Loading...

المادة 91 من اقتراح قانون استقلالية القضاء: حريّة القُضاة في خطر!

 

علت الصرخة مؤخرًا حول الصيغة النهائية لاقتراح قانون استقلالية القضاء لاسيما فيما يتعلق بالمادة 91 منه والتي تنص على حقّ القضاة في التجمّع وتأسيس جمعية مهنيّة والالتحاق بها شرط ألا تتعارض الجمعيّة مع صلاحيات مجلس القضاء الأعلى أو مدونة أخلاقيات القضاة أو مع مبدأ استقلالية القاضي.

 

واعتُبرت هذه المادة رسالة مبطّنة إلى جميع الجهات القضائية في لبنان خاصة "نادي قضاة لبنان" الذي دعا في بيان إلى إلغاء المادة 91 من اقتراح قانون استقلالية القضاء لأنها مخالفة للدستور اللبناني الذي يضمن حرّيّة التّجمّع والتّعبير فضلًا عن الاتفاقات الدّوليّة التي ترعى تنظيم جمعيّات القضاة حول العالم، وبحسب البيان يمكن استعمال هذه المادة كذريعة للقضاء على النادي عبر الحدّ من عمله وتحجيم دوره وتحويله إلى جمعيّة من دون أيّ فعاليّة.

 

 وسيؤدّي الاقتراح حال إقراره بهذه الصيغة  إلى حصر عمل الجمعيات القضائية بالقضايا الثقافية واللقاءات والندوات العامة، وحرمانها من أي دور حقوقي جدّي. 

 

إشكاليات اقتراح القانون وأهمها المادة 91 

اعتُبرت المادة 91 من اقتراح قانون استقلالية القضاء بمثابة عودة إلى الوراء في مسار تحقيق قضاء مستقل في لبنان، ويؤكد قاضي في نادي القضاة "فضّل عدم ذكر اسمه" في حديث لموقع "مهارات نيوز" أن إفراغ القانون من مضمونه يتعارض مع العديد من المبادئ المهمة التي سعى اقتراح القانون على وجودها وتفعيلها لتعزيز استقلالية القضاء. 

 

"من بين هذه النقاط نقف أولاً عند المادة 91 التي تُقيّد حق القضاة في التجمع وتأسيس جمعية مهنية والالتحاق بها، وانطلاقًا من هذه المادة نطالب أن تكون استقلالية القضاء فعليّة وليست شفهيّة والدستور يؤكد على هذه الاستقلالية ويتمثل عملنا في تفعيلها". 

 

في قراءة معمقة لاقتراح قانون استقلالية القضاء، المكوّن من 169 مادة، والذي أعدته المفكرة القانونية وأيّده إئتلاف استقلال القضاء، يبدو واضحًا الأسلوب "الملغوم والملتوي" الذي صِيغ به القانون والذي يضرب بعرض الحائط أيّة محاولة لتعزيز استقلالية القضاء، في حين يعتقد كثيرون بأن هذا المشروع لن يُبصر النور قريبًا.

 

ومن المادة 91 ننتقل إلى عدّة إشكاليات في اقتراح القانون، ويشرح القاضي في نادي القضاة ملاحظات النادي التي تتركز على 4 محاور أساسية وتشكّل ضربًا متعمّدًا لإستقلاليّة القضاء: 

 

1- مجلس القضاء الأعلى 

المشروع وفق الصيغة التي تقدمت ينص على تعيين 3 أعضاء من المجلس  المكوّن من 10 قضاة  من قبل مجلس الوزراء وهم (رئيس مجلس القضاء، مدعي عام التمييز، ورئيس هيئة التفتيش القضائي) ما يعني أن هذه المراكز ما زالت بيد السلطة التنفيذية، وأربعة أعضاء يُنتخبون، في حين يختار الأعضاء السبعة الثلاثة المتبقيين.

وبحسب القاضي فإنه يجب تحرير كل المراكز القضائية من تدخل السلطة التنفيذية دون أي استثناء، والابتعاد عن التعيين، وأن يتم اختيار جميع الأعضاء بالانتخاب لتعزيز الشفافية.

 

2-  التشكيلات القضائية

كان لافتًا في اقتراح القانون التحايل في هذه النقطة حيث عمد الاقتراح إلى تعقيد آليات وأصول إجراء التشكيلات القضائية من خلال وضع شروط تعجيزية، وإدراج بند مفاده أنه في حال لم تتوافر الشروط لتعيين قضاة في أحد المراكز يعود لمجلس القضاء أن يختار من خارج المعايير المطروحة.

في حين يطالب نادي القضاة بإجراء التشكيلات القضائية وفق معايير واضحة وفعّالة وشفّافة والأهم أن تكون قابلة للتطبيق، فالخوف من هذه البنود أنها "ألغام مفخّخة" بحيث يُصبح الإستثناء هو القاعدة وتبقى التشكيلات القضائية أسيرة مرسوم يوقعه وزراء العدل ،الدفاع، المال، ورئيسا الحكومة والجمهورية.

 

3- معهد الدروس القضائية

إن معهد الدروس القضائية هو الآخر تنقصه ضمانة الإستقلالية، فهو تابع لوزارة العدل، ولا يتمتع بأيّ شخصية معنوية، والمطالبة أن يتحول من وحدة في وزارة العدل إلى مؤسسة عامة مستقلة.

كما إن فرض سنة تحضيرية سابقة على الدخول إلى المعهد وفق ما ورد في اقتراح القانون، من شأنه استبعاد بعض الأشخاص وتصعيب شروط الترشح وتعقيد الإجراءات، بينما يطالب نادي القضاة بوضع إختبار الدخول إلى معهد القضاة وفق طريقة واضحة وجدّية.

 

4- التفتيش

نطالب بتعزيز دور التفتيش وتفعيله وأن يكون ممثلاً بطريقة صحيحة، لأن اقتراح القانون بصيغته الحالية أعطى مجلس القضاء الأعلى حق اقتراح 3 أسماء لرئاسة كل من هيئتي التفتيش القضائي والتقييم القضائي كما أعطى وزير العدل هامشًا لإضافة أسماء أخرى.

وعليه يمكن أن نلاحظ أن اقتراح القانون أنشأ هيئة التفتيش القضائي بشكل يفتقد إلى الاستقلالية، لأن جميع أعضائها تُعيّنهم السلطة التنفيذية.

وعليه، "نشدد على أهمية استقلالية القضاء ونقصد بذلك أن يعمل القضاء بالأطر والأسس التي من المفترض العمل بها، لأن القضاء الضعيف يعني بلد ضعيف، وكلما عزّزنا دور القضاء نجحنا في تفعيل المحاسبة"، ويؤكد القاضي أن النادي تأسس كرد فعل للقضاة على تعدي السلطة السياسية.

 

الهدف السيطرة على القضاء؟

تعتبر العديد من الجهات القضائية في لبنان أن السُلطة تحاول من خلال السعي لإقرار هكذا قوانين أو تضمينها لمواد مثل المادة 91  إلى وضع اليد على القضاء والسيطرة عليه، فإقتراح قانون استقلالية القضاء الذي أعدته المفكرة القانونية قد تم تشويهه وافراغه من مضمونه فضلًا عن إرساء آليات معيّنة تُخوّل السلطة السياسية استتباع القضاء.

 

لا يُخفي القاضي في نادي القضاة  أنّ الحرب على وجود النّادي ودوره، التي بدأت منذ نشأته في العام 2018 لا تزال مستمرّة على كلّ الجبهات، قائلًا "لقد تعرضنا للتضيق والتهديد والضغوط لعدم الانضمام إلى النادي، ومع ذلك نجحنا في تأسيسه والمضي به قدمًا". 

 

ويضيف القاضي أن حرية تجمع القضاة هو مبدأ أساسي ودولي، وهناك حاجة إلى قانون يعطي دفعًا لتكريس هذا الحق، خاصة أن لبنان منضم إلى معاهدات واتفاقيات ومنها اتفاقية بانجلور التي  ترعى تنظيم جمعيات القضاة حول العالم وتضمن حرية عملها، ومنها حق القضاة في التجمعات، ونقصد بالحق في التجمعات هو حق القضاة في التعبير عن كل ما يتعلق بهذه السلطة والدفاع عن السلطة القضائية ضد أي اعتداء أو انتقاص من دورها كسلطة تجاه باقي السلطات.

 

من جهته، يؤكد النائب ملحم خلف في حديثه لموقع "مهارات نيوز" أن اقتراح قانون استقلالية القضاء أُعيد من جديد إلى الهيئة العامة للمجلس وبالتالي كل الأمور التي ما زالت عالقة سيتم دراستها قبل عرضها، واستحوذت النقطة المتعلقة بكيفية تشكيل مجلس القضاء الأعلى على التركيز، لأنها تعكس مدى نيّة السلطة وضع اليد على تكوين هذا المجلس من عدمه، وبالتالي كل ذلك مرتبط بتمحيص إضافي للملاحظات.

 

ورأى خلف أن وزارة العدل لم تتخذ بعد الموقف الذي يُكرّس الاستقلالية التي تتشكّل أولاً من خلال تعزيز استقلالية القاضي، ومن ثم الانتقال إلى النقطة الأوسع عبر تأمين حماية أكبر للسلطة القضائية بشكل عام. 

 

وبالرغم من التأخير الحاصل لإقرار اقتراح قانون استقلالية القضاء والذي مرّ عليه سنوات، يشدد خلف على أهمية هذا القانون الذي يُعتبر من القوانين الإصلاحية التي ستُعيد الطمأنينة والثقة في البلد وتحقق الإصلاحات المنشودة.
 

ثغرات عديدة أخرى 

تعليقًا على اقتراح قانون استقلالية القضاء الذي طُرح على جدول أعمال الجلسة التشريعية  لمجلس النوّاب  في 14 و15 كانون الأول 2023  قبل سحبه من قِبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لإعادة درسه بدقّة، أعرب ائتلاف استقلال القضاء رفضه لهذا الاقتراح الذي يناقض عنوة ضمانات الإستقلالية. 

 

ورأى الائتلاف في بيانٍ له، أن النسخة الأخيرة من اقتراح القانون والتي أقرّتها لجنة الإدارة والعدل في تاريخ 7/3/2023 أدت إلى تفريغه من العديد من أُطر الاستقلالية الواردة فيه.

 

وعليه، يطالب الائتلاف أن يتوائم القانون مع المعايير الدولية لاستقلالية القضاء، في جلسة مناقشة علنية قبل مناقشته مجددًا في الهيئة العامة لمجلس النواب، وكان لافتًا إصرار لجنة الإدارة والعدل على التعديلات التي أدخلتها على الاقتراح متجاهلة تمامًا ملاحظات الإئتلاف. 

 

ومن أخطر ما تضمّنه مشروع القانون بحسب بيان ائتلاف استقلال القضاء : 

  • ملاحقة القضاة وتقييمهم في عهدة هيئات تتحكّم السلطة التنفيذية في تعيينها.

  • الفشل في تحرير مجلس القضاء الأعلى من قبضة الحسابات السياسية.

  • التحكم في تعيين الأعضاء الحُكميين (رئيس مجلس القضاء، مدعي عام التمييز، ورئيس هيئة التفتيش القضائي).

  • عدم تنزيه التشكيلات القضائية عن التدخّلات.

  • عدم الاعتراف بالمساواة بين القضاة وإبقاء أبواب الإغراء والمحاباة مفتوحة.

  • عدم الاعتراف بالضمانات الذاتية للقضاة كالإستقلالية المالية أو الحقوق الأساسية (صحة، تعليم، سكن وإلخ).

  • الفشل في تحقيق المساواة في الدخول إلى معهد الدروس القضائية.

 

 

وكان اقتراح قانون استقلالية القضاء قد طُرح لأول مرة في العام 2017 وقد مرّت حتى الآن 7 سنوات في الأخذ والرد والدراسة دون الوصول لإقراره، ويرى متابعون للشأن القضائي أن التلكؤ في إقرار اقتراح القانون وكثرة التعديلات التي أجريت عليه وحاولت دائمًا تفريغه من مضمونه وتكريس التضييق على القضاة، ماهو الّا انعكاس لرغبة السلطة السياسية في الإستمرار بالسيطرة على القضاء وحرمان اللبنانيين من أهم سلاح لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية.