انطلاقًا من التجارب السابقة غير المشجّعة، والشفافية الغائبة لأعمال الإغاثة وآلية استقبال الهبات لاسيما في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، برزت مؤخرًا قضية المساعدات الانسانية التي وصلت الى لبنان في ظل الحرب، ما يتطلب متابعة حثيثة لعمل الجهات المولجة تلقّي المساعدات (المالية والعينية) والاهتمام بمسائل الإيواء وتسجيل الوحدات السكنية وصولاً إلى توزيع المساعدات، خاصة بعدما علت بعض الأصوات لنازحين أكّدوا عدم استلامهم أي حصة غذائية أو تلقّيهم أيّة مساعدات مالية خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان. فما هو المسار الذي سلكته المساعدات المالية والعينيّة؟ وهل تدخّلت الأحزاب السياسية للسيطرة على بعض المساعدات وتوزيعها بشكل استنسابي؟
بالعودة إلى ما أعلنت عنه لجنة الطوارئ الحكومية تعتمد الآلية المتّبعة على توزيع المساعدات عبر المحافظين وغرف العمليات المناطقية من خلال الإدارات المحلية التي تملك المعرفة باحتياجات النازحين في مراكز الإيواء أو المنازل.
وقد أوضح رئيس لجنة الطوارئ الحكومية الوزير الأسبق ناصر ياسين بتاريخ 16 تشرين الثاني 2024 أي ما قبل نهاية الحرب أنّ العدوان الإسرائيلي أدى إلى نزوح مليون و200 ألف شخص، انتقل أكثر من 200 ألف منهم أي بحدود 45 ألف أسرة إلى مراكز إيواء. وقد تم استلام مساعدات عينية من الدول الشقيقة والصديقة للبنان ومن المغتربين اللبنانيين والمنظمات الدولية عبر المطار والمرفأ.
وبحسب أرقام اللجنة، تم توزيع ما يقارب 40662 صندوق غذائي وُزّع 90 في المئة منها، بالإضافة إلى 15735 صندوق نظافة وزّع 90% منها، و17938 صندوق إيواء وزّع 74 % منها، كما استلمت 2774 خيمة وُزّع 54 % منها، و39615 بطانية وفرشة وُزّع 61 % منها.
وحول آلية توزيع المساعدات، يقول مصدر في لجنة الطوارئ أنها وزّعت بشكل نسبي وليس بالتساوي على المحافظات وذلك حسب تسجيل أعداد النازحين بالمحافظات. ويضيف: “كلجنة طوارئ وزارية كنا نحاول مساعدة كل الجهات من الهيئة العليا للإغاثة، مجلس الجنوب والمنظمات لتوحيد مصدر الداتا للتأكد من وصول المساعدات، والطلب من الجميع الالتزام بآليات موحّدة”.
ورغم اتباع هذه الآلية، إلاّ أن العديد من التحديات قد ظهرت، فوفقا لما صرّح به ياسين سابقا، شكّلت المساعدات العينيّة نسبة 15 إلى 20% من الاحتياجات العامة لمجموع النازحين ومركزة بشكل كبير على مساعدة الأهالي في مراكز الإيواء.
ويشرح المصدر أن أهم 5 نقاط للاستجابة للكوارث يمكن أن يُبنى عليها وتم العمل على أغلبها في الازمة الاخيرة هي:
• حصرية الدولة بتوزيع المساعدات من الدول الصديقة عبر المحافظين
• الشفافية بالتوزيع عبر نشر كافة المعلومات على الموقع الالكتروني مما يسمح بالمحاسبة والمساءلة
• الاستعداد للمراجعة واستخلاص الدروس بتوقيت يمكن أن يساعد على استكمال الاستجابة لتقديم المساعدات
• توحيد جهود كل الجهات مثل الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الجنوب ولجنة الطوارئ ضمن جسم موحّد لتحسين الإستجابة
• ودمج البيانات بمصدر موحّد لتسهيل الوصول إلى المعلومات والعمل على Tracking system على صعيد لبنان من خلال خطة يحضرها فريق عمل لجنة الطوارئ.
يذكر أنّ أحد أكبر التحديات التي واجهت عملية شفافية المساعدات، كانت عدم وجود منصّة مركزيّة موحّدة تنشر عليها كافة المساعدات وآلية توزيعها الأمر الذي طرح العديد من الإشكاليات والتساؤلات في ملف المساعدات العينية والمالية التي وصلت إلى لبنان منها أن يكون التوزيع غير عادل واستنسابي.
الزبائنية واللاعدالة صبغت آلية توزيع المساعدات
على الرغم من المسار الذي شرحته لجنة الطوارئ الوزارية، الّا أن الخوف يكمن دائما عند كل استحقاق مشابه أن تُستخدم هذه المساعدات التي تصل كوسيلة لاسترضاء المواطنين انتخابيًا أو لتثبيت ولاءات وتكريس زبائنية لطالما اعتدناها، إذ يقول نازحون من بعلبك، أن التعتيم الإعلامي على المنطقة كان واضحًا، وأن “حزب الله” وزّع مساعدات عبر بطاقة “سجّاد” للتابعين له. وان المساعدات التي أتت للدولة وزعت بطريقة عشوائية و”الأولوية للنازحين في المدارس”. كما كان هناك فقدان للبضائع والغاز واحتكارها من قبل التجار، وكانت تصل حصة المساعدات ناقصة من الزيت والسكر، والأغذية فاقدة للصلاحية.
تقول نازحة مقيمة في أحد المنازل في مدينة طرابلس، أنه “بالرغم من “توصية” أحد المحامين والنواب وتواصلها مع مسؤول عن توزيع المساعدات، الّا أنها لم تصلها أيّة مساعدة لأنها ليست مسجّلة في مراكز الإيواء.
الأمر نفسه ينسحب على بيروت، إذ يقول أحد النازحين المصابين جراء الحرب، “أنا ابن المقاومة نزحت من الضاحية الى البقاع مع عائلتي لم تصلني مساعدات”. بينما تقول نازحة أخرى خسرت منزلها في بيروت ونزحت الى بعلبك “نحنا مش شحّادين وين الضمير”؟
من هنا، نرى أن الآلية المعتمدة للتوزيع من قبل لجنة الطوارئ عانت الكثير من التحديات لناحية تأمين النازحين خارج مراكز الإيواء.
في هذا الإطار، يقول المحامي علي عباس إنّ ” الآلية التي تم اعتمادها من قبل لجنة الطوارئ الوزارية لم تُعط كثيرًا من الجدوى بسبب عدم وجود عدالة ومساواة في توزيع المساعدات، فضلًا عن عدم وصولها لمستحقيها، لأن الطرف الأخير الذي يُوزّع للناس هو طرف حزبي أو بلدية، وقد علا صراخ الناس بسبب عدم حصولهم على أيّة مساعدة، أكثر من ذلك كان هناك تمييز بين النازحين في مراكز الإيواء والنازحين في البيوت عند أقاربهم”.
من الهيئة العليا للإغاثة وصولا للنازحين: من أوصل المساعدات؟
للبحث في كيفية وصول هذه المساعدات إلى الناس، تقدّمنا بطلب معلومات لرئاسة الحكومة كون الهيئة العليا للإغاثة تابعة لها ، وذلك بهدف الحصول على تفاصيل عن المساعدات المقدّمة إلى لبنان من دول شقيقة وصديقة ونوعيتها وكميتها وآلية وأماكن توزيعها على النازحين. فاتتنا الإجابة بطريقة غير رسميّة.
وقد أتى الردّ أنّ الهيئة العليا للإغاثة تقوم بإستلام الهبات والمساعدات المقدمة إليها من الدول المانحة والجمعيات والمنظمات الدولية وذلك عبر مطار رفيق الحريري الدولي أو المرافئ العامة وتقوم بتسليمها (وفق الآلية التي وضعتها لجنة الطوارىء الحكومية).
كما توضح الهيئة أن دورها وفق الآلية المحددة من قبل لجنة الطوارئ المذكورة يقتصر على استلام المواد الإيوائية (فرش- حرامات- مخدات..)، وتسليمها عبر المحافظين وغرف العمليات بواسطة جداول استلام تفصيلية حول المستفيدين، وجميعها موجودة على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة.
وحول مبدأ الشفافية، فإن الهيئة تقوم بنشر جميع المعلومات المتعلقة بالمساعدات على الموقع الرسمي الخاص بها، وذلك لضمان مستوى عال من الشفافية وإتاحة مشاركة فعالة من الجمهور وأصحاب المصلحة في جهود الإغاثة.
ويظهر على الموقع الالكتروني التابع للهيئة High Relief Committee انها نشرت تقارير حول الهبات مقسّمة بحسب نسب توزيع كامل الهبات وفقاً للوزن، فيتّضح أن 75% من نسب المساعدات كانت من قبل لجنة الطوارئ الوزارية و20% للهيئة العليا للإغاثة. كما تم نشر لائحة بالجهات المانحة وهي الإمارات، مصر، السعودية، باكستان، تركيا، روسيا رومانيا، الكويت، وتاريخ الاستلام والوزن الإجمالي بالطن.
وبالدخول إلى موقع الهيئة، يتبيّن أن لا وضوح لناحية الجهة التي استلمت المساعدات ووزّعتها إلى الناس مباشرة، لذا تقدّم المحامي علي عباس بطلب معلومات عن المساعدات المقدّمة إلى لبنان وآلية وأماكن توزيعها على النازحين، ويتبيّن من الجداول أن بعض هذه المساعدات وصلت إلى نازحين مقيمين في منازل وهو ما يطرح تساؤلات عن سبب عدم مرور هذه المساعدات عبر الجهات المعنية بالتوزيع وذهابها مباشرة إلى العائلات، بالإضافة إلى المعايير التي تمّ من خلالها اختيار هذه العائلات.
في هذا الإطار، يشير عباس إلى “أنّه من خلال الجداول التي حصلنا عليها عبر طلب الوصول للمعلومات التي قدّمناها للهيئة العليا للإغاثة، اتضح لنا أنه كان هناك الكثير من المحسوبيات وعدم المساواة بتوزيع المساعدات وممارسة الزبائنية”.
ويضيف عباس أنّه قد “وصلتنا الكثير من الإتصالات من عدة مناطق يشكو أهاليها من عدم تسلّمهم مساعدات بينما آخرون وصلهم أكثر من وحدة غذائية، وبعض الأهالي وصلهم فقط مواد تنظيف، هنا كان الخطأ، لأنه لم يتم الاعتماد على مؤسسات الدولة الرسمية فعليًا لتوزيع المساعدات مثل الجيش اللبناني والقوى الأمنية التي تستطيع أن تكون منتشرة على كافة الأراضي اللبنانية، والتخوّف الأكبر لدينا هو في كيفية إعادة الإعمار لأننا أيضًا سنرى الآلية ذاتها التي اعتمدت بطريقة غير صحيحة”.
في هذا الإطار، يؤكد مصدر في لجنة الطوارئ الحكومية أن “لا أحد يستطيع الإدّعاء بقدرته على التأكد من وصول المساعدات إلى كل نازح، كما يجب أن لا تُرمى الاتهامات عشوائيًا دون دليل أو معرفة”. ويضيف “تعدّدت مصادر المساعدات، فقد أرسل المغتربون المساعدات كما الأحزاب والجمعيات المحلية وبالتالي كان هناك آلية للتوزيع خارج إطار الآلية المعتمدة لدينا، بحيث كانت تأتينا المساعدات عبر الدول الصديقة ونوزعها للمحافظين وبدورهم يعيّنون غرف لإدارة الكوارث المسؤولة عن توزيع المساعدات للنازحين”.
ويختم المصدر “نحن كلجنة طوارئ وزارية بدأنا مع المحافظين والهيئة العليا للإغاثة وكل الفرق التي عملت خلال الحرب وأدارت التوزيع والاستجابة للأزمة بعملية التقييم، وبدأنا بورشة عمل داخلية لاستخلاص دروس مستقاة من الخطط والتحضيرات والتواصل خلال وما بعد الحرب للبناء عليها فيما بعد”.
الحلول السريعة باتت ضرورة
اذًا وبين اتهامات من هنا ونفي من هناك، فالاكيد أن لبنان بحاجة ماسّة لاستعادة استقرار مؤسساته العامة كي يتمكن من التعاطي بشكل فعّال مع الأزمات المتتالية، فالانهيار الاقتصادي كان له تأثير كبير على قدرة الدولة على تلبية احتياجات المواطنين، وهذا يستدعي وضع استراتيجية شاملة لترميم الثقة وإعادة بناء قدرة الدولة على الاستجابة.
إن توحيد الجهود بين مختلف الأطراف، سواءً كانت حكومية أو غير حكومية، أمر حيوي. خصوصًا في ظل غياب الاستقرار السياسي الذي يزيد من تعقيد الوضع. هذه التحديات تتطلب قيادة حكيمة ومبنية على رؤية استراتيجية، إضافة إلى الانفتاح على الاستفادة من التجارب السابقة لضمان عدم تكرار الأخطاء.
وانطلاقاً من التجارب السابقة نعدد بعض التوصيات الضرورية التي يمكن أن تساهم في تحسين استجابة لبنان للأزمات والتعامل معها بفعالية أكبر منها:
• تعزيز التنسيق بين المؤسسات الحكومية وإنشاء قاعدة بيانات وطنية للأزمات
• تطوير خطة الطوارئ لتقليل المخاطر
• تعزيز الشفافية والمحاسبة في توزيع المساعدات
• زيادة إشراك المجتمع المدني والمنظمات الدولية ومشاركة المجتمع في إدارة الأزمات
• التدريب المستمر للموظفين
• إنشاء صندوق طوارئ اقتصادي لمواجهة الأزمات المفاجئة
• تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتقديم المساعدات
• تفعيل دور الإعلام في التوعية والرقابة
• اخضاع كل الآلية السابقة في عمليات ادارة المساعدات للجهات الرقابية الرسمية او جهات تدقيق خارجية
تم نشر التقرير أيضًا على موقع democratia news.