Loading...

القروض الدولية للزراعة… ثغرات ما بعد التنفيذ هل يضبطها السجل الزراعي؟

 

يواجه لبنان منذ العام 2011 أزمتين أثرت على قدرته بتوفير الأمن الغذائي لسكانه، وهما الأزمة السورية التي اندلعت في مطلع العام 2011، والأزمة المالية في أواخر العام 2019، وقد تضرر القطاع الزراعي بشكل كبير بسبب الأزمة الاقتصادية التي أدرجها البنك الدولي ضمن أسوأ ثلاث أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر. 

 

على إثر هذه الأزمة، حاولت بعض مؤسسات الدولة ومنها وزارة الزراعة الاعتماد على القروض الدولية الميسرة للنهوض بهذا الواقع، لا سيما بعد موافقة مجلس المدراء التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي في حزيران 2023 على تمويل بقيمة 200 مليون دولار أميركي لتحسين قدرة المزارعين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الأغذية الزراعية في لبنان على الصمود في مواجهة الأزمات المتعددة التي تواجه البلاد. 

 

ويستهدف قرض البنك الدولي الأمن الغذائي بشكل عام وستستفيد منه وزارات الزراعة والاقتصاد والطاقة والمياه، وقد حصلت وزارة الزراعة منه على ما قيمته 28 مليون و500 ألف دولار لانشاء ما بين 20 الى 25 بركة (دراسة واشراف، وتنفيذ) على مستوى كل المحافظات مع تضمنها كلفة الورش التدريبية والمصاريف التشغيلية. في المقابل، قدمت منظمة العمل الدولية منحة بقيمة حوالي 5 مليون دولار، تستهدف حوالي 1120 مزارع، على ان تشمل استصلاح أراضي أو بناء خزانات مياه أو حائط دعم وأقنية ري، على تكون المساحة أقله 1500 متر مربع.

 

  

 

مخالفات السجل الزراعي!

وبالرغم من أهمية القروض بالنسبة إلى لبنان، إلا أن هناك إشكالية حولها، وذلك بسبب عدم قدرتها على تطوير القطاع الزراعي مع كل الأموال والقروض التي دفعت في فترة بعد الإعمار.

 

وفي إطار حوكمة القطاع وضبط صرف هذه القروض، أطلقت وزارة الزراعة في الثاني من شهر آذار 2023 "سجل المزارعين" بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" في لبنان، وتم إعداد هذا البرنامج الإلكتروني لتسجيل المزارعين، وبحسب أرقام وزارة الزراعة الرسمية، وصل عدد المسجلين، حتى تاريخ إعداد التقرير، الى حوالي 35.000 مزارع، مع رسم خريطة وموقع الأرض، والإحتفاظ بالمستندات الثبوتية بملف رقمي، وإعطاء رقم وطني لكل مزارع، مع العلم بأن الهدف من المشروع، بحسب خطة الوزارة، هو تسجيل 50.000 مزارع ضمن مدة سنة.

 

 

وفي السياق، أشار عضو اللجنة الادارية لمكتب تنفيذ المشروع الاخضر محمد موسى في حديث لـ"مهارات نيوز" الى إن "الهدف من السجل الزراعي هو ضبط التقديمات للمزراعين والعاملين في القطاع الزراعي، بعد ان يحصل كلٌ منهم على رقم وطني، ونحن نسعى بهذه الطريقة للحوكمة الزراعية ومتابعة التقديمات لعدم سرقتها بعد تقديمها ومكافحة الفساد، كما يتم المتابعة والإرشاد ضمن الدوائر المتخصصة، مثال على ذلك حين يتم تقديم مواشي يتم متابعة هذه المواشي كي لا يتم بيعها بعد الحصول عليها من قبل المزارعين، كما يتم متابعة الزراعة الشتول والمحصول الذي أنتجته، ومعرفة كمية الإنتاج على الصعيد الوطني".

 

في المقابل، لفت رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان الحويك إلى أن "ما قامت به الوزارة غير قانوني، لأن السجل بحاجة الى قانون في مجلس النواب، ونحن تقدمنا به عام 2002، كما أن قانون مصرف الإنماء الزراعي صدر في العام 1994، وهو بحاجة فقط إلى قرار من وزيري المالية والزراعة لتأسيسه".

 

وشدد الحويك على إنه "لا يوجد بنية تحتية للقطاع الزراعي، وبحسب القانون العام القديم الذي صدر في الفترة الشهابية، العمل الزراعي لا يستوجب التصريح كي يتم رفع الرسوم عن القطاع الزراعي ويسهل عمل المزارعين، إلا أن العمل الزراعي بقي على هامش الاقتصاد، والمطلوب اليوم إنشاء البنية التحتية الزراعية عبر 4 مؤسّسات: السجلّ الزراعي، غرف الزراعة المستقلّة، المصرف الوطني للإنماء الزراعي والمؤسسة العامة للضمان الزراعي من الكوارث".

 

وأوضح الحويك بأن "الغرف الزراعية المستقلة تدير القطاع، والمؤسسات الخاصة هي من تعوض على المزارعين في فصل الشتاء والكوارث بدل الركض خلف السياسيين، واليوم يوجد 300 متعاطي في القطاع الزراعي بين مالك ومستاجر وضامن وتعاونيات زراعية يجب ان يسجلوا، واليوم هناك فقط 35 ألف أي ما يقارب 12.5 بالمئة، والمطلوب قانون ملزم لتسجيل جميع المزارعين".

 

بالمقابل، شدد موسى لـ"مهارات نيوز" على أهمية القروض الزراعية التي تقدمها المؤسسات الدولية إلى لبنان والتطوير الذي يصيب القطاع الزراعي عبر مشاريعها، ومنها مشروع "حصاد"، الذي ينفذه المشروع الأخضر والمعمول به منذ العام 2010، وذلك بهدف إنشاء البرك الكبيرة، والتي يتم تسليمها إلى البلديات لإدارتها وصيانتها، ومع مرور الوقت كل المناطق التي أصبح فيها برك إرتفعت فيها نسبة الأراضي الزراعية، وتم إنشاء تعاونيات زراعية في بعض القرى.


 

إشكالية القروض

بالرغم من قروض الدعم التي قدمت الى لبنان طوال فترة إعادة الإعمار، إلا أن الواقع الزراعي في لبنان لم يتغير، وهذا يدل على ثغرة في هذه القروض، لناحية الخطة أو التطبيق بحيث إن كل المساعدات أخفقت في تطوير الزراعة اللبنانية، وبحسب المركز اللبناني للبحوث والدراسات الزراعية تم تنفيذ منذ العام 1992 حوالي 263 مشروعاً رئيسياً في لبنان بقيمة 285 مليون دولار، و5.7 ملايين يورو، و167 مليار ليرة لبنانية (على سعر صرف 1500 للدولار). ولكن لم يكن لها تأثير كبير في الناتج المحلي الزراعي.

 

وعليه نحن بحاجة إلى احداث برمجة شاملة في تركيبة انتاجنا الزراعي من خلال إدارة حديثة للأراضي الزراعية، وإبعادها عن المحاصصة السياسية والمناطقية، وإعادة جدولة القروض من خلال جهة رسمية متخصصة تكون معنية مباشرة في قبول أو رفض القروض حسب الحاجة الوطنية لها، لأنه بحسب الواقع في لبنان لا يمكن تطوير الزراعة من دون المؤسسات الدولية، إلا أنه يجب ضبط الهدر والفساد والقبول بقروض من غير جدوى وتكلف الخزينة اللبنانية أعباء ثقيلة بالعملة الصعبة. 

 

كما أن السجل الزراعي مهم جدا في إطار الحوكمة الرشيدة في القطاع الزراعي وضبط صرف القروض ووصولها الى المعنيين المباشرين، مما قد يغير من واقع الحال الزراعي في البلد، كي يكون هناك معلومات دقيقة تبنى عليها دراسات دقيقة، لمعرفة حاجة السوق ولوضع استراتيجيات تؤمن الأمن الغذائي.