Loading...

بين من عليه الخضوع أم لا لقانون الشراء العام ... الجميع بريء و"الحق ع القانون"

 

“خاضع أم غير خاضع"؟ هذا السؤال الذي سبّب جوابه فوضى بالنسبة لتحديد مَن مِن المؤسسات عليها الخضوع لقانون الشراء العام، من عدمه. فقد فتحت قضية تلزيم ألعاب الميسر عبر الانترنت لكازينو لبنان، الباب مجدداً على موضوع "قانون الشراء العام وثغراته"، مع الجدل القائم بشأن مدى قانونية خضوع كازينو لبنان لأحكام هذا القانون، كما شركات أخرى كالميدل ايست وغيرها. 

 

كي تخضع المؤسسات لقانون الشراء العام ، هناك شرطان اساسيان بحسب القانون ، وتحديداً الفقرة الثالثة من المادة الثانية ، المذكورة ادناه: (للاطلاع على كامل القانون اضغط هنا، وعلى موقع هيئة الشراء العام اضغط هنا)

والشرطان الاساسيان هما:

1- إن كان للدولة اللبنانية حصّة في المؤسسة.

2- إن كانت المؤسسة تعمل في بيئة احتكارية، (وهنا نقاش على تعريف كلمتين "احتكارية" و "حصرية"). 

تفسير الكلمات والعبارات المذكورة وتحديدها، خلق جوّاً من الفوضى، وأخذ وردّ، في مدى قانونية خضوع كازينو لبنان لقانون الشراء العام. البعض يعتبر أن الدولة تملك حصة فيه، ووزارة المالية تراقب الكازينو وأن إيرادات الدولة من كازينو لبنان تدخل ضمن موازنة الدولة اللبنانية. إضافة الى أن البعض أيضاً يعتبر أن شركة كازينو لبنان تعمل في بيئة احتكارية، وبالتالي، على الكازينو الخضوع لقانون الشراء العام. إلا أن أصوات أخرى كان لها رأي معاكس، وديوان المحاسبة من بينها.

 

ولأن هذا الجدل، لن يحسمه حالياً سوى ديوان المحاسبة نفسه بحسب القانون، فقد ضرب بمطرقته، وأصدر رأيه الاستشاري: كازينو لبنان لا يخضع لأحكام قانون الشراء العام خلافاً لرأي هيئة الشراء العام في هذا المجال.

 

إذاً، على ماذا استند ديوان المحاسبة في رأيه الاستشاري؟ 

 

بحسب بيان ديوان المحاسبة (للاطلاع على الرأي اضغط هنا)، من بين الأسباب التي تحول دون إخضاع الكازينو لقانون الشراء العام أن "الدولة لا تملك "مباشرة" أي سهم في شركة كازينو لبنان الذي تملك جزءاً كبيراً من اسهمه شركة انترا التي هي بدورها شركة خاصة تعمل وفق قانون التجارة البرية. كما أنّ شركة كازينو لبنان شركة مساهمة خاصة تنفق مالاً خاصاً، وهو ليس من الجهات الشارية وفق منطق قانون الشراء العام. وأشار إلى أنّه "يتبين من القانون 1995/417 أنّ شركة كازينو لبنان أعطيت حقاً حصرياً باستثمار العاب القمار".

 

أما بالنسبة للشرط الثاني، فاعتبر الديوان أنّه عملاً بقواعد التفسير القانونية فإنّه لا يجوز التوسع في تفسير موضوع الاستثمار الحصري ليشمل ما لم يتم النص عليه صراحة أو ما لم يتم إدراجه وفقاً للأصول في متن عقد الإستثمار وملحقاته.

 

هذا القرار لم يقنع الجميع، واعتبروا أن على الكازينو الخضوع لأحكام "الشراء العام". كما أن تفسير الحصرية والإحتكارية في القانون، موضع جدل ونقاش، ليس في قضية الكازينو فقط، بل عدة مؤسسات أخرى.

 

فهل علّة تحديد من يخضع لقانون الشراء العام، هي في القانون نفسه؟

 

يشرح رئيس هيئة الشراء العام الدكتور جان العليه لـ "مهارات نيوز"، أن المشكلة الأساسية في هذا القانون ثغرة وتناقض يؤدي الى تفسيرات مختلفة. ويقول: "إن هيئة الشراء العام من جهة، قدمت مطالعة لديوان المحاسبة، بحيث ما فهمته الهيئة من هذه النصوص أن كازينو لبنان خاضع لرقابة هيئة الشراء العام. ومن جهة أخرى، قرار ديوان المحاسبة بني ايضاً على أسس قانونية وتفسيرات مختلفة، اعتبرت أن الكازينو ليس خاضعاَ، وحتى أن قرار الديوان لم يكن بالإجماع". 

 

ويعتبر العلية أنه كان من المفترض على قانون الشراء العام أن يسمي الشركات التي تملك فيها الدولة ولها حصّة في الموازنة العامة.

وعن الحلّ، يؤكد العلية أن طالما المشكلة في القانون، إذا ً يجب تعديله لحسم الأمور، آملاً ازالة كل الثغرات في قانون الشراء العام، وأن يوضح المشرّع من هي الشركات الخاصة التي تتولى مرافق عامة ويريد اخضاعها. ويقول: "لم يكن ليحصل هذا الجدل القانوني لو كان النص واضحاً ومن يحسم هو التشريع الواضح والدقيق". 

 

وبالعودة لقضية كازينو لبنان، ومؤسسات أخرى، يجيب العليّة، بأن لا أحد مدان إلا من تثبت ادانته بحكم قضائي نهائي ومبرم. ولا أحد يمكن أن يقول إن كان الكازينو أو أي مؤسسة أخرى مرتكبة، الى حين وضع مسار قانوني.  ويضيف: "حتى قرار الديوان لم يذكر إن كان الكازينو قام أو لم يقم بفعل خاطئ بل اقتصر قوله بأن الكازينو لا يخضع للشراء العام. ولأننا نحترم القانون، وايماناً منا كنهج هيئة شراء عام في دولة القانون، وأنا كجان العلية، ابن ديوان المحاسبة، التزم بقراراته، فدور هيئة الشراء العام ينتهي عند هذا الحد، ونعمل على أسس موضوعية، والرأي الذي يصدر عن ديوان المحاسبة يطبّق، خاصة اذا لم يعدّل مجلس النواب القانون". 

 

ماذا تقول الآراء الأخرى؟ وهل فعلا من فرق بين حصرية واحتكارية؟

 

يوافق مدير المكتب الإقليمي للمرصد للأورومتوسطي لحقوق الإنسان، والمطلع على عدد من مداولات قانون الشراء العام، محمد المغبط، على ضرورة تعديل القانون كونه خلق إشكالية حول نطاق تطبيقه، قائلا: "من الطبيعي إعادة النظر فيه لتقييمه بعد فترة من تطبيقه كأي قانون جديد، عندما تظهر إشكاليات في التطبيق، كما هو الحال الآن".

 

ويقول لـ "مهارات نيوز" إنه من الضروري اعتماد تعداد "على سبيل المثال لا الحصر" لأشخاص ومؤسسات القانون الخاص، الخاضعة لقانون الشراء العام، وبالتالي تصبح العناصر الخاصة بالإمتياز أو الحق الحصري في قانون معيّن أو عقد، هي التي تحدد في المستقبل من ينطبق عليه قانون الشراء العام، من خلال مقارنتها مع أي من أشخاص القانون الخاص لاحقاً، تفادياً لتعديل القانون في كل مرّة تنشأ وضعية جديدة لمؤسسة جديدة.

 

بالإضافة الى ذلك، يشرح المغبط، أنه يُمكن أيضاً اعتماد تعداد واضح ، كالوارد في المادة 2 من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، التي تحدد مفهوم الإدارة، وعلى سبيل المثال، "الشركات المختلطة" أو "الشركات التي تدير مرفقاً عاماً" كي تكون مشمولة في القانون. ويعتبر أن تداخل الصلاحيات بين الجهات الرسمية يجعل عملية تحديد البيئة الاحتكارية أصعب".

 

المادة 2 من قانون حق الوصول للمعلومات
 

أما بالنسبة للتفريق بين الحصرية والامتياز والاحتكار، يشرح المغبط بأنه لا بدّ من التمييز بين ثلاث مصطلحات قانونية، وهي: الالتزام، والامتياز، والاحتكار المنصوص عنهم في المادة ٨٩ من الدستور اللبناني كإستثناء على مبدأ المنافسة المشروعة المرتبط بموجب قوانين تصدر عن مجلس النواب:

 

1. الاحتكار: يخضع للقانون الخاص ولاختصاص القضاء العدلي.

2. الامتياز: وإن كان ينطوي على احتكار إلا أنه يخضع للقانون العام ولاختصاص القضاء الاداري.

ويضيف: "هنالك عقود امتياز لا تنطوي على احتكار إذا كان يعود للإدارة إبرام أكثر من عقد امتياز يتناول الموضوع ذاته بغية إدارة المرفق العام. هنالك أيضاً امتياز له الطابع الحصري، كإدارة حصر التبغ والتنباك وكازينو لبنان بالنظر إلى وحدويّة نادي القمار إذ لا يعود للشركة إنشاء فروع لها مثلًا. وهنالك أيضاً ما يسمى بالامتياز القانوني كمؤسسة كهرباء لبنان وصندوق كتاب العدل وغيرها الذي يكون بقانون وليس بعقد".

 

هل يجرّب التشريع حظه مرة أخرى؟

صحيح أن تعديل قانون الشراء العام كان خطوة مهمة واستثنائية، وبتّ فيه بشكل سريع وسط الحاح صندوق النقد الدولي لإقراره. رغم ذلك، ومع التعلم من التجارب اللبنانية السابقة، يبدو أن القانون كان يحتاج لتفسير اضافي لمنع الدخول في جدل قانوني، إلا أن لبعض المشاركين في وضع القانون رأيهم.






تقرير من مبادرة غربال

 

في السياق، رفض النائب السابق ياسين جابر في حديث لـ "مهارات نيوز"، وهو كان ترأس اللجنة الفرعية لدراسة قانون الشراء العام، وجود ما يُسمّى بـ "الثغرات"، معتبراً بأن القانون جيّد وغيّر الواقع الذي كان قائماً في لبنان. اما في ما خص ّموضوع كازينو لبنان، اعتبر أنه بغضّ النظر إن كانت الدولة تملك أسهماً عبر شركة انترا بشكل غير مباشر، إلا أن الدولة تملك ترخيصاُ للكازينو من خلال وزارة المالية ، وتملك مراقبين من المالية، وبالتالي، قانون الشراء العام بإمكانه أن يعالج الامور القانونية، ولكن ليس بإمكانه أن يعالج الامور اللبنانية، على حدّ تعبيره، فما نحتاجه فقط هو تطبيق القانون وتوضيحه باتجاه مصلحة الدولة والمال العام. 

 

بدورها، تجيب اختصاصية الشراء في معهد باسل فليحان، رنا رزق الله، وهم كانوا من المشاركين في اقتراح القانون،  بأنه "لا نستطيع أن نتكلم عن ثغرات في قانون الشراء العام حول تحديد الجهات الخاضعة لأحكامه، اذ أن القانون قد حدد بشكل واضح ومفصل في المادة 2 منه (المذكورة سابقاً في المقال) من هي الجهات الشارية - أي الجهات الخاضعة لأحكامه.

 

واعتبرت عبر "مهارات نيوز" بأن "التحديد أعلاه في المادة القانونية، يشمل بشكل واضح كل الوزارات والمؤسسات العامة، ويذهب ابعد من ذلك ليشمل حتى الشركات الخاصة التي تملك فيها الدولة (بغض النظر عن نسبة هذه الملكية) والتي تعمل في بيئة احتكارية، أي في بيئة غير تنافسية. والسبب بسيط، اذ أن الشركات التي تملك فيها الدولة وتعمل في بيئة تنافسية (بعكس الحصرية والاحتكار) تحكم الشراء الذي تقوم به (أي هذه الشركات) مبادىء التنافس والربحية، أما تلك التي تعمل في بيئة غير تنافسية فيجب أن يحكم الشراء الذي تقوم به قواعد الحوكمة الجيدة والتنافس والشفافية والعلنية، لذلك أخضعها المشرع لأحكام قانون الشراء العام. كذلك، أخضع القانون لأحكامه الشركات الخاصة التي تدير مرفقاً عاماً، والتي عرفها البنك الدولي بالشركات التي عادة ما تكون لها هوية قانونية منفصلة عن الحكومة وهي تحصل على معظم إيراداتها من مبيعات السلع والخدمات".

 

اذاً، لكلّ رأيه، ولتفادي تكرار الجدالات القانونية، والوقوع في متاهة التفسيرات، خصوصاً في بلد مثل لبنان، بلد الاجتهادات والنكايات السياسية والمصالح الخاصة، من الضروري، عند كل تشريع، تحديد كلّ ما يلزم، لتحصين القانون، فهل نجرّب حظّنا مرة أخرى؟ 

 


مصطلحات معرّفة بحسب تقرير مبادرة غربال

 

فيديو تعريفي " لمبادرة غربال" يذكر من يطبق عليه قانون الشراء العام 

TAG : ,قانون الشراء العام ,كازينو لبنان ,احتكارية ,حصرية ,وزارة المالية ,إيرادات الدولة ,موازنة الدولة ,ديوان المحاسبة ,هيئة الشراء العام