Loading...

تجربة هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية في مراقبة الاعلام والاعلان الانتخابيين

تمهيد: في النظام الانتخابي المطلوب، وتطوير وتحديث العملية الانتخابية

عطالله غشام

(مدير عام الداخلية وعضو هيئة الإشراف على الانتخابات سابقا)

عندما نتحدث عن قانون الانتخاب يتبادر الى الاذهان بصورة فورية، اقتصار البحث في هذا الشأن على اي من النظامين الانتخابيين الواجب اعتماده، هل هو النظام النسبي بمختلف اشكاله وانواعه المطروحة، ام النظام الاكثري المعمول به حالياً، ام التوصل الى قاسم مشترك يقضي باعتماد النظام المختلط الذي يجمع بين النسبي والاكثري.

اضف الى ذلك الاشكالية الدائمة المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية. وبعيدا من الدخول في تقييم اي من هذه الطروحات وتفضيل بعضها على الاخر، نظرا الى التجاذبات والانقسامات السياسية حولها، بحيث تسعى كل جهة الى اعتماد الطرح الذي يحقق لها مصالحها السياسية ويعزز وجودها الانتخابي.

ونظرا الى غياب المعايير والقواعد والاسس الموضوعية التي يتوجب العودة اليها في هذا المجال، وبانتظار التوصل الى التسويات المعهودة لهذه التناقضات، فان هناك عناوين اخرى عديدة، لا تقل اهمية، ينبغي التركيز عليها والتي تتعلق بضرورة تطوير وتحديث ومكننة العملية الانتخابية وتطوير النصوص القانونية بما يتلاءم مع انظمة الانتخابات العصرية المطبقة في معظم دول العالم مستفيدين بذلك من التطور الهائل في عالم التكنولوجيا والاتصالات.

وبموازاة ذلك فإن ما كنا ننادي به دائما في مناسبات مختلفة ونسعى الى تحقيقه هو اعادة قراءة شاملة ومعمقة لمختلف النصوص القانونية التي ترعى قوانين الانتخاب المتعاقبة والتي لا تزال تتحكم في مختلف جوانبها الاساسية، الاطر العامة المعمول بها منذ ان تم وضع القانون الاول ايام الانتداب.

لقد سبق لي ان زودت لجنة الادارة والعدل "بناء على طلبها" بدراسة شاملة ومعمقة تتناول كافة جوانب الاسس والقواعد الواجب اتباعها لتطوير وتحديث العملية الانتخابية والارتقاء بها من الطريقة اليدوية المتبعة في عملية الاقتراع والفرز سواء داخل اقلام الاقتراع او لدى لجان القيد، مبيناً ان الاقتراحات الواردة في بعض مشاريع القوانين المطروحة، والتي تنص على اعتماد اوراق الاقتراع الممغنطة او الفرز الالكتروني، لا يمكن ان تحقق النتائج المرجوة، الا في حال اعتماد المكننة الشاملة التي يجب ان تبدأ بمكننة سجلات النفوس التي تنبثق عنها القوائم الانتخابية، والتي تشكل نقطة الانطلاق لمكننة كامل العملية الانتخابية من خلال الاقتراع بواسطة البطاقة الممغنطة والتي تنتهي باعمال الفرز الالكتروني واصدار النتائج. كما سبق ان تقدمت بمشروع متكامل لمكننة العملية الانتخابية وفقا للاسس والقواعد العلمية والتقنية والتي لا مجال للخوض في تفاصيله هنا. واكتفي بالاشارة في هذا المجال الى ان تطبيق الية الاقتراع والفرز واصدار النتائج بالطريقة اليدوية المتبعة حاليا على اقتراع المغتربين ينطوي على محاذير وصعوبات كبيرة من شأنها ان تعرض كامل هذه العملية للفشل المحتم.

وهذا يستدعي اعادة النظر بكامل الاجراءات اليدوية المعمول بها ووضع النصوص القانونية التي ترعى هذا التحول.

اولا: اهمية دور هيئة الاشراف على الانتخابات في عملية الاصلاح الانتخابي

لم اقصد مما تقدم اغفال الجوانب الاخرى التي حصلت في عملية التطوير والتحديث في قانون الانتخاب ولا التقليل من اهميتها، واعني بذلك تجربة هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية في مجال مراقبة الانفاق والاعلام والاعلان الانتخابيين خلال الانتخابات الاخيرة، حيث تعتبر هذه التجربة تتويجاً، ولو جزئياً للجهود المبذولة في عملية الاصلاح المطلوبة.

وبصرف النظر عن تباين الاراء والمواقف بين من يطالب بانشاء هيئة مستقلة تماما للانتخابات، تتولى ادارة الاعمال الانتخابية بكافة مراحلها تحضيرا وتنفيذا واشرافا وانشاء الاجهزة اللازمة لديها مباشرة، وبين من يطالب بالابقاء على تجربة الهيئة الحالية بعد تحديث انظمتها وتطويرها وتوسيع صلاحياتها.

فان لكل من هذين الطرحين دعاته ومؤيديه، ولكل اسبابه ومبرراته التي لا مجال للمفاضلة بينها في هذه المداخلة.

ونظرا الى اهمية الدور المركزي الذي يجب ان تضطلع به الهيئة (بصرف النظر عن التسمية الواجب اعتمادها) فان مراقبة الانفاق والاعلام والدعاية الانتخابية اصبحت واقعا وضرورة ملحة لا يمكن تجاوزها او القفز عنها.

 

ثانيا: الصعوبات التي واجهت انطلاق عمل الهيئة

لقد حاولت الهيئة المباشرة بممارسة المهام المنوطة بها في مجال مراقبة الاعلام والاعلان الانتخابيين ضمن الحدود المبنية في القانون بكل تصميم وجدية، غير ان ظروفا صعبة اعترضت انطلاقتها والتي تمثلت بصورة رئيسية بضيق الفترة الزمنية التي كانت متاحة امامها للمباشرة بهذه المهام، والتي لم تكن تتعدى الثلاثة اشهر الفاصلة بين تاريخ تعيينها وتاريخ اجراء الانتخابات، حيث كان على الهيئة ان تؤمن خلال هذه الفترة القصيرة مستلزمات العمل التحضيرية الضرورية اللازمة واهمها:

- تأمين مقر للهيئة

- ايجاد ادارة تنفيذية بحدها الادنى (تأمين الموظفين وتدريبهم- الاستعانة بخبراء في مختلف المجالات)

- وضع قواعد عمل الهيئة

- وضع الانظمة الادارية والمالية والداخلية

- تأمين التجهيزات الفنية والمكتبية واللوجستية

- تكوين قاعدة بيانات لوسائل الاعلام وللمرشحين

- البت بموضوع تاريخ بداية الحملة الانتخابية نظرا الى غموض النص المتعلق بذلك ليبنى عليه تاريخ وسائل الاعلام الراغبة في المشاركة في تغطية الاعلان الانتخابي والبت بها.

كل هذه المعطيات والمستلزمات لم تكن متوافرة وموجودة ولو في الحدود الدنيا، اذ كان على الهيئة ان تبدأ من نقطة الصفر.

 

ثالثا: الجهود المبذولة للتعاون والتنسيق مع وسائل الاعلام وحدود الالتزام والتعاون

لقد حرصت الهيئة منذ البداية على مشاركة وسائل الاعلام المختلفة في تحمل مسؤوليتها في هذا المسار، من خلال اللقاءات والاجتماعات العديدة التي عقدتها مع ممثلي وسائل الاعلام، والتي كان الهدف منها خلق شراكة حقيقية لانجاح تجربة الرقابة، وذلك عبر وضع اطر عريضة وتفصيلية لحدود التزام وسائل الاعلام بالاحكام القانونية المرعية الاجراء بالاضافة الى حدود استخدام المرشحين لوسائل الاعلام اثناء حملاتهم الانتخابية.

ورغم كل الجهود المبذولة في هذا الشأن فان غالبية وسائل الاعلام قد استسلمت لانتماءاتها السياسية والحزبية والطائفية وتفلتت من مشاركة الهيئة في ضبط المسار الاعلامي، ولم يكن التزامها باحكام القانون وبقرارات الهيئة وتعاميمها الا جزئيا.

بالاضافة الى ذلك، فقد تعمدت معظم الوسائل الاعلامية اخفاء المعلومات والبيانات والجداول الاحصائية التي طلبت منها، والتي يجب ان تظهر فيها مجال الاعلانات والدعايات الانتخابية التي تم بثها او نشرها والجهات السياسية التي استفادت منها ومولتها.

لقد تعاملت الهيئة مع المخالفات المرتكبة ضمن الحدود الدنيا التي يتيحها القانون، وهي: اتخاذ ما تراه مناسبا من الاجراءين الآتيين:

- توجيه تنبيه الى الوسيلة الاعلامية المخالفة أو الزامها ببث اعتذار أو الزامها تمكين المرشح المتضرر من ممارسة حق الرد.

- احالة وسيلة الاعلام المخالفة الى محكمة المطبوعات.

وبذلك وجهت الهيئة عددا كبيرا من التنبيهات والتحذيرات والانذارات الى الوسائل المخالفة واحالت عددا منها الى محكمة المطبوعات التي اصدرت احكاما لم تتعدّ فرض الغرامات المالية رغم ان المادة 76 اعطت المحكمة صلاحيات واسعة في هذا الشأن.

وزاد في صعوبة الامر الفلتان الاعلامي المتمثل بممارسات وسائل الاعلام الفضائية وسائر وسائل الاعلام غير السياسية، المناطقية منها والمذهبية ومشاركتها بالنشاط الانتخابي غير المشروع من دون ان يكون للهيئة القدرة على الحد من هذه النشاطات او منعها.

 

رابعاً: عدم كفاية ووضوح النصوص القانونية

هذا من الناحية العلمية المتعلقة بمراقبة وسائل الاعلام، غير ان صعوبات اخرى اعترضت اعمال الهيئة، خصوصا في ما يتعلق بعدم كفاية ووضوح بعض النصوص القانونية.

لم تتوقف الهيئة امام هذه الصعوبات بل عمدت جاهدة الى تجاوز العديد منها متبعة طريقة الشرح والتفسير وتبسيط الاجراءات التنفيذية والعملية والرد على المراجعات والاستفسارات التي تردها.

وقد اصدرت في هذا المجال عددا كبيرا من الاعلانات والتعاميم والبيانات والقرارات التوضيحية، التي تضمنت خريطة طريق لكل الجهات المعنية بالشأن الانتخابي ثم عمدت الى جمع كل ما صدر عنها في هذا الشأن ضمن كتيب منسق ومنظم، تم توزيعه على نطاق واسع على جميع المرشحين والجهات السياسية المعنية وعلى سائر وسائل الاعلام، وقد اعتبر هذا العمل في حينه ولا يزال، جزءا من المساهمة المسؤولة في اعداد البرامج التثقيفية المطلوبة في الشأن الانتخابي. وتتويجا لكل هذه الجهود اصدرت الهيئة تقريرها الختامي الذي تضمن شرحا مفصلا وتقييما لمختلف مراحل مراقبة الاعلام والاعلان الانتخابيين، معززا بالبيانات الاحصائية عن النشاطات التي قامت بها، وقد انتهى هذا التقرير الى تبني عدد من التوصيات والاقتراحات الهامة والتي تختصر كل العناوين المذكورة.

 

خامسا: ممارسة الهيئة لحق الاجتهاد

لم تكتف الهيئة بذلك بل حاولت التغلب على الصعوبات الناتجة من عدم كفاية ووضوح النصوص القانونية، من خلال طرق باب الاجتهاد ولو بصورة محدودة، فقد تمكنت الهيئة بعد جهد من اتخاذ قرارات تنفيذية في مجالات لم يعطها القانون صراحة الحق باتخاذها.

فإزاء التفلت الاعلامي وانعكاساته السلبية قررت الهيئة عدم الموافقة على نشر أو بث بعض الاعلانات والدعايات الانتخابية التي تضمنت اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية والتحريض على ارتكاب اعمال العنف، ووقف بعض ما نشر أو بث منها. الامر الذي اثار موجة من الاعتراضات الواسعة من بعض وسائل الاعلام التي بادرت الى الطعن بهذه القرارات امام مجلس شورى الدولة:

واعتبر هذا المجلس في معرض رده لهذه الطعون ان قرارات الهيئة تكون مستمدة من روحية عملها ومن المهمة الاستثنائية المنوطة بها، والتي تتخطى الاطر والصلاحيات العادية المعطاة لبقية الاجهزة في الحالات العادية. وطلبت الهيئة في حينه بناء على ذلك، من المديرية العامة للامن العام التنسيق والتعاون معها قبل الترخيص لمثل تلك الاعلانات وذلك منعا للتضارب في الصلاحيات.

لكن الهيئة لم تستفد من التغطية القانونية التي وفرها لها قرار مجلس شورى الدولة، ولم تتمكن من الاستمرار أو التوسع في طرق باب الاجتهاد اثناء مجابهتها لحالات مماثلة.

وتبعا لذلك لم تتمكن الهيئة من اتخاذ أي تدبير بحق وسائل الاعلام التي خالفت بصورة صريحة موجبات فترة الصمت المنصوص عليها، ضاربة عرض الحائط بتعليماتها واتصالاتها المباشرة، الامر الذي اثار ضجة اعلامية في حينه.

وفي النهاية ليس المهم في هذا المجال التوسع في تعداد ما انجزته الهيئة (وهو كثير)، بل الاشارة الى ما كان يمكن تحقيقه من انجازات فيما لو عقدت العزم وتوحدت اراء اعضائها لتخطي العديد من الصعوبات واستنباط قواعد واصول عمل جريئة لاول هيئة رقابية في لبنان.

 

سادساً: اهم التوصيات والاقتراحات

التي صدرت عن الهيئة

1- التوسع في اخضاع عدد من وسائل الاعلام للمراقبة:

اقتصرت النصوص الحالية على اخضاع وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمقروء للرقابة الاعلامية واغفلت اخضاع وسائل اخرى لا تقل تأثيرا واهمية بصورة صريحة مثل عدم اخضاع الاعلانات الموضوعة على اللوحات الاعلانية العادية والالكترونية، المستثمرة من الشركات والمؤسسات والاشخاص المنتشرة في كل المناطق اللبنانية. ورغم ان الهيئة اعتبرت هذه الوسائل المهمة من ضمن وسائل الاعلام المقروءة والمكتوبة التي يتم اعتمادها على نطاق واسع لنشر اعلانات المرشحين والجهات السياسية، وطلبت منها التصريح عن العقود المنظمة على هذه اللوحات، غير انه لم يتم الالتزام بذلك بحجة عدم وجود نص صريح يوجب ذلك، مما يقتضي معالجة ذلك بنص صريح لا يحتمل التأويل والتفسير.

2- مراقبة الاعلام الرقمي

اوصت الهيئة كذلك بإدراج نص صريح يقضي بتطبيق نفس الاحكام على الاعلانات والدعايات المنشورة على المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والاتصالات الرقمية sms، والنشر الرقمي الى غير ذلك من وسائل الاتصالات والتواصل الحديثة المتطورة نظرا الى اعتمادها بشكل واسع للدعايات والترويج الانتخابي وتفلتها من اي رقابة، على ان يتم ذلك بالتعاون مع وزارة الاتصالات. كما أوصت بتحديد قواعد بث الاعلانات والدعايات الانتخابية والتزامها النصوص القانونية ومنع اتباع اي طريقة اخرى مثل بث الاعلانات ضمن الرسائل المتحركة في اسفل الشاشة scroll او اخضاع مثل هذه الاعلانات للموجبات القانونية المرعية الاجراء.

3- تعزيز وتوسيع صلاحيات الهيئة في مجال المراقبة

أوصت الهيئة باشتراط موافقتها المسبقة على نشر أو بث الاعلانات والدعايات الانتخابية واعطائها بصورة صريحة حق وقف المخالف منها تحت طائلة فرض عقوبات مباشرة من الهيئة على وسائل الاعلام التي لا تتقيد بقرراتها ومنها:

- اعطاء الهيئة صلاحية الوقف الفوري لاي برنامج له علاقة بالشأن الانتخابي خلال فترة الحملة الانتخابية وخصوصا فترة الصمت الانتخابي تحت طائلة فرض عقوبات مالية وتنفيذية.

- اعطاء الهيئة حق تعليق الترخيص المعطى للوسيلة الاعلامية في المشاركة في الدعاية والاعلان الانتخابي (وفقا لاحكام المادة 66) لمدة محددة في حال تكرار المخالفة رغم توجيه التنبيهات والانذارات اليها من الهيئة.

- اعطاء الهيئة حق الغاء الترخيص المعطى للوسيلة الاعلامية في المشاركة في الدعاية والاعلان الانتخابي بصورة نهائية في حال العودة الى ارتكاب المخالفات دون الحاجة الى اي تنبيه او انذار.

4- عدم اقتصار المراقبة على وسائل الاعلام من دون المرشحين

التدابير المنصوص عليها في المادة 76 من القانون تعطي الهيئة صلاحيات ولو محدودة بحق وسائل الاعلام المخالفة التي تنشر أو تبث أو تنقل تصاريح المرشحين المخالفة بحد ذاتها من دون التطرق الى المسؤولية المترتبة على اصحاب هذه التصاريح مما يقتضي معالجة هذا الامر.

5- توضيح وتصحيح بعض الاخطاء والتناقضات في بعض النصوص القانونية

يوجد تناقض واخطاء في بعض مواد القانون اشارت اليها الهيئة خصوصا في ما يعود لاخضاع بعض وسائل الاعلام للرقابة مما يستدعي التساؤل معها:

- عما اذا كان قد سمح للاعلام الرسمي بالمشاركة في الدعاية والاعلان الانتخابيين حيث سمحت المادة 66 لوسائل الاعلام الرسمي والخاص بذلك في حين ان المادة 19 حصرت ذلك بالاعلام الخاص.

- عما اذا كان قد تم اخضاع الاعلام المقروء والمكتوب للمراقبة، اذ ان المادة 68 قد عددت بشكل حصري الموجبات المفروضة على وسائل الاعلام خلال فترة الحملة الانتخابية من دون التطرق الى وسائل الاعلام المقروءة والمكتوبة.

في حين ان المادة 19 طلبت من وسائل الاعلام هذه التقدم بطلباتها للمشاركة في الاعلان الانتخابي اسوة بباقي وسائل الاعلام، وان المادة 75 اناطت بالهيئة ان تتحقق من التزام وسائل الاعلام المقروءة والمكتوبة، بالاحكام المتعلقة بالدعاية الانتخابية، وقد ادت هذه التناقضات الى خلق حالة من البلبلة والارتباك وصلت عتبة القضاء حيث ردت محكمة المطبوعات في احد قراراتها الطعن المقدم ضد احدى الصحف، معتبرة ان وسائل الاعلام المكتوبة غير مشمولة في الرقابة استنادا الى نص المادة 68 من دون ان تعير اهمية لما ورد صراحة في المواد الاخرى.

6- تنظيم عملية استعمال الاماكن العامة لممارسة النشاطات الانتخابية

خصص القانون الحالي اماكن محددة لتعليق ولصق الاعلانات والصور الانتخابية في كل مدينة أو قرية، وادى التناقض الواضح الذي تضمنته الفقرات العائدة للمادة 70 المتعلقة بعمل هذه الاعلانات الى تعطيل استعمالها بدلا من تنظيمها مما يستدعي التصحيح والتوضيح، بحيث يصار الى تخصيص لوحات خاصة مجانية للاعلانات الانتخابية في الاماكن المذكورة وبالاعداد الكافية وبما يتناسب مع عدد المقاعد النيابية في كل دائرة، وتنظيم ذلك بصورة عملية لتأمين استفادة الجميع منها.

كذلك، يجب في نفس المجال الحد من المنع المطلق لاستخدام المرافق العامة من المرشحين لتنظيم مهرجاناتهم وحملاتهم الانتخابية، خصوصا في القرى والبلدات التي لا توجد فيها اماكن بديلة لممارسة مثل هذه النشاطات وتنظيم ذلك الاستعمال.

7- تأمين استمرارية عمل الهيئة

الى حين البت بصورة نهائية بالجدل المتعلق بطبيعة الهيئة، بين هيئة مستقلة دائمة أو المحافظة على الصيغة الحالية بعد توسيع صلاحياتها، تبقى الحاجة الملحة لمعالجة الصعوبات التي اعترضت تشكيل الهيئة السابقة وظروف مباشرتها لاعمالها وفترة ولايتها وفي هذا المجال تقترح الهيئة ما يأتي:

- تأليف الهيئة قبل ستة اشهر من تاريخ انتهاء ولاية مجلس النواب لكي تعطى الوقت الكافي لمباشرة العمل بالتحضيرات اللازمة لاعمالها وتأمين التجهيزات الفنية والمكتبية وفريق العمل الادراي والفني واللوجستي... الخ.

- تأمين مقر ثابت للهيئة.

- تأمين استمرارية عمل الهيئة بالصيغة التي تمكنها من الاشراف على اي انتخابات فرعية يمكن حصولها اثناء ولاية مجلس النواب.

- القيام خلال هذه الفترة بتأمين كل ما تحتاجه عملية المحافظة على مقرها وموجوداته وتجهيزاته الفنية والمكتبية وصيانتها والمحافظة على ارشيف ومحفوظات الهيئة الانتخابية، ومواكبة كل ما يتعلق بالتشريع الانتخابي وتقديم الاقتراحات المتعلقة باستمرار تطوير وتحديث العملية الانتخابية.

ان ما قصدت الوصول اليه من خلال هذه المداخلة، هو محاولة فتح المجال امام كل باحث جدي للتعمق في دراسة هذه التجربة، دراسة موضوعية والتعرف على مواقع النجاح ومواقع الاخفاق في ممارسة اعمالها، كما اسلفنا واسباب ذلك، للتمكن من الاستفادة من هذه التجربة والبناء عليها في محاولة لسد الثغر والتغلب على الصعوبات التي واجهت مسيرتها.