Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

Fatf (1)
هل تُجنب قوانين الإصلاح المالي لبنان الإنزلاق نحو اللائحة السوداء؟
30/04/2025

أُدرج لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 2024 على اللائحة الرمادية من قبل مجموعة العمل الدولية FATF وهي هيئة دولية معنية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ويعني إدراج دولة ما في هذه اللائحة أن لديها نقاط ضعف استراتيجية في أنظمتها لضبط ومنع العمليات المالية غير المشروعة، ويؤدي هذا الإدراج الى خفض تصنيف لبنان وبالتالي الى تعقيد العلاقات والمعاملات بين المصارف اللبنانية والمصارف المراسلة والتشدد بالتدقيق بها.

يتطلب الخروج من هذه اللائحة إصلاحات جوهرية لطالما نادت بها المؤسسات المالية الدولية، وتقاعس لبنان طيلة فترة الأزمة عن إقرارها. إلا أن الخطر الأكبر في الموضوع هو أن يكون هذا التصنيف مجرد بداية يتبعها انزلاق لبنان نحو اللائحة السوداء خاصة إذا ما استمر الأداء السياسي مُشابهًا للمراحل السابقة.

وفي مداخلة له عبر قناة الجديد لفت وزير المالية ياسين جابر أن لبنان اليوم مُدرج على اللائحة الرمادية، وقد يتم وضعه على اللائحة السوداء ما لم تُقر قوانين الإصلاح المالي. كلام جابر يأتي بعد أن اختتم الوفد اللبناني برئاسته زيارة لواشنطن للقاء إدارات صندوق النقد والبنك الدولي فيما يُعرف بإجتماعات الربيع. وأكد جابر في مداخلته أن إقرار قانون هيكلة المصارف هو مطلب أساسي من صندوق النقد، وأنه من الضروري اعادة إطلاق القطاع المصرفي. 

نناقش في هذا الموضوع مدى تأثير القوانين المالية (التي أقرت أو التي يُعمل عليها) على تحسين تصنيفات لبنان، وإذا ما كانت كافية لتجنيبنا ما هو أسوأ مما نحن فيه.

فهل تُجنب قوانين الإصلاح المالي لبنان الإنزلاق نحو اللائحة السوداء؟

تُعد اللائحة السوداء وفق ما يشرح الكاتب والخبير الإقتصادي انطوان فرح أمرًا خطيرًا جدًا وهي بمثابة مُقاطعة دولية مالية وخروج عن الشبكة المالية العالمية بشكل نهائي. ويؤدي إدراج لبنان عليها إلى استحالة إجراء أيّة تحويلات مصرفية أو إتمام التعاملات مع السوق المالي العالمي، وبالتالي لا يمكن فتح اعتمادات عبر المصارف لاستيراد البضائع من الخارج  ونصبح مضطرين لإدخال البنك الدولي كوسيط وككفيل لفتح هذه الاعتمادات، وقد يشمل هذا الأمر سلعًا معينة فقط دون غيرها ما يأخذنا نحو اضطراب كبير.

من الضروري التوضيح بحسب فرح ومنعًا للتهويل أن الانتقال من اللائحة الرمادية إلى اللائحة السوداء أمرًا لا يتم بسرعة، فاللائحة الرمادية يمكن اعتبارها مرحلة تحذيرية لتصحيح الوضع وإقرار الإصلاحات وغالبًا ما تُعطى الدول فُرص إضافية قبل الإدراج النهائي على اللائحة السوداء نظرا لخطورتها، ويتم هذا الأمر عندما تتخلف الدول بعد انتهاء جميع المهل عن القيام بالإصلاحات وعندما تزيد من الثغرات والهفوات في نظامها.

" في حالة لبنان طُلب منّا عدة نقاط محددة ليتم معالجتها منها اعادة الانتظام للعمل المصرفي الذي من شأنه أن يقلص مشكلة الإقتصاد النقدي "Cash Economy". ومن المفيد التوضيح هنا أن الإقتصاد النقدي ليس أحد أسباب ادراجنا على اللائحة الرمادية (هذا خطأ شائع يتم تداوله)، فمجموعة فاتف تفهمت حالة لبنان في موضوع الاقتصاد النقدي وأنه لا يوجد قطاع مصرفي يسير بوضع طبيعي، واعتبرت أن هذا الأمر سيتغير عندما ينتظم العمل المصرفي". (طبعًا مع اعتبارها هذا الأمر نقطة ضعف). 

ويوضح فرح أن المطلوب من لبنان بحسب FATF مكافحة تبييض الأموال، ليس من خلال إقرار القوانين والآليات الاساسية التي تمنع هذا الأمر فحسب بل عبر استكمال عملية مكافحة تبييض الأموال، واعتبرت FATF أن الجهاز المصرفي ومصرف لبنان يقومون بواجباتهم عبر إجراء التحقيقات لمكافحة تبييض الأموال وإحالة الملفات الى القضاء ولكن تبين أن القضاء لا يقوم بواجبه في البت بالملفات لديه واعتبرت أنه يوجد ضغط سياسي على القضاء لكي لا يصدر الأحكام وهذه هي  النقطة الأساسية التي تحتاج المعالجة.

بدوره يوضح الكاتب في الإقتصاد السياسي الدكتور بيار الخوري أن القوانين المالية التي يتم العمل عليها وإقرارها تُعتبر بداية جيدة (طبعًا وفقًا لمدى جودتها) ولكنها ليست كافية للخروج من اللائحة الرمادية ولا تُشكل ضمانة وحدها لعدم الانزلاق الى اللائحة السوداء ولا بد أن تترافق مع أُطر تطبيقية واضحة، ويجب أن يعكس لبنان أداءً ايجابيًا لناحية "مؤشرات الأداء الرئيسية KPI" المطلوبة من FATF فالهدف ليس القوانين لذاتها بل انعكاساتها الاصلاحية مثل تنظيم العمل المصرفي ومكافحة الاقتصاد النقدي وضبط المال غير الشرعي. 

المشكلة بحسب الخوري تكمن في الصراعات السياسية التي قد تنسف أي فرصة للإصلاح وفي الكادر التنظيمي الذي من شأنه مراقبة حُسن سير هذه القوانين ومدى استقلاليته وامتلاكه الخبرات اللازمة، فضلاً عن مشكلة القضاء والبت بالقضايا والشكاوى فكيف يمكن إقناع الجهات المعنية بالتصنيف أن أداءنا يتغير دون محاسبة المرتكبين؟

لبنان بحسب الخوري أخذ فرص كثيرة ويتم مراعاته دائمًا لبعض المكانة التي يمتلكها بالنسبة للعالم ولكن عليه اليوم أن يُثبت جدية في محاولة الخروج من هذه الأزمة والقيام بالإصلاحات التي هي في الأصل حاجة داخلية قبل أن تكون مطلب دولي. 

إذًا صحيح جزئيًا أن قوانين الإصلاح المالي تُجنب لبنان الإنزلاق نحو اللائحة السوداء، فبالرغم من أهميتها كخطوة أولى إلا أن العبرة تبقى في التنفيذ وفي أن تترافق هذه القوانين مع أُطر تطبيقية واضحة تضمن تحقيق الأهداف المرجوة منها.