كتبت باسكال صوما وصفاء عياد:
“أي رأي أو فكرة سياسية أطرحها، يعمد معارضوها إلى محاولة إسكاتي عبر أعضائي التناسلية، بدل أن يكون النقاش في السياسة، سرعان ما يتحوّل إلى الجنس حين تكون صاحبة الرأي امرأة”، هكذا تروي صحافية وناشطة تجربتها مع التحرّش الإلكتروني، الذي يمارسه معارضو رأيها في كل مرة.
حكاية زميلتنا مع التحرّش الإلكتروني هي حكاية كثيرات، ممن يتعرضن للترهيب أو الابتزاز أو يقعن ضحية الاحتيال والنصب إلكترونياً. يوثق هذا التقرير بعض شهادات نساء تعرّضن للتحرش الإلكتروني، على رغم وجود قوانين يفترض أن تحمي مستخدمي الفضاء الرقمي، إلا أنها وفق ما يكشفه التقرير لا تزال قاصرة وغير كافية. ووفق الأرقام، فإن العدد الأكبر من ضحايا التحرّش الإلكتروني هم من النساء.
فإلى جانب ما تتعرض له النساء في الشارع، في العمل، في المنزل، يبدو أن الفضاء الرقمي بات في السنوات الأخيرة مساحة أوسع للتحرش والتعرض لهن وانتهاك خصوصيتهن وتهديدهنّ والاحتيال عليهنّ.
لا أرقام حتى الآن حول قضايا الابتزاز الإلكتروني والتحرش لعام 2024، إنما بحسب أرقام قوى الأمن الداخلي لعام 2023، فـ407 نساء وفتيات كن ضحية الابتزاز الإلكتروني في لبنان.
بحسب غيدا عناني، مديرة جمعية “أبعاد” المعنية بقضايا النساء، 80 في المئة من نسبة التبليغات عن الابتزاز الإلكتروني لقوى الأمن الداخلي هي من النساء والفتيات، 11 في المئة منهن قاصرات، وذلك لا يشمل عام 2023 وحده.
تعتبر عناني في حديثها لـ”درج”، أن منصة “بلّغ” الإلكترونية أو مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، هي آلية جيدة للتبليغ، وفي معظم الحالات نصل إلى نتيجة في قضايا الابتزاز الإلكتروني، ويتم ضمان حماية خصوصية الضحية أو الناجية. أما في ما خص القانون، فليس هناك نص متخصص بمسألة التحرش الإلكتروني، فالقانون الموجود يتحدث عن التحرش عموماً. “القانون لا يحدد آلية واضحة لحماية الناجيات من التحرش بحيث يبقى عبء إثبات الجريمة على عاتقهن، كما لم يتم التطرق فيه إلى تفصيل أنواع التحرش التي تختلف بين التحرش بالأطفال، أو النساء، أو التحرش في أماكن العمل وغيرها”. وتشير عناني إلى ضرورة إقرار قانون متخصص بمسألة التواصل الاجتماعي الإلكتروني، والتشدد فيه أكثر”.
في غياب الحماية الحقيقية، تنصح عناني ببعض إجراءات الحماية العامة من التحرش الالكتروني، “كعدم نشر أو إرسال صور خاصّة أو مقاطع فيديو شخصية عبر تطبيقات الإنترنت، وتعزيز إعدادات الأمان والخصوصية على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تغطية الكاميرا في الكمبيوتر والهاتف المحمول، لمنع تسجيل فيديو أو أخذ صور من دون علمك”…
وفي حال التعرض للابتزاز تشدد عناني، على أهمية الاحتفاظ بكل ما يَرِدُ من المُبتزّ من صور أو فيديوهات أو رسائل…كدليل يمكن استخدامه لتثبيت وقوع الجرم عند اللزوم”، مشيرة إلى ضرورة “الإبلاغ لدى قوى الأمن الداخلي أو النيابات العامة، عن محاولات الابتزاز أو التنمّر الإلكتروني، والاستفادة من خدمة الإبلاغ عن الإساءة التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي”. أما في مسألة الأطفال والقصّر، فتشدد على ضرورة ربط حساباتهم على مواقع التواصل بحسابات الأهل لحمايتهم وإلغاء خاصية الرسائل الخاصة على حسابات الأطفال، إضافة إلى توعيتهم بمخاطر وسائل التواصل الاجتماعي”.
في البحث في مسألة التحرش الإلكتروني في لبنان، التقينا بمريم، وهي إحدى ضحايا الإبتزاز الإلكتروني، علماً أنها تفضل أن تطلق على نفسها كلمة “ناجية”.
في التفاصيل، قبل سنتين دخلت مريم عن طريق الخطأ إلى رابط أرسله لها شخص غريب عبر “فايسبوك”، وبعد دقائق بدأ يراسلها ويرسل لها صورها ويهددها بها، فقامت بحظره، لكن ما لبث أن رفع الحظر وعاد ليحدثها، بعدما اخترق حسابها وطفق يتحكم بها.
“أنشأ حساباً، نشر عليه صوراً لي من دون حجاب، كنت أرسلتها لزوجي عبر مسنجر، وبدأ يهددني بنشر جميع الصور التي حصل عليها من دون حجاب على الحساب الوهمي الذي أنشأه، في حال لم أجب على مكالمات الفيديو”.
تضيف مريم: “خفت كثيراً، فخطرت لي فكرة أن أراسل شخصاً أعرفه في السلك الأمني، فيما كان حسابي لا يزال مخترقاً، وبذلك رأى الفاعل الرسالة التي كتبتها لأحد أصحاب النفوذ، فاختفى. كنت أنوي رفع دعوى ضدّه لكنه اختفى ومحا الحساب والصور”.
وتتابع: “الألم النفسي الذي عشته في تلك الأيام القليلة لا يزال يرافقني، حين أتذكّر تنزل دموعي وأشعر وكأنني مهددة من جديد”.
“أي رأي أو فكرة سياسية أطرحها، يعمد معارضوها إلى محاولة إسكاتي عبر أعضائي التناسلية، بدل أن يكون النقاش في السياسة، سرعان ما يتحوّل إلى الجنس حين تكون صاحبة الرأي امرأة”
في دراسة أعدتها مؤسسة مهارات في عام 2025، بعنوان، “السياسات العامة الداعمة لحق النساء في الحماية من العنف الإلكتروني – المراسلات الصحافيات نموذجاً”، أشارت إلى تعرض الصحافيات المراسلات في لبنان خلال تغطية الأحداث الحربية لعنف إلكتروني بنسبة 72 في المئة وفقاً لاستبيان معلومات شمل 21 مراسلة صحافية.
ووفق الدراسة، ـ24 في المئة من المراسلات صرّحن بأن العنف الإلكتروني الذي يواجهنه أثّر على نشاطهن المهني، لا سيما القدرة على نقل المعلومات بحرية. واعتبرت 38 في المئة من المراسلات الصحافيات أنهن يواجهن نوعي العنف الإلكتروني، السياسي وذا الطابع الجنسي.
وتسبب العنف الإلكتروني بحسب الدراسة، بإرهاق جسدي لـ 19 في المئة من المراسلات، وتأثيرات نفسية لـ 67 في المئة منهن. واللافت أن 62 في المئة من المراسلات الصحافيات اللواتي شملهن الاستطلاع، قلن إنهن لسنَ على اطلاع على قوانين أو سياسات الحماية من العنف الإلكتروني، فيما اعتبرت 71 في المئة من المستطلعات أن تحديث القوانين وتحسين تطبيقها هما من الموارد الإضافية التي يحتجنها للشعور بالأمان الرقمي على الإنترنت.
ووفق 24 في المئة من المراسلات، فالحاجة ملحة لتطوير أدوات وسائل التواصل الاجتماعي لناحية الإبلاغ والحظر، علماً أن 48 في المئة منهن اعتبرن أن العنف مرتبط بمنصات محددة وأكثرها منصة X. علماً أن الكثير من هؤلاء المنتهكين يعمدون إلى إخفاء هوياتهم الحقيقية، فيما يقتبسون من كلام المراسلات خلال التغطيات، لوضعه خارج سياقه وإطلاق العنان للتعليقات المسيئة.
تتحدث المحامية ديالا شحادة، عن قانون التحرش الإلكتروني الذي أقرّ عام 2020، وهو “ينص على عقوبة الحبس في قضايا التحرش الإلكتروني بفترات تتراوح من شهر إلى أربع سنوات، وتطبق معايير ومقاييس العقوبة بتغيّر ظروف الفعل أو الجرم ، وطبيعة الرابط بين المرتكب والمُرتكب بحقها، والأدوات التي استخدمت، وعدد الأشخاص الذين ارتكبوا الجرم”. وتضيف شحادة لـ”درج”، “العقوبات الحبسية تتضاعف عند التكرار، وتبعاً لرابط التبعية للسلطة الأبوية والدينية والرسمية، وأي استغلال لموقع رسمي أو خاص، ما قد يعطي فرصة للمرتكب فيستغلها لارتكاب التحرش، فهنا تزداد العقوبة وتتضاعف، إضافة إلى وجود غرامات غرامات مالية وتعويضات تفرض”.
ترى شحادة أن “القانون خطوة ممتازة بالنسبة الى بلد لا يملك قوانين صريحة تترجم الأفعال اللفظية والجسدية للتحرش الجنسي، وفي نص القانون خصص صندوق لتأهيل لمن يسميهم ضحايا التحرش الجنسي”. مضيفة، “القانون يلغي الحصانة الوظيفية أمام الملاحقة الجزائية لأفعال التحرش الجنسي، أي عندما يكون الموظف في السلك العام، يتم طلبه إلى التحقيق من دون أخذ إذن مرؤوسيه، إذ يشدد القانون على استغلال النفوذ والمناصب”.
تتابع شحادة، “في المقابل، فالقانون صدر حديثاً أي عام 2020، في ظل أزمة اقتصادية، لذلك لا نعرف ما إذا تم تأمين الأموال اللازمة لتمويل الصندوق. ولا يمكننا معرفة عدد الأحكام التي صدرت، لكن قضايا التحرش تندرج ضمن الجرائم الأخلاقية، ولا تنشر إلا مع التكتم عن هويات الأشخاص سواء الأسماء أو ما يدل على هوياتهم”. وتتابع شحادة، “منذ صدور القانون والقضاء في معظم الوقت معطل بدءاً من جائحة كورونا، وقطع الطرقات، والإضراب القضائي وإضراب المحامين، والمساعدين القضائيين، فلا أعتقد أن أي حكم مبرم قد صدر، لكنني أعلم أن هناك الكثير من الشكاوى تقدمت”.
قوانين النساء أتت لتكريس انسجام لبنان مع التزاماته الدولية، وفق شحادة. “ففيما يخص قوانين حماية حقوق النساء من جرائم العنف المبنية على الجندر، هناك قانونان صدرا، قانون حماية المرأة من العنف وسائر أفراد الأسرة في العام 2014. وقانون الإتجار بالبشر، وعادة ما تكون قضايا التحرش الإلكتروني مرتبطة بقضايا الإتجار بالبشر، والجرائم الجنسية”.
وعن الواقع التشريعي للنساء في لبنان، تقول شحادة، “يشهد تحسناً، ولكن الواقع التشريعي يتعامل مع الأفعال والجرائم الفردية، مع سياسات تمييزية بحق المرأة. فالمرأة إلى اليوم تتعامل كمواطنة درجة ثانية لا يحق لها إعطاء الجنسية لأولادها. إضافة إلى عدم التكريس الإلزامي لمشاركة المرأة في السياسات العامة، والتمثيل في المجلس النيابية والبلدية. ولا يتم إشراكها طوعاً بالقوانين الملزمة في السياسيات العامة”.
وتشير شحادة، “إلى أن مكتب جرائم المعلوماتية هو الموكل بهذه القضايا ولديه قدرات فنية، وموارد بشرية، وهناك استجابة كبيرة في التعامل مع قضايا الابتزاز الإلكتروني ولا سيما تجاه النساء، وتجاه القاصرين/ات، ولكن الاستجابة لقضايا التحرش الجنسي لم تكن أولوية وقد تنام الشكاوى في الأدراج لفترات طويلة”.
تم إعداد هذه المادة في إطار مشروع "مساحة معلومات آمنة لتعزيز مشاركة النساء في المجال العام" بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة – لبنان – والسفارة البريطانية في بيروت. إن محتوى هذا المقال لا يعكس بالضرورة وجهات نظر هيئة الأمم المتحدة للمرأة والسفارة البريطانية في بيروت. وقد تم نشر التقرير أيضًا على موقع درج.