قبل سبع سنوات، وجدت الطفلة السورية ليلى محمد نفسها مجبرة على الزواج هربًا من ظروف الحرب في بلدها، من دون أن تتوقع أنها ستصبح في العشرينات مطلقة وأمًا لطفلين، بعدما تدمّرت طفولتها وأحلامها، شأن قاصرات كثر يتزوجن بإرادتهنّ أو رغمًا عنهنّ في سن المراهقة.
وتقول ليلى اللاجئة المقيمة في مخيم صبرا وشاتيلا في حديث لموقع "مهارات نيوز": "كانت أمنية حياتي أن أُكمل تعليمي"، لكن ظروف الحرب التي شهدتها سوريا "أجبرتني على الزواج خوفًا من التعرض للخطف أو للقتل على يد تنظيم داعش".
وتضيف متحسرةً على طفولتها الضائعة "من الصعب جدًا أن تكوني أمًّا في هذا العمر، أُجبرت على تحمّل مسؤولية طفلين بمفردي من دون أي دعم من أهلي أو زوجي الذي تخلّى عني، في وقت كنت فيه أنا الطفلة التي تحتاج إلى رعاية".
تصف ليلى تجربتها مع الزواج والحمل المبكر بـ"الصعبة" و"الموجعة"، إذ سبّبت ولادتها لإبنتها البكر لها نزيفًا حادًا استدعى تدخلًا طبيًا، مضيفة "لا أنصح أي فتاة في عمري بالزواج".
وتحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة، لا تقوى ليلى على توفير كلفة رعاية طفليها بينما يحاول طليقها أخذهما منها.
وتقول "ليس سهلاً على أيّ أمّ أن تتخلّى عن ضناها برضاها، لكنني مُجبرة على الرضوخ لهذا الواقع نتيجة التهديد الذي أتعرّض له وكوني غير قادرة على تحمّل مصاريفهما في ظلّ هذا الوضع الصعب".
بحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من 650 مليون امرأة وفتاة على قيد الحياة اليوم تزوجن أو كن في زيجات غير رسمية قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة. وعالميًا، 19% من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عامًا تزوجن و/أو يعشن مع شريك قبل سن 18 عامًا.
الحرب وعوامل أخرى
تلفت ليلى مروّة، ناشطة نسوية في التجمع النسائي الديمقراطي، في تصريح لموقع "مهارات نيوز"، إلى أن تزويج القاصرات في سوريا قديم، قبل الحرب والنزوح، ولا تقتصر أسبابه فقط على الفقر وانعدام فرص التعليم أو الجهل والعادات والتقاليد.
يلعب الجانب الديني، وفق مروة، "دوره في هذا المجال ويسهّل هذا النوع من الزيجات"، لكن في المقابل يبقى السبب الأهم والأساسي لانتشار الظاهرة هو "الحفاظ على السترة والشرف بهدف الحماية من كافة أنواع الاستغلال الجنسي، الاقتصادي والاجتماعي الذي تتعرض له المرأة السورية خصوصًا بعد النزوح".
ويشكّل غياب القانون، وفق مروّة، العامل الأساسي في اتساع رقعة هذه الظاهرة. ففي سوريا ثمّة قانون يُحدد سنّ الزواج، لكنه يتضمن الكثير من الاستثناءات ولا يتم الالتزام به. وفي لبنان، لم يسلك القانون مساره التشريعي حتى إقراره، "كونه ليس لدى الدولة اللبنانية سلطة على المؤسسات الدينية في لبنان، وانطلاقًا من معضلة تبادل المصالح".
ووفق ما ورد في تقرير صادر عن منظمة اليونيسف في كانون الأول الماضي، تحت عنوان "بدايات مظاهر العنف: أطفال يكبرون في كنف أزمات لبنان"، فإن "واحدة من كل خمس فتيات سوريات بين 15 و19 سنة في لبنان متزوجة"، في وقت يستضيف لبنان، وفق السلطات، أكثر من مليوني لاجئ منذ اندلاع النزاع في سوريا المجاورة.
تداعيات سلبية
ويكون الحمل بالنسبة للفتيات الصغيرات في أحيان كثيرة بمثابة عقوبة إعدام، إذ تترتب عليه عواقب صحية واقتصادية واجتماعية تؤثر بشكل سلبي على مستقبلهن طيلة حياتهن، وقد يصل الأمر إلى حدّ فقدانهن حياتهن بسبب مضاعفات الحمل والولادة.
وتواجه الأمهات الصغيرات صعوبات أخرى بعد الولادة، إذ أن كثيرات منهن، وفق مروة، "غير قادرات على تربية أبنائهن بشكل سليم كون الأم بحاجة أصلًا إلى رعاية وتربية، ما يؤدي بالتالي إلى زيادة في ظواهر تعدّد الزوجات والطلاق".
من الناحية الطبية، توضح أخصائية الجراحة النسائية والتوليد الدكتورة مريم فرحات في حديث لموقع "مهارات نيوز" أنّ "نسبة احتمال حدوث الحمل عند القاصرات من عمر 13 إلى 20 سنة هي بحدود تسعين في المئة وهي نسبة أعلى بكثير من احتمال حدوث الحمل عند من تخطّت العشرين".
في المقابل، تزداد نسبة الخطورة على الأم الصغيرة والطفل مقارنة مع بقية الحوامل. وتشرح فرحات "قد تتعرّض لنزيف يصل إلى مرحلة الوفاة أحيانًا أو ولادة مُبكّرة أو حتى تسمّم الحمل (Preeclampsia) أو ولادة طفل مع متلازمة داون (Trisomy 21) أو مع تشوهات خلقيّة، خاصة في حالة القاصرات اللاتي يهملن المتابعة الصحية".
ولا يمرّ الزواج والحمل المبكر من دون عواقب نفسية جسيمة.
من خلال معاينتها لعدد من ضحايا الزواج المبكر، تشير رانيا مَيلع، مديرة متابعة الحالات في التجمع النسائي الديمقراطي، إلى "ما يُسبّبه من اضطرابات نفسية عميقة يصعب الشفاء منها بسهولة"، مثل الاكتئاب والقلق أو مرض ثنائي القطب.
وقد تُعاني من الوسواس القهري بسبب العلاقة الجنسية التي تُجبرعليها يوميًا، فتشعر بالخوف في كلّ مرة من أن تحمل، كون البعض منهن غير مطّلعات على وسائل الحمل ولا يُسمح للبعض الآخر بتناولها.
وتصل الأمور، وفق مَيلع، إلى درجة أن "البعض منهن يشعرن بالغيرة من أطفالهن عند الذهاب إلى المدرسة أو اللعب كونهن قد حُرمن من ذلك أنفسهن".
وتضيف إن "الآثار النفسية التي يولّدها الحمل عند الصبية المراهقة لا تزول، قد يساعد العلاج قليلًا ولكن الأثر السيء لا يزول كليًّا"، موضحة أنّ "الحمل يولّد جرحًا كبيرًا عند المراهقة ولن تنسى أنها أُجبرت على ترك منزل أهلها وأُجبرت على البقاء في منزل زوجها" لا سيما إن كان معنّفًا.
TAG : ,الأمومة المبكرة ,الفتيات ,المراهقات ,الحمل