Loading...

القطاع الزراعي المأزوم في لبنان: توجهات جديدة في مواجهة إستراتيجيات عاجزة

 

أُهمل القطاع الزراعي في لبنان لسنوات لصالح الإقتصاد الريعي القائم على الإستيراد، ولكن مع إستفحال الأزمة المالية والإقتصادية وتراجع القدرة على تأمين الدولارات اللازمة لشراء السلع، عادت الأنظار لتتجه نحو الزراعة المحليّة لسد الفجوة الغذائية، مع بدء الملاحظة في الفترة الأخيرة توجه المزارعين لاعتماد أساليب زراعية صديقة للبيئة، أو ما يعرف بالزراعة البيئية. 

 

وتعمل العديد من المؤسسات والجمعيات على دعم المزارعين وتدريبهم حول أسس هذه الزراعة ومدى أهميتها لضمان استدامة هذا الخيار لديهم، وأن لا يكون فقط كردّة فعل على ارتفاع أسعار الأسمدة والمواد الزراعية، وقد بدأنا نراها في بعض القرى اللبنانية بشكل أكبر من قبل. والزراعة البيئية هي إجراءات وممارسات زراعية تحترم الطبيعة وتتجنب الكيماويات، وتتميز بانخفاض التكلفة.

 

 

دعم الزراعة البيئية كحل

بات التوجه للطرق الزراعية التقليدية والمستدامة ملاذا للعديد من المزارعين في الفترة الحالية، خاصة ضمن فئة الشباب، وتعمد الجمعيات لتشجيع هذا النوع من الزراعة ودعمها وشرح فوائدها فضلا عن تزويد المزارعين بالتدريبات والمعدات الأساسية للعمل.  

  

وفي السياق تقوم مؤسسة روزا لوكسمبورغ، عبر مكتبها في بيروت بتشجيع الزراعة البيئية في لبنان للوصول لمفهوم السيادة الغذائية، وهو مفهوم يؤكد على حق الأفراد والمجتمعات للسيطرة على أنظمتهم الغذائية وتحقيق الاستقلالية والعدالة الاجتماعية في إنتاج الأغذية وتوزيعها.

 

وفي مقابلة مع المؤسسة، تشرح مديرة برنامج السيادة الغذائية في لبنان سعاد عبد الله لموقع "مهارات نيوز"،أن المؤسسة تتعاون مع  مجموعة في لبنان وهي "بذورنا جذورنا" التي تعمل على الزراعة البيئية وتقوم بإنتاج بذور غير مهجّنة وتدرب مزارعين، ويتمحور العمل حول الأمور التقنية واللوجستية وهم كمنظمة يخلقون لهم الأرضية للقيام بذلك. أيضا تم تأسيس شبكة بين لبنان والعراق، وعليه يجتمع مزارعين سنويًا لمرة أو مرتين مع متخصصين بالزراعة البيئية لتدريبهم على كيفية هذه الزراعة وما هي فائدتها وكيف نستخلص البذور. 

 

وقامت المنظمة بجولة على المناطق اللبنانية  في (3،5،6،7،8) أيلول لعرض أفلام وثائقية تسلط الضوء على نماذج حيّة عن الزراعة البيئية.

 

وبحسب عبد الله، فإذا أمكن القول أن هناك شيء مفيد في الأزمة الحالية هو تأثيرها على الزراعة، فالمزارعين لم يعد لديهم القدرة على شراء المواد الكيميائية التي كانوا يشرونها في السابق حيث أنها مستوردة وأصبحت باهظة الثمن ."المزارع في السابق كان يهتم فقط بالإنتاج الكبير والبيع في السوق ولكن الآن هناك عدد كبير من المزارعين أصبح لديهم فضول للعودة للطرق الزراعية أو الفلاحة البيئية وتحسين التربة لديهم وخلق بيئية سليمة لزرعهم".

 

"نحن متفائلين جدًا بالتقّدم الحاصل في هذا المجال خاصة أن العديد من الذين قاموا بمبادرات الزراعة البيئية هم بأعمار صغيرة من شباب وشابات ويُعلق عليهم آمال كبيرة حيث باتوا يدركون أن الأرض هي مورد أساسي لا غنى عنه".

 

جهود دولية ولكن..

في بلد محاط بالأزمات من كل جهة، يعاني القطاع الزراعي اليوم من أزمات حقيقية متمثلة بارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة تصريفه بسبب إغلاق بعض الأسواق خاصة العربية منها بوجه المنتج اللبناني، ما يستدعى ضرورة التدخل لإنقاذ ما تبقى من القطاع سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى الجهات الدولية.  

 

وعليه فإن منظمة الأغذية والزراعة في لبنان للأمم المتحدة (الفاو) في قيد إعداد البرنامج القُطري الجديد لعملها في لبنان، كما تشرح ممثلة المنظمة نورة أورابح حداد في مقابلة لموقع "مهارات نيوز"، وهو عبارة عن إطار استراتيجي لتحديد الأولويات بين المنظمة ولبنان وتكمن أهمية هذا البرنامج، كونه أداة المنظمة الاستراتيجية، للتخطيط والبرمجة خاصة في ظلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمالية التي يواجهها لبنان منذ سنوات.

 

والمحاور الثلاثة التي تعمل على تحقيقها المنظمة في لبنان تكمن في:

- تطوير سلاسل القيمة للأغذية الزراعية بشكل مستدام من أجل تعزيز الأمن الغذائي، عبر الدعم العيني والتقني للمزارعين والمزارعات في سبيل تعزيز نظم الإنتاج الزراعي، وتعزيز قدرات أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة على تحسين الانتاجية .

- تشجيع الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية وتأمين بيئة صحية مؤاتية ومستدامة من أجل نظم إيكولوجية سليمة في ظلّ التغيّر المناخي.

- زيادة قدرة المعنيين في القطاع الزراعي على الصمود والتكيّف عبر دعم نظم الحماية الاجتماعية المراعية للصدمات والشاملة للمنظور الجندري والتغذوي.

 

وتؤكد حداد أن المنظمة تعمل مع الجهات المعنية من القطاع الحكومي وغير الحكومي والمجتمع الدولي لتفعيل هذا البرنامج من أجل تحويل الأنظمة الغذائية نحو المزيد من الإستدامة.

 

ولكن مع هذه الجهود المبذولة من الفاو سواءًا على المستوى المباشر أو على مستوى صنع السياسات لإستدامة الزراعة في لبنان، يمكن للناظر العادي أن يُدرك أن كل الإستراتيجيات والخطط لا تزال غير قادرة على اللحاق بواقع الأزمة العميق.
 

حلول جاهزة بانتظار التطبيق

محليًا، أطلقت وزارة الزراعة عام 2020  الإستراتيجية الوطنية للزراعة في لبنان 2020 – 2025 بدعم من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وتهدف الى تحويل النظام الزراعي والغذائي اللبناني ليصبح أكثر صمودا وشموليةً وتنافسيةً واستدامةً. ومع إنقضاء أكثر من ثلاث سنوات على الخطة ما زال القطاع الزراعي يعاني من أزمات متتالية تمنعه من أداء دوره الأساسي في توفير الأمن الغذائي الوطني.

 

وتتألف البنية الأساسية للإستراتيجية الزراعية من محاور خمسة وهي:

1- إنعاش وتحسين سبل عيش المزارعين والمنتجين وزيادة القدرة الإنتاجية

2- زيادة الإنتاج الزراعي وتعزيز الإنتاجية الزراعية

3- تعزيز كفاءة سلاسل الإنتاج الزراعي والغذائي وقدرتها التنافسية

4- تحسين التكيف مع التغيّر المناخي وإستدامة نظم الزراعة والغذاء والموارد الطبيعية

5- تعزيز الإطار التنظيمي للمؤسسات العاملة في المجال الزراعي.

 

حاول موقع "مهارات نيوز" التواصل مع وزارة الزراعة عبر الشخص المعني بالحديث عن هذا الموضوع للوقوف على أبرز ما تحقق من الأهداف المرسومة في الخطة، ولكننا لم نحصل على أي جواب حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

 

وعن الإستراتيجية  يقول رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع  ابراهيم ترشيشي "كله كلام وعناوين فخمة لا أكثر ولا أقل والله يساعد المزارع".

 

ويضيف ترشيشي، أنه لا يمكن الحديث عن أي خطة زراعية في ظل غياب الإمكانيّات، فالمختبرات لا تعمل بسبب عدم القدرة على تأمين المازوت والكهرباء لها، ووزير الزراعة يشكوا من الظروف وغياب الموظفين عن العمل، "حتى أن شهادة المنشأ الخاصة بالتصدير نعاني للحصول عليها. نحن ومنذ السنوات الثلاث الماضية لم نعد نتأمل بأي شيء من هذه الحكومات، اقتصاد البلد كله ينهار والمؤسسات العامة نحو الإغلاق".

 

ومن الحلول الضرورية لدعم القطاع ولنجاح أي خطة حكومية بحسب ترشيشي "العمل سياسيًا على فتح الأسواق التي ما زالت مغلقة أمام المنتج اللبناني وأهمها السوق السعودية، إلغاء ضريبة العبور المفروضة على الشاحنات اللبنانية من قبل الجانب السوري، استلام القمح والدخان من المزارع اللبناني بأسعار مقبولة وتشجيعية، ومعرفة مصير زراعة نبتة القنب الهندي حيث صدر قانون عن مجلس النواب عام 2020 لترخيص زراعتها وصدّقه مجلس الوزراء والى الآن لم يتم تشكيل هيئة ناظمة له لتشرف عليه".

 

عمليًا لا يمكن  فصل معاناة القطاع الزراعي عن واقع البلد المأزوم، فهو لا يغرّد خارج السرب، وبدوره ينتظر الإصلاحات الجديّة ماليَا واقتصاديَا لتحسين الوضع القائم. ولكن يمكن لظهور المبادرات الجديدة أمثال الزراعة البيئية وتوجّه المزارعين نحوها أن يشكل بارقة أمل لإستدامة فعّالة للقطاع تمكنه من لعب دوره الإقتصادي والغذائي بشكل أفضل ولو على المدى الطويل.

 

TAG : ,القطاع الزراعي ,الزراعة المحلية ,الفجوة الغذائية ,المزارعين ,البيئة ,الزراعة البيئية ,الأسمدة ,المواد الزراعية ,القرى اللبنانية ,الكيماويات