Loading...

المجلس الدستوري وطعن الموازنة: بين الظروف الإستثنائية وتكريس المخالفات

 

 قرر المجلس الدستوري في 5 كانون الثاني 2023 رد طلب الطعن بقانون الموازنة العامة للعام 2022 والمقدم من قبل عدد من النواب واكتفى بإبطال بعض المواد في القانون المطعون به مع تسجيل مخالفة عضوين للقرار وهما القاضيين الياس مشرقاني وميراي نجم.

 

تذرع المجلس الدستوري في قرار رد الطعن بالظروف الاستثنائية، واعتبر أن الحكومات المتعاقبة تقاعست منذ أكثر من خمسة عشر عامًا عن وضع قطع حساب سنوي وفقًا للأصول، ورغم اعتباره هذا الأمر حالة "شاذة" بحسب تعبيره، إلا أنه لا يجب أن يحول دون إقرار الموازنة نظرًا لأهميتها ولكي لا نقع في الفوضى في الميزانية العامة.

 

اعتبر كثيرون هذا القرار بمثابة تكريس للمخالفات الدستورية، وأن تجاهل المجلس الدستوري عدم إقرار قطع الحساب قبل اقرار الموازنة يشكل مخالفة صريحة للمادة 87 من الدستور والتي تنص على أن "حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة".

 

وكان قانون الموازنة العامة لعام 2022 الذي أقره المجلس النيابي في أيلول قد دخل حيز التنفيذ في 15 تشرين الثاني الماضي بعد نشره في الجريدة الرسمية.

 

ماذا يعني قطع الحساب

قطع الحساب هو الحساب الفعلي للدولة والذي يرتكز على الواردات التي تحققت مقابل النفقات، وعلى مدى السنة كاملة، وبعدها يتم طرح مجموع نفقات الدولة من مجموع الإيرادات وإذا كان الحاصل ايجابي يعني انه هناك فائض في المداخيل وإذا كان سلبي يكون هناك عجز في الميزانية.

 

وتشرح الاقتصادية في معهد باسل فليحان المالي والإقتصادي سابين حاتم لموقع مهارات نيوز، أن قطع الحساب يظهر ما تنفقه الدولة، وهو المستند الذي يستند عليه مجلس النواب لمراقبة الحكومة وهو يعطي مؤشر على واقعية الموازنة ومصداقيتها، وهو ضرورة لمعرفة اذا تم صرف أكثر أو أقل من المبلغ المرصود للنفقات حيث أن التخطيط هو أساس الإنتظام المالي السليم.

 

وتضيف حاتم "آخر قطع حساب أقر كان في العام 2003 وجميع الموازنات التي أقرت مؤخرا ليست مبنية على قطع حساب وهذا يحول دون معرفة ما أنفقته الوزارات والمؤسسات ومعرفة المستحقات والمتأخرات والحساب الفعلي للعجز اذا وجد"، و"مجلس النواب لديه دورين في موضوع الرقابة على الموازنة وهم مناقشة مشروع الموازنة وهو ما يتم التركيز عليه، والرقابة الفعلية على قطع الحساب ومراجعته ومن ثم التصويت عليه".

 

وحول قرار المجلس الدستوري أكدت حاتم أنه يجب وجود قطع الحساب ولا جدال في ذلك، لكن المشكلة تكمن في الوضع القائم خاصة لناحية انهيار قيمة الليرة خلال العامين الماضيين، وفي حال عدم اقرار موازنة ستقوم المؤسسات بالصرف وفق موازنة 2020 ولا يمكن لأي وزارة الاستمرار دون التقيّد بموازنة لأن البديل هو الصرف على القاعدة الإثناعشرية.

 

وتطبق القاعدة الإثناعشرية في حال تخلف مجلس النواب عن إقرار الموازنة خلال شهر كانون الأول، أي قبل إنطلاق السنة المالية التالية. وبالتالي يتم الإنفاق في الشهر الاول من السنة الجديدة على أساس تقسيم الصرف للأشهر الاثني عشر السابقة.

 

وتنص المادة 60 من قانون المحاسبة العمومية على أن "توضع الموازنات الاثني عشرية على أساس الاعتمادات الدائمة المرصودة في موازنة السنة السابقة على أن يؤخذ بعين الاعتبار ما اضيف اليها وما أسقط منها من اعتمادات دائمة ". 

 

مخالفات دستورية مستمرة

اعتبر المجلس الدستوري في قراره أن الحكومات المتعاقبة تقاعست، لأكثر من خمسة عشر عامًا، عن وضع قطع حساب سنوي وفقا للأصول ووفقا لما نص عليه الدستور، كما اعتبر أن مجلس النواب تقاعس أيضا عن القيام بدوره الأساسي في مراقبة الحكومة وإلزامها بوضع قطع حساب سنوي، وإعداد موازنة عامة سنوية.

 

وأكد المجلس الدستوري مجددا ان عدم وضع قطع الحساب يشكل حالة شاذة وبحث في إذا ما كان الاستمرار في غياب قطع الحساب يشكل مخالفة للمادة 87 من الدستور وذكّر المجلس بقراره السابق رقم 2/2018 الذي اعتبر فيه ان عدم وضع قطع الحساب يشكل حالة شاذة، وأنه يقتضي الخروج منها سريعاً ووضع قطع حساب وفق القواعد التي نص عليها الدستور وقانون المحاسبة العمومية".  

 

كما بحث المجلس فيما إذا كانت المخالفات المذكورة توجب بشكل حتمي إبطال قانون الموازنة.

 

وخلص الى أنه لا يرى ما يوجب إبطال القانون المطعون فيه لعدم سبقه بقطع الحساب لأن البديل، أي عدم إقرار الموازنة ونشرها، يؤدي الى إطلاق يد الحكومة في الإنفاق دون تحديد أي سقف له.

 

وفي تعليقه على القرار يؤكد المستشار القانوني للنائبة بولا يعقوبيان وأحد العاملين على مشروع الطعن نجيب فرحات "أن المجلس الدستوري أقر بعدم دستورية اقرار الموازنة دون قطع حساب ولكنه اعتبر أن هذا الأمر لا يؤدي الى ابطال الموازنة، والمجلس بقراره هذا يفسح المجال أمام مجلس النواب والحكومة للإستمرار بهذه المخالفة ممّا يشجع على مخالفة الدستور وعلى عدم وجود شفافية مالية وجعلنا أمام موازنات وهمية".

 

والأهم أنه يخالف دور المجلس والغاية التي أنشأ من أجلها وهي إبطال أو عدم إبطال القوانين، فليست مهمة المجلس البحث في تبعات الإبطال التي هي في الأصل من مهام السلطات الاخرى مثل مجلس النواب والحكومة.

 

أما الحديث عن ضرورة الإنتظام المالي الذي تحدث عنه المجلس فذلك وبحسب فرحات لا يكون بالموازنة وحدها دون قطع الحساب لأن الأخير هو من يقدم لنا صورة عن حقيقة الأوضاع المالية.

 

وأكد أن العين الان يجب ان تكون على موازنة 2023 لكي نتجنب الكثير من الأمور التي وردت في الموازنة السابقة.

 

وفي المقابل برزت قراءة ثانية للقرار عبّر عنها الخبير القانوني المحامي طوني مخايل والذي اعتبر أن المجلس الدستوري في قراره لم يتذرع بمبدأ الظروف الاستثنائية لتبرير دستورية إصدار الموازنة في غياب قطع الحساب، وإنما وصف هذه الممارسة بالشاذة أي أنها لا تأتلف مع المسار الطبيعي للأمور. 

 

ويؤكد مخايل أنه بالرغم من اهمية قطع الحساب وتأثيره على اعداد واقرار موازنة السنة اللاحقة وتعزيز مبدأ الشفافية في ادارة المال العام، فانه وفقا للدستور "ان عرض قطع الحساب على المجلس النيابي ليس شرطا أساسيا من أصول إصدار قانون الموازنة ولا يؤدي بالتالي الى ابطاله. 

 

واعتبر مخايل أن من واجب الحكومة إيداع قطع الحساب لدى المجلس النيابي في نهاية كل سنة مالية ليتمكن من ممارسة سلطته في الرقابة على أعمالها وتقييم الحالة المالية العامة والإنفاق الذي جرى في السنة الماضية ومدى قانونيته لناحية الالتزام ببنود الإنفاق التي قررتها الموازنة، وما إذا جرى فتح اعتمادات استثنائية أو اضافية. 

 

واعتبر أنه في حال عدم قيام الحكومة بواجبها منحت المادة 87 من الدستور المجلس النيابي الحق في تعليق نشر موازنة السنة اللاحقة، وعدم احالتها للحكومة لنشرها حتى تنصاع الحكومة وتقدم حسابات الإدارة المالية النهائية للسنة المنصرمة للمجلس ليوافق عليها قبل نشر الموازنة، كون مهلة نشر القوانين بما فيها قانون الموازنة هي شهر من تاريخ إحالتها من قبل مجلس النواب الى الحكومة وفق أحكام المادة 56 من الدستور.

 

وبالتالي فإن المجلس الدستوري بحسب مخايل لا يمكنه ان يحل نفسه مكان المجلس النيابي في ممارسة هذا الحق. والمجلس الدستوري وجد أنه لا يجوز للحالة الشاذة المتمثلة بغياب قطع الحساب لسنوات عدة، أن تحول دون إقرار الموازنة العامة للعام 2022 معتبرا أن عدم إقرار الموازنة ونشرها بالرغم من الشوائب التي تعتريها من شأنه أن يلحق ضرراً فادحاً بمصالح البلاد العليا. 

 

TAG : ,المجلس الدستوري ,الموازنة العامة ,طعن ,المخالفات الدستورية ,المواد القانونية ,القانون اللبناني ,قطع حساب ,الحكومة اللبنانية ,إقرار الموازنة ,الميزانية العامة ,الواردات ,النفقات