتشعّبة.

وحول تحديّات العمل البلدي تتحدث المهندسة المعمارية يارا حمادة لموقع "مهارات نيوز" عن أبرز المشاكل التي تواجه البلديات والتي لمستها من خلال إعدادها الدراسة عن الواقع البلدي ومشاكله وهي:

1- تشكيل البلديات وإتّحاداته

بلغ عدد البلديّات خلال فترة الدراسة 1057 بلدية، ويُعتبر العدد كبيرًا بالنسبة إلى بلد مثل لبنان ومساحته وعدد سكّانه، فضلا عن لعب الحسابات السياسية والمحاصصة والتوازنات والحسابات العائلية والعشائرية والطائفية دورًا في تشكّلها، ما يؤدي إلى نشأة بلديات عديدة من دون معايير أو شروط.

هذا الواقع أدّى إلى وجود بلديات تعاني من ضعف في العائدات، وأخرى لديها عائدات هائلة، والأهم كشف التناقضات التي تواجه البلديات وكيف تؤثر بعض العوامل على وظيفة العمل البلدي إيجابًا أو سلبًا.

2- عائدات الصندوق البلدي

الشق الثاني من المشاكل التي تواجه البلديات يتعلق بالأمور المادية وخاصة بموضوع الصندوق البلدي وكيفية توزيع هذه العائدات ووفق أيّة معايير، وعليه، تكمن الحاجة إلى إعادة النظر بالصيغة المعتمدة لتوزيع العائدات وفق طريقة تضمن حدوث تنمية في كل المناطق (البحث في حاجات كل منطقة وقدراتها المالية).