Loading...

العاملات المهاجرات عند حملهن أمام خيارين أحلاهما مرّ: الإجهاض أو الترحيل

 

قبل سنوات، وجدت الشابة الإثيوبية سارة نفسها أمام خيارين، أحلاهما مرّ: إما إجهاض جنينها للحفاظ على مصدر رزقها أو الاحتفاظ به والعودة أدراجها إلى بلدها الأم، في معاناة صامتة تعيشها العشرات من عاملات الخدمة المنزلية في لبنان.

بعد أربعة أشهر على وصولها إلى لبنان، شعرت سارة (28 عامًا) بتعب شديد، ما دفع ربة المنزل التي عملت لديها إلى اصطحابها لإجراء الفحوصات اللازمة. وتبين بعدها أن سارة حامل في الشهر الرابع، ما جعلها ضحية خلاف نشب بين الكفيلة وصاحب المكتب الذي استقدمها للعمل في لبنان، كانت نتيجته تهرب الإثنين من المسؤولية وإلقاء العبء كله على العاملة الأجنبية. 

تروي سارة لموقع "مهارات نيوز" كيف تعرضت حينها  للضغط من قبل صاحب المكتب حتى تجهض جنينها، رغم ما يشكله ذلك من خطر على حياتها، كونها في مرحلة متقدمة من الحمل.

وتقول "هم يفكرون في التكاليف المادية، لا بما سيحصل لي أو لوضعي الصحي"، موضحة أنها حُرمت من الحصول على راتبها مقابل 4 أشهر عمل، لتتولى عائلتها مصاريف عودتها إلى بلدها من دون إجهاض. 

 وتشرح سارة "لم أندم على قراري الاحتفاظ بطفلي، رغم أن القرار تسبب بخسارة مصدر رزقي"، مضيفة "حصلت على رزق أكبر من ذلك بعد العودة إلى بلدي وهو الزواج من أب الطفل وانجاب ولدي الذي يبلغ الآن 6 سنوات" . 

 

عمليات غير قانونية

يشرح أصاحب مكتب لاستقطاب العاملات الأجنبيات، عرّف عن نفسه باسم علي، من دون الكشف عن هويته الكاملة، أن عملية الاستقطاب تبدأ بتحضير الأوراق اللازمة، إضافة إلى فحوصات يتعين على العاملات إجراءها في بلدها الأم. وحينها، ما من داع لإعادة إجراء الفحوصات في البلد المستقطب.

ولكن الأزمة تقع حين اكتشاف حمل إحدى العاملات، وعندها تُخيّر بين الرجوع إلى الوطن أو الإجهاض، على حد قوله

ويوضح لموقع "مهارات نيوز": "أنا ضد عملية الإجهاض" نظرًا للخطورة التي يرتّبها على صحة العاملة خصوصًا في مرحلة الحمل المتقدمة، عدا عن رفضه من الناحية الشرعية والإنسانية".

ويضيف "عندما تختار العاملة الإقدام على هذا الفعل، نرسلها إلى مكتب آخر لا يمانع في إجراء تلك العملية" لافتًا إلى أنه "في حالات نادرة، تعامل مع طبيب تقاضى بين 400 إلى 500 دولار أميركي لإجراء العملية داخل عيادة، إلا أنه تم إلقاء القبض على الطبيب ومحاسبته قانونيًا".

وغالبًا ما يجد مكاتب الاستقدام أنفسهم أمام رفض العاملات لخيار الإجهاض. ويقول علي "يجعلني ذلك أتحمّل مسؤولية التكاليف المادية لإعادتها إلى بلدها"، لافتًا إلى أن من بين الأسباب التي تدفع العاملة للاحتفاظ بالطفل  "ثقافة البلد الذي تعيش فيه ومتقبل لفكرة الحمل خارج نطاق الزواج".

 

عقوبات

يعدّ الإجهاض، وفق المحامية موهانا إسحق، جرمًا في القانون وتعاقب عليه المرأة المقبلة على هذا الفعل مع الشخص الذي شاركها ذلك، سواء ببيع المرأة وسائط الإجهاض أو ترويجها أو تسهيل استعمالها.

وتًشدد العقوبة عندما يكون الفاعل طبيبًا أو اًو صيدليًا أو أحد مستخدميهم، باعتبار أن الإجهاض هو الفعل الذي من شأنه إنهاء حالة الحمل عن طريق قتل الجنين في رحم أمه أو إخراجه عمدًا من رحمها قبل الموعد الطبيعي لولادته، حتى لو خرج حيًا وقابلًا للحياة. والمواد من 539 حتى 546 من قانون العقوبات تتحدث عن شروط ارتكاب جريمة الإجهاض.

ويعدّ ضغط أصحاب المكاتب على العاملة الأجنبية للإجهاض فعلًا غير قانوني أيضًا، لا من ناحية الإجبار على الإجهاض فقط، وإنما لناحية استغلال العاملات ودفعهن إلى ممارسة عملهن بشكل طبيعي بعد نيل غاية الإجهاض، وفق اسحق.

وقد كشف تقرير التقييم الوطني عن "الحقوق الجنسية والحقوق الإنجابية في لبنان" عند عرضه نتائج متعلقة بدراسة حالة العاملات المهاجرات في لبنان، العديد من المشكلات التي تواجههن، منها الصعوبات القانونية لإثبات النسب. وتبين أن غالبية العائلات في لبنان لا تقبل العاملة الحامل، فترحّلها مباشرة إلى بلدها، إلى جانب خوف العاملات الأجنبيات من الإفصاح عن الانتهاكات التي يتعرضن لها خصوصًا اعتداءات العنف الجنسي، إذ أنهن ليسوا على معرفة بالأطر التي تقدم الدعم عند التعرض للعنف، إضافة إلى عدم معرفة العاملات بالمراكز الصحية التي تقدم الخدمات الصحية والإنجابية.

 

دعم ومساندة

تعتبر جمعية "كفى" من الجمعيات المناصرات لحقّ العاملات الأجنبيات والتوعية على حقوقهن، بما فيها الإنجابية والجنسية.  وتوضح اسحق بصفتها رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة بقسم مناهضة الاتجار بالبشر في الجمعية أنّه يمكن للعاملة، عند تعرّضها لانتهاك، التبليغ عن الفعل الذي تعرضت له عبر استعمال الخط الساخن الخاص بالجمعية أو أحد المعارف أو قيام المخفر بإدراجها إلى الجمعية بعد أن تكون قد لجأت له.

وتعمل الجمعية على توجيه الإخبار الخاص بالإجبار على الإجهاض إلى النيابة العامة، ويتم فتح تحقيق بموجبه. في هذه الفترة، تتمّ استضافة العاملة في مأوى خاص بالجمعية، مع تقديم الإرشاد الاجتماعي والدعم النفسي، باعتبارها  ليست في بلدها وقد تعاني من مشكلة في فهم اللغة أو عدم الاطمئنان للجهة المساندة لها، وتتابع معها الجمعية كل ما يشمل القضية من تفاصيل إلى حين سفرها في حال أرادت ذلك. 

وفي أغلب الحالات، يُصار إلى إجبار الكفيل أو صاحب المكتب على تحمل الكلفة المادية للسفر، وفق اسحق. 

وتعمل جمعية "كفى" بدورها على إجراء دورات تدريبية لقوى الأمن والأفراد عامة والعاملات للتوعية على عدم استغلال العاملات أو غيرهن، وعدم انتهاك حقوق العاملات بشكل عام أو فيما يتعلق بالإجبار على الإجهاض بشكل خاص عدا عن التشبيك مع المؤسسات الرسمية التي تعنى بالموضوع.

 

في ظل ما يشهده لبنان، يبقى جبار العاملات الأجنبيات على الإجهاض واستغلالهن ملفًا مغلقًا، خصوصًا مع ضعف التوعية حول وسائل المساندة لهن. ولأن المسؤولية لا تقع على عاتق العاملات فقط، تشير اسحق إلى مدى أهمية نصّ قانون ينظم العمل المنزلي، حتى تصبح الكرامة مصانة. 

 

TAG : ,العاملات الأجنبيات ,الإجهاض ,حق العاملات الأجنبيات