Loading...

إدارة مرفأ بيروت.. صلاحيات متضاربة وهيكلية متداخلة لم تعرف الحوكمة

 

لم يتسنّ لوزير الأشغال في الحكومة المستقيلة ميشال نجّار تعديل الهيكليّة الاداريّة لمرفأ بيروت، كما صرّح في حزيران/يونيو 2020، قبل أن يدمر انفجار العنبر 12 في مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس المرفأ والمدينة.

فالمرفأ الذي يُدار بموجب إدارة مؤقتة منذ سنوات طويلة، تكتنف إدارته الغموض والاهمال وتنازع الصلاحيات وتعدد الجهات المسؤولة، وهو ما خلق جواً من الضبابية حول مرفق حيوي، يُفترض أن يدرّ عشرات ملايين الدولارات على الخزينة العامة، لولا سوء الادارة والتقدير التي جعلته يعمل بمقولة "حارة كل مين إيدو إلو".

وتدير اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت عمليّاتها الماليّة "خارج أي أطر تشريعيّة"، بحسب ما توصلت اليه دراسة صادرة عن المديرية العامة للدراسات والمعلومات في مجلس النوابفي أواخر عام 2019. وقدّرت الدراسة عينها إيرادات مرفأ بيروت السنوية بنحو 240 مليون دولار الّا أنّ 40 مليوناً منها فقط يتمّ تحويلها الى الخزينة العامة. أما ما تبقّى فيتمّ انفاقه على تشغيل وصيانة المرفأ.

وبناءً على ذلك وفي إطار ضبط الانفاق، ذكرت موازنة عام 2020 ضرورة "إلزام الشركات المشغّلة لقطاع الخلوي ومرفأ بيروت بتحويل الإيرادات إلى الخزينة بشكل دوري."، ذلك ان غياب الرقابة الماليّة والإداريّة هو السبب الرئيسي للهدر والفساد المستشري داخل المرفأ والذي تحدّث عنه النائب نزيه نجم، رئيس لجنة الأشغال النيابيّة، في مقابلة مع "مهارات نيوز"معلّقاً: "هذا المرفأ مصدر رزق للبلد حوّلوه لمزرعة لهم"، جازماً بأن "الفاسدين محمّيون".

فالمرفأ موسوم بالفساد والتهريب للحدّ الذي دفع وزير الداخليّة والبلديّات السابق مروان شربل إلى القول في إحدى إطلالاته التلفزيونيّة "اللّي ما بيسرق من المرفأ بكون حمار".

مرفأ بيروت.. الدور والمهام

تمّ افتتاح مرفأ بيروت الدولي عام 1894 ووضع قانونه أيّام السلطنة العثمانيّة وفي أوائل التسعينات تمّ تجديده فأصبحت تبلغ مساحته 1,200,000 م2 وهو يحتوي على أربعة أحواض يصل عمقها إلى 24 متراً كما يتضمّن 16 رصيفاً والعديد من المستودعات بالإضافة إلى إهراءات القمح. ويتصل المرفأ بـ56 خط ملاحي عالمي ويستقبل حوالي 3000 سفينة سنويّاً وهو المركز الأساسي لعمليّات الاستيراد والتصدير في لبنان بحيث تدخله قرابة 70% من البضائع التي تدخل لبنان. فمثلاً في العام 2014 استحوذ مرفأ بيروت على 91٪ من إجمالي الواردات وعلى 87٪ من إجمالي الصادرات المنقولة بحراً بحسب تقرير عن المرفأ صادر عن بنك البحر المتوسط Bank Med.

ووفقاً للتقرير عينه، حقّق مرفأ بيروت حتّى نهاية عام 2014 دخلاً بقيمة 210.9 مليون دولار أميركي بمتوسط معدل نمو سنوي بلغ 6٪ بين عامي 2010 و2014. وبالتالي أصبح المرفأ من أحد المصادر المهمّة لإيرادات الحكومة، ويساهم بحوالي 90٪ من عائدات جمارك المرافئ البحّرية. وبالتالي إيجاد البدائل اليوم وإعادة إعماره والعمل به ضرورة وطنيّة ملحّة.

إدارة مؤقتة منذ عقود

تدير مرفأ بيروت اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار المرفأ، وتتضمّن رئيس المجلس والمدير العام للمرفأ الحالي المهندس حسن قريطم بالإضافة إلى أعضاء مجلس ادارة المرفأ وكبار موظفي الإدارة. وتتمتع اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت بصلاحيّات كاملة دون الخضوع لرقابة ماليّة من أي جهة أكانت ديوان المحاسبة أو التفتيش المركزي، لدرجة أنّ رئيس الجمهوريّة ميشال عون أعلن أنّ لا صلاحيّة له في التدخّل بالمرفأ عقب الانفجار.

ومرت إدارة المرفأ بالعديد من المراحل تاريخيّاً. ففي عام 1887 صدر فرمان عثماني منح بموجبه امتياز انشاء مرفأ الى شركة عثمانية تحت اسم "شركة مرفأ وارصفة وحواصل بيروت" وتبع هذا الامتياز موافقة ادارة الجمارك على منح هذه الشركة جميع الحقوق الحصرية المتعلقة بتخزين ونقل البضائع المارة عبرها"، بحسب بيانات اتحاد الموانئ العربيّة.

وفي عام 1925، أصبحت الشركة فرنسيّة الجنسيّة. وبعدها عام 1960 تمّ استرداد هذا الامتياز من الشركة الفرنسيّة إلى "شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت"اللبنانيّة. الّا أنّه في أواخر عام 1990 انتهى هذا الامتياز فشكّلت الحكومة في آذار 1993 لجنة "مؤقتة" لإدارة المرفأ عُرفت باسم "اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت".

وشكل مجلس الوزراء في جلسته في نيسان/ابريل  1997 لجنة مؤقتة جديدة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت "ريثما توضع النصوص اللازمة لهذه الغاية"على أن تقوم هذه اللجنة، تحت إشراف وزير النقل آنذاك، بمهامها "وفقا لأصول الاستثمار والأنظمة التي كانت تتبعها وتطبقها "شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت". كان يقضي المسعى بتحويل اللجنة المؤقتة الى مؤسسة عامة استناداً الى قرار ​مجلس الوزراء​الصادر في جلسته المنعقدة في ​بعبدا​ بتاريخ 22/4/1997. وللعلم، فإن اللجنة ليست مؤسسة عامة، ومرفأ بيروت غير خاضع لا لرقابة ديوان المحاسبة ولا لرقابة التفتيش المركزي.

والحال انه منذ مطلع التسعيينات، تعاقبت أربع لجان مؤقتة على إدارة واستثمار مرفأ بيروت باتت آخرها بحكم الدائمة وعينت في العام 2001. ففي هذا العام، عيّنت الحكومة لجنة مؤقتة جديدة دون "مأسسة"هذه اللجنة ووضع الأطر القانونيّة اللازمة. لم تنتهِ مدة هذه اللجنة المؤقتة قطّ بل ما زالت تدير المرفأ الذي لم يبقَ منه اليوم الّا الركام ودون الخضوع لأي رقابة أو مساءلة.

الهيكليّة الداخليّة

دفع هذا الغموض وعدم الوضوح وغياب الرقابة الذي يلفّ المرفأ البعض لوصفه بـ"مغارة علي بابا". فبعد الانفجار، تقاذف المعنيّون جميعهم المسؤوليّات حتى بات من الواضح تضارب الصلاحيّات والمسؤوليّات الذي قد تستخدمه السلطة للحؤول دون محاسبة حقيقيّة.

ويعود تقاذف المسؤوليات الى ان هناك العديد من الجهات المعنيّة بالمرفأ. ومن المفترض أن "وزارة الأشغال العامّة والنقل" مثلاً، تقع مسؤولية ادارة المرافئ في لبنان ومنها مرفأ بيروت على عاتقها، الّا أنّ المرفأ هو "إدارة مستقلّة"، وهذا ما أوضحه المدير العام للنقل البري والبحري، عبد الحفيظ القيسي، في اتصال مع "مهارات نيوز"والذي اكتفى بالقول أنّ إدارة المرفأ "هي إدارة مستقلّة تحت سلطة وصاية الوزير و"نحن كإدارة ليس لدينا أي سلطة عليهم"ولهم موازنتهم الخاصّة التي لا علاقة لها بموازنة وزارة الأشغال. أمّا النائب نجم، رئيس لجنة الأشغال النيابيّة فاعتبر أنّ الهيكليّة الإداريّة عند وزارة النقل، معبراً عن سخطه من تهرّب الجميع من المسؤوليّة.

هذا التجاذب، دفع وزير الأشغال نجّار للتحضير لعرض هيكليّة إداريّة جديدة لمرفأ بيروت على مجلس الوزراء. وكان قد صرّح سابقاً أنّه تمّ وضع دراسات لتحديد الهوية المستقبليّة للمرفأ تتمحور حول التعاون بين القطاعين العام والخاص موضحاً أنّه تمّ إعداد دفتر الشروط لفتح مناقصة جديدة لإدارة محطة الحاويات - وهي الأساس بالمرفأ - والتي تديرها شركة اتحاد محطة الحاويات في بيروت BCTC الخاصة منذ 15 سنة.

والى جانب وزارة الاشغال والنقل، ثمة صلاحيات لإدارة الجمارك اللبنانيّة. تتمثل هذه الادارة بالمدير العام للجمارك بدري ضاهر والمجلس الأعلى للجمارك برئيسها العميد أسعد طفيلي.

تداخل القوانين

الواقع، تتعدّد وتتداخل القوانين والمراسيم التي ترعى عمل المرافئ والجهات المنوطة بها:

  1. قانون الجمارك مرسوم رقم 4461 الصادر في 15/12/2000
  2. قانون التجارة البحريّة الصادر في 18/2/1947:

وينصّ هذا القانون على الأوراق والإجراءات التي يجب اتّباعها لكافة السفن. الّا أنّ هذا القانون قديم جدّاً ولا يحاكي الواقع الحالي اليوم.

  1. نظام المرافئ والموانئ اللبنانية الصادر في 26/1/1966 عن وزارة الاشغال العامة والنقل.

الايرادات المالية

لطالما شكلت ايرادات المرفأ المالية لغزاً، بالنظر الى شكوك حول تهرب جمركي وضريبي. فقد شكا في السابق النائب انطوان بانو خلال مداخلة له في مجلس النواب من أنّ 25% من واردات مرفأ بيروت تُحوّل سنوياً إلى خزينة الدولة، فيما يبقى بتصرّف اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت نسبة 75% من هذه المداخيل.

ويرى بانو أنّ التحويلات السنوية إلى خزينة الدولة لم تكن مطابقة لحركة المرفأ والمداخيل المفترض أن تكون قد حقّقتها"، متسائلا: "لماذا حصلت الدولة اللبنانية​ على مليار دولار تقريباً منذ العام 2007 من مرفأ بيروت، فيما مداخيل المرفأ السنوية بمئات ملايين الدولارات؟".

خلال سنتي 2005 و2018، نمت حمولة البضائع عبر المرفأ بمتوسط سنوي 4.6%، من 4.48 ملايين طن سنويا عام 2005 إلى متوسط 8 ملايين طن عام 2018.

وتظهر بيانات المرفأ أن إجمالي إيراداته خلال 2019 لم تتجاوز 200 مليون دولار، مقارنة مع 313 مليونا عام 2018، في حين لم تتجاوز الإيرادات 90 مليونا عام 2005. وقدرت دراسة صادرة عن المديرية العامة للدراسات والمعلومات في مجلس النواب، الإيرادات السنوية لمرفأ بيروت بنحو 240 مليون دولار يتم تحويل ما يقارب 40 مليون دولار منها إلى الخزينة العامة، في حين يتم إنفاق المبالغ المتبقية تحت بنود تشغيل وصيانة الميناء. وتحدث نواب ووزراء سابقون عن ان العائدات الموقعة في حال حصّلت الدولة كل مداخيل المرفأ، ستكون مليار و100 مليون دولار تدخل إلى الخزينة.

لكن إدارة واستثمار مرفأ بيروت، تقول انها تمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة حيث ارتفعت إيرادات المرفأ من 89 مليون دولار عام 2005 إلى 313 مليون دولار عام 2017، أي بزيادة تصاعدية سنوية بنسبة 11 في المئة بعد إنجاز مشاريع تأهيل وتوسعة وتطوير وتحديث المرفأ.

تطور الايرادات في مرفأ بيروت منذ 2005 بحسب بيانات "إدارة واستثمار مرفأ بيروت"

TAG : ,مرفأ بيروت ,إدارة المرفأ