صحيح
في متابعة لمشروع موازنة العام 2025، إعتبر وزير المالية يوسف الخليل في تصريح له، أن مشروع الموازنة لسنة 2025 "يعتمد على تعزيز الجباية وتمكين الإلتزام الضريبي وتوسيع القاعدة والحدّ من التهرب لتعزيز الواردات والحدّ من تمادي الإقتصاد غير الشرعي".
وشرح في تصريحه أن "تعزيز الواردات يأتي من خلال تفعيل الإلتزام وليس من خلال فرض رسوم وضرائب جديدة وزيادة العبء على ذوي الدخل المحدود".
ولكن هل فعلًا تعزيز الواردات الذي تحدث عنه وزير المالية لا يرتّب زيادة أعباء على ذوي الدخل المحدود؟
أقرّ مجلس الوزراء مشروع موازنة العام 2025 بعد الأخذ ببعض ملاحظات الوزراء. كما وافق المجلس على مشروع مرسوم إعطاء تعويض مؤقت ومساعدة مالية لجميع العاملين في القطاع العام والمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي.
اللافت في الموازنة الجديدة أنها تحتوي على عجز بنحو 200 مليون دولار، إذ إن النفقات الملحوظة هي نحو 4.8 مليارات دولار، أما الإيرادات فناهزت 4.6 مليارات دولار. وبالتالي فإن معالم المشروع قائمة على تعديلات في طرق إحتساب الضرائب والرسوم من دون إستحداث ضرائب ورسوم جديدة، فضلاً عن تمويل العجز بالإقتراض من خلال إصدارات سندات الخزينة.
ويتألف مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2025 من 50 مادة قانونية بعضها يتناول أحكاما عامة مكررة في كل موازنة والبعض الاخر هو عبارة عن رسوم إضافية. وبحسب ملحق "القوس" الأسبوعي الذي تصدره جريدة الأخبار فإن الضرائب والرسوم التي تمّ رفع قيمتها بموجب مشروع الموازنة العامة للعام 2025 لا تطال ذوي الدخل المحدود، حيث تنوعت بين رسوم على نقل ملكية العقارات، تعديل رسم الطابع المالي، ورسوم خاصة على ضريبة الأملاك المبنية، الضريبة المتوجبة على الرواتب والأجور، رسم إجازة الإستيراد والتصدير وغيرها. ولكن هذا لا يعني أن الدولة قد أعفت بذلك أصحاب الدخل المحدود من الضرائب كلياً، لاسيما وأنها لم تلحظ ضرائب على قطاعات قد توفر إيرادات للخزينة تساهم في تخفيف عجز الموازنة، وبالتالي تخفيف العبء الحالي على ذوي الدخل المحدود.
وفي هذا الإطار يلفت الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، الدكتور كريم ضاهر في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، في موازنة العام 2025 لا زيادة في الضرائب وإنما هناك تعديل للرسوم المفروضة، فإذا قمنا بإحتساب نسبة الضريبة اليوم مقارنة بالعام 2019 فالنسبة لا تزال أقل. فلا طاقة للإقتصاد اليوم ليتحمل زيادة ضرائب إن كانت مباشرة أو غير مباشرة. كان سابقاً يتم غض النظر عن الضرائب المباشرة كي لا يتم إزعاج أصحاب النفوذ والهيئات الإقتصادية وغيرها وتتم زيادة الضرائب غير المباشرة والضريبة على القيمة المضافة والرسوم بطريقة يتحمل فيها عبء الضريبة الشريحة الأكبر من المواطنين، بذريعة أن الضريبة الغير مباشرة على القيمة المضافة لا يمكن التهرب منها.
واليوم لم يعد هناك إمكانية حتى لزيادة هذه الضريبة فالحكومة بحاجة إلى مداخيل لتغطية العجز الذي يبلغ حوالي 200 مليون دولار في الموازنة الجديدة، وإذا أرادوا إصدار سندات خزينة لن يقوم أحد بشرائها، كما ولا يمكنهم الدخول إلى الأسواق العالمية خصوصاً بحالة التوقف عن السداد اليوم. وبالتالي الحلّ الوحيد بالنسبة لهم اليوم زيادة الإيرادات الضريبية.
ويشرح ضاهر أنه مع فكرة وزير المالية تعزيز الواردات من خلال تفعيل الإلتزام ولكنه يتساءل في الوقت نفسه عن الخطة التي سيعتمدها الوزير، وبناءً على أي إمكانيات وما إذا كان سيتمكن من تخطي الموانع والمعوقات السياسية، والدخول على كافة المناطق التي تسيطر عليها الأحزاب السياسية أم أن هذه التدابير سيتم تطبيقها فقط على من هو ملتزم أساساً ما قد يؤدي، بالتالي إلى زيادة في ضعف المواطنية الضريبية. فلا يمكن تطبيق هذه التدابير على فئة معينة من الأشخاص الغير محميين فقط وعدم توسيع الإطار ليشمل كافة الأشخاص وخاصة المتهربين.
وأبرز مثال على ذلك وفق ضاهر، قطاع أصحاب المولدات الكهربائية الذي يُعتبر خارج التنظيم والقوننة يحصّل ما يزيد عن ملياري دولار إلى 3 مليارات دولار في السنة. وبالتالي لو قامت الدولة بتنظيم هذا القطاع وفرض ضريبة وسطية بقيمة 25% أو ما يعادل 500 مليون دولار، فإن الإيرادات الضريبية وغير الضريبية (4 مليار و600 مليون دولار) في موازنة 2025، كان يمكن أن تزداد بنسبة 10 % فقط من قطاع المولدات.
ويضيف، عند طرح أي مشروع يجب وضع خطة عملية ورصد إعتمادات لها، متساءلاً هل رصد وزير المالية إعتمادات لتقوية المكننة، هل رصد إعتمادات لتحديد المسار، هل سيقوم بتغيير آلية التبليغ، هل سيستعين بالبلديات التي يمكنها أن تكون هي القوة الضاربة ويقدم لها في المقابل حوافز.
ويخلص ضاهر إلى هذا الإجراء لا يرتّب زيادة أعباء على ذوي الدخل المحدود بل على العكس فهذه المبادرة لا تتطلّب زيادة في الضرائب ولكن الأهم هي طريقة التنفيذ، وعدم تنفيذ هذه المبادرة سيعزز التهرب الضريبي، وستكون الدولة بذلك تقدّم مبادرات فاشلة تؤدي إلى إضعاف هيبتها ومن إمكانياتها.
إذًا، الإشكالية المطروحة صحيحة، فإن تعزيز الواردات الذي تحدث عنه وزير المالية كما ورد في مشروع موازنة العام 2025، لا يرتب أعباءً إضافية على ذوي الدخل المحدود ولكن هذه الموازنة في المقابل لم تلحظ ضرائباً على قطاعات قد توفر إيرادات للخزينة تساهم في تخفيف عجز الموازنة، وبالتالي تخفيف العبء الحالي على ذوي الدخل المحدود.