Loading...

الصحافيون في قبضة مكتب "مكافحة جرائم المعلوماتية"

يختار مكتب "مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية" صحافياً تلو الآخر للمثول أمامه. يستغرق التحقيق بضع ساعات. خطف المكتب الأضواء من السيارات المفخخة، وحتى من الحديث عن الضربة الأميركية على سوريا. بات هو الحدث. هكذا يستفيق اللبنانيون على خبر استدعاء "صحافي"، غالباً بتهمة "القدح والذم".

تحوّل المكتب "بيتًا ثانياً" للصحافيين. اليوم ربيع فران من دون أن يعرف السبب، علماً أن ليلى عبد اللطيف كانت قد تقدمت بدعوى قضائية ضده على خلفية نشره مقال بعنوان "ثرثرات ليلى عبد اللطيف من قهوة بلس"، وقالت إنها ستطلب مبلغ مليون دولار أميركي كتعويض عن السوء الذي لحق بها بسبب المقال. خرج بعدما أجبر على توقيع تعهّد بعدم التعرض لعبد اللطيف، أو يتم توقيفه احتياطياً، علماً أنه لا أساس قانوني للتعهد، ليشكل هذا إحدى أدوات الترهيب التي مارسها المكتب.

أمس كانت رشا الأمين، وقد سبقها لقمان سليم ومهند الحاج علي ورامي الأمين، ...إلخ. تصف الصحافية ديانا مقلد على موقعها على "فايسبوك" هذه الاستدعاءات بـ "المريبة"، متسائلة عن مهمة هذا المكتب بالتحديد. وتضيف "ماذا عن جرائم المعلوماتية التي ارتكبتها الست عبد اللطيف، والكم الهائل من الأكاذيب التي روجتها هي والقناة التي دعمتها. من يكون مسؤولاً عن كل هذا؟".

هل هي سياسة  ترهيب الصحافيين إذاً؟ قالت الأمين إنها لم تعرف إذا كانت مدعى عليها أم شاهدة. مارس المكتب الضغوط عليها لتعترف بشيء. أن تكشف من هو صاحب مقال ما. كأنه يقارنها بتاجر مخدرات أو قاتل.

 

نقمة الصحافيين تكبر

عام 2006، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي استحداث مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، مضيفة أنه يتبع لقسم المباحث الجنائية الخاصة في وحدة الشرطة القضائية، ويعمل تحت إشراف النيابة العامة التمييزية، النيابة العامة المالية والنيابات العامة الاستئنافية في المحافظات. وقالت إن مهام المكتب تشمل "مكافحة صناعة وتجارة الأقراص المدمجة غير الشرعية، حماية الإنتاج الفكري الأدبي، الفني، والموسيقي، التصدي لجرائم الحاسوب على اختلافها، لا سيما منها جرائم الاتجار بالأطفال والبغاء وغيرها، والتصدي لجرائم القرصنة عبر شبكة الانترنت واختراق النظم المعلوماتية وسرقة الملفات وبث وإعداد الفيروسات".

وفي الوقت نفسه، يعرّف المكتب الجريمة المعلوماتية "بكل جرم تكون فيه التقنيات العالية هدف الجرم مثل: خرق الأجهزة، سرقة المعلومات إلخ.......". إلا أن هذه النقاط المتتابعة تبقي الباب مفتوحاً أمام كل شيء، وربما يندرج تحتها لاحقاً الاغتصاب الزوجي على الشبكة. من يدري؟

تكبر نقمة الصحافيين حيال هذا المكتب، الذي يستسهل استدعاء أفراد "السلطة الرابعة". مع ذلك، قد لا يُلام هذا المكتب تماماً، إلا من خلال ممارسة الترهيب بحقهم، وخصوصاً أنه ليس الجهة المستدعية، بل التي تحال إليها القضية، لأنه تابع للشرطة القضائية. 

وفي السياق، يقول المستشار القانوني لمؤسسة "مهارات" المعنية بحرية الرأي والتعبير طوني مخايل، أن "جرائم النشر تختلف من حيث طبيعتها عن الجرائم الأخرى، فهي مرتبطة بممارسة أهم الحريات الأساسية، ألا وهي حرية الرأي والتعبير. وتنحو اليوم العديد من دول العالم إلى عدم تجريم قضايا الرأي والتعبير واخضاعها للنظام المدني (أي فقط التعويض المالي)، أو إلغاء عقوبة الحبس والتوقيف الاحتياطي في ما خص تلك القضايا، والاكتفاء بالغرامة أو عقوبة الخدمة الاجتماعية".

ويضيف مخايل "بما أن فعل ممارسة حرية الرأي والتعبير هو عمل يومي مرتبط بمواقف الأشخاص وآرائهم في ما يتعلق بقراءة الحوادث وإثارة القضايا العامة للنقاش العام، لا يمكن أن تخضع المساءلة الجزائية لمثل هذا الفعل للأصول العادية التي تقضي بالمثول أمام الضابطة العدلية والخضوع للإجراءات التي تعتمدها بالنسبة الى الجرائم الأخرى، كالقتل والسرقة والاحتيال والقرصنة الالكترونية وغيرها".

من هنا، كان اقتراح القانون الذي تقدمت به مؤسسة "مهارات" لتعديل قوانين الإعلام في لبنان، وقد أنهت لجنة الاعلام والاتصالات مناقشته. ويقضي بأن "تنظر المحاكم المختصة مباشرة في قضايا جرائم النشر من دون أن يكون للنيابات العامة أو الضابطة العدلية (مخافر الدرك، مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية....) حق التحقيق المباشر مع أي من المدعى عليهم (صحافي، مدون، ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي..)، أو الإستماع إلى أحدهم أو إحتجاز حريته في جرائم النشر.

وتضمّن الاقتراح منح المدعى عليه في قضايا النشر حق عدم الحضور شخصياً أمام المحكمة، على أن يتمثل بموجب محام ما لم يقرر القاضي أو المحكمة حضوره الشخصي للإستماع إلى أقواله إذا دعت الحاجة.

المكتب إذاً ليس إلا الحلقة الأضعف من المشكلة. القانون هو المسؤول المباشر. لكن هل يبقى الصحافيون رهناً للاستدعاءات المظللة بأصحاب السلطة في البلد إلى حين تعديل القوانين؟