Loading...

فوضى البث في لبنان: صراع أصحاب الكابلات والقنوات في ظل غياب الدولة

"نمنا، فقنا، لقينا البث مقطوع"، هذا ما حصل مع أحد مشتركي خدمة الكابيل في منطقة الوردانية، فقد تم قطع البث لقناة mtv  والجديد، والسبب أنّ هذه القنوات طلبت من أصحاب محطات توزيع البث بدلا ماديا لقاء عملية البث.

 

وهذه ليست المرّة الأولى التي يتم قطع البث فيها عن المواطنين اللبنانيين، فما قبل الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت البلد في العام 2019، كانت القنوات المحلية تنادي بتنظيم بثّها بهدف تقاضي الأموال لقاء خدمات البث، واليوم أعيد الملف إلى الواجهة مع استمرار الأزمة الاقتصادية.

 

من هنا، أصبح وصول المواطن اللبناني إلى القنوات المحلية رهن الصراع القائم بين أصحاب الكابلات وبين القنوات المحلية التي تطالب ببدلات مادية مقابل خدمة بث محتواها، الأمر الذي يطرح العديد من الاشكاليات لناحية الوضع القانوني لأصحاب الكابلات وآليات الرقابة التي تمارس عليهم، بالإضافة إلى التحديات التي يواجهها قطاع البث في لبنان والآليات التنظيمية التي يحتاجها القطاع لضمان استمراريته ووصول المحتوى إلى المواطنين. 

 

أصحاب الكابلات: لا يحق للمحطات التلفزيونية تقاضي الأموال لقاء إعادة بثّها

في العام 2015، ومع التراجع الكبير في سوق الإعلانات والمال السياسي، بدأ رؤساء مجالس إدارة القنوات التلفزيونية اللبنانية بالسعي إلى إنشاء تحالف يواجهون من خلاله أزماتهم المالية المتفاقمة، وإحدى المطالب الأساسية كانت الدعوة لفرض بدل مادي على حقوق البثّ على أصحاب الكابلات باعتبار أن هؤلاء يدفعون للقنوات الأجنبية ولكنّهم لا يدفعون للمحطات المحليّة.

 

 من ثم أعيد الملف إلى الواجهة في العام 2018 والعام 2019 من دون التوصّل إلى أي نتيجة في ظلّ غياب لفهم عمق المشكلة التي يعاني منها قطاع البث في لبنان والتي تؤدّي إلى مشاكل تتمثّل بقطع البث من حين إلى آخر وإلى دعاوى قضائية بين المحطات التلفزيونية وأصحاب الكابلات.

 

قانونيا، يقول المحامي طوني مخايل في حديث لـ"مهارات نيوز" إنّ "البث التلفزيوني للمحطات الارضية اللبنانية من الفئتين الاولى والثانية هو مجاني وفقا لأحكام القانون البث التلفزيوني والاذاعي رقم 382 لعام 1994 الذي يوجب أن يطال البث كامل الاراضي اللبنانية ووفقا لتقنيات تمكن الجمهور من التقاطها والوصول اليها." 

 

ويخلص مخايل إلى أنّ "حق الوصول الى محتوى البث التلفزيوني للقنوات التلفزيونية المرخصة على الاراضي اللبنانية هو مجاني ما لم تكن من الفئة الثالثة المرمزة وبالتالي لا يمكن للمؤسسات التلفزيونية المحلية المرخصة او لشركات التوزيع ان تستوفي اي بدل مقابل الوصول الى محتوى برامج تلك المؤسسات".

 

وبالعودة إلى قانون البث التلفزيوني والإذاعي، تعتبر المؤسسات فئة أولى هي التي تبث البرامج المرئية بما فيها الاخبار والبرامج السياسية التي يطال بثها كل الاقضية اللبنانية، أما الفئة الثانية فهي المؤسسات التلفزيونية التي تبث البرامج المرئية باستثناء الاخبار والبرامج السياسية والتي يطال بثها كل الاقضية اللبنانية، أما الفئة الثالثة فهي المؤسسات التلفزيونية المرمزة التي لا يمكن متابعة برامجها الا من قبل مشتركين مجهزين تقنيا لهذه الغاية.

 

ويعتمد أصحاب الكابلات على هذا المبرّر القانوني في الدعاوى القضائية القائمة بينهم وبين محطتي الجديد وMTV اليوم، إذ يقول مصدر في الشبكة اللبنانية للبث لـ"مهارات نيوز" إنّ قناتي mtv والجديد  هما من الفئة الاولى بحسب الرخصة المعطاة لهما، وتقتضي رخصتهما أن يحققوا الأرباح من البرامج والدعايات، ولا يحق لهم تقاضي الأموال من أصحاب الكابلات فهم موجودون بشكل مجاني على العرب سات".

 

يذكر أنّ الشبكة اللبنانية للبث تعرّف عن نفسها أنها شبكة لبنانية تمثّل عددا كبيرا من مشغلي الكابلات في جميع أنحاء الأراضي اللبنانية، حيث تبث جميعها قنوات أرضية ودولية على منصاتها.

 

اتفاقية جنيف للبث: تطبيقها يكسر احتكار الإعلام وينهي عمل أصحاب الكابلات

في مقابل الشق القانوني المتعلّق بالتراخيص المعطاة للمحطات المحليّة والتي تفرض وصول البث بشكل مجاني إلى كل المناطق اللبنانية، تعاني المحطات التلفزيونية المحليّة العديد من المشاكل الماديّة التي نتجت بفعل تراجع السوق الإعلاني، ويعاني قطاع البث بشكل عام من العديد من التحديات.

 

هنا لا بد من الاشارة إلى أن لبنان والمؤسسات الإعلامية والتلفزيونية التزمت بالموجبات الملقاة على عاتقها وفق أحكام الاتفاق الإقليمي  للمنطقة الاذاعية الاوروبية (ستوكهولم 1961) والمنقح خلال المؤتمر الإقليمي للاتصالات الراديوية (جنيف 2006) والتي انضم اليها لبنان في  2007  بإنتقال جميع وسائل الإعلام الى البث الرقمي بدل البث التماثلي أي الأرضي بحدود عام 2015 

 

انّ البث الرقمي يختلف عن البث الأرضي(عبر الأنتينات) وعن البث الفضائي (عبر الستالايت) والذي تعتمده أغلب المحطات الاعلامية المحليّة، إذ إن البث الرقمي هو البث الذي يمكن التقاطه عبر شبكة الانترنت من دون الحاجة إلى كابلات أرضية. 

 

في هذا السياق، تشرح المحامية المتخصّصة في شؤون الإعلام مايا حبلي في مقابلة لـ"مهارات نيوز" أنّ "توقيع لبنان على اتفاقية جنيف في العام 2006، فرض عليه التوقف عن البث الأرضي بحلول العام 2015 لما له من تأثيرات خطيرة على البيئة والصحّة، وأن نقوم بخلق منصّة رقميّة للبث الرقمي (digital platform) والتي تستوعب عددا هائل من القنوات وتتيح للمواطن التقاط الإشارة عبر الانترنت".

 

وتضيف حبلي في توصيفها للمشكلة أنّ "المشكلة في لبنان لناحية المحطات التلفزيونية هي التراخيص المعطاة بشكل تحاصصي وبالتالي احتكار للمشهد الإعلامي، وهذا ما تنهيه فكرة المنصّة الرقمية إذ يستطيع بذلك كل من يملك القدرات المادية واللوجستية أن يبثّ عبر المنصّة بالإضافة إلى القدرة على استقطاب القنوات الأجنبية".

 

بالإضافة إلى كسر الاحتكار، يساهم الانتقال إلى البث الرقمي عبر منصّة رقمية وطنية بتحسين جودة الصورة والصوت في البث التلفزيوني، ويزيد من عدد القنوات التلفزيونية المتاحة بالإضافة إلى توفير الطاقة كون البث الرقمي أكثر كفاءة من البث الأرضي، وكانت قد نشرت مؤسسة مهارات عدّة تحقيقات حول فوائد الانتقال الى البث الرقمي، والتحديات التي تواجه الملف.

 

من ناحية أخرى، وكنتيجة للانتقال الرقمي وفتح الشبكة أمام كل المحطات لنقل محتواها عبر الانترنت، تقول حبلي إنّه "وبالانتقال الرقمي لا حاجة لأصحاب الكابلات ولا حاجة للكابلات الممدودة إلى المنازل، إذ تكون المنصة الرقمية مملوكة من الدولة لتستفيد بذلك الدولة وأصحاب المحطات الإعلامية من العائدات المالية نتيجة الاشتراكات بدلا من أن يستفيد موزعو الكابل التابعين لأحزاب سياسية".

 

الانتقال إلى البث الرقمي: غياب تشريعي يحرم الدولة والمؤسسات الإعلامية من الأرباح

بهدف الالتزام بما نصّت عليه اتفاقية جنيف، تم إصدار قرار رقم 293 تاريخ  10/05/2013، والذي يقضي بتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ الخطة الوطنية للانتقال من البث التماثلي الى البث الرقمي والتي تتولّى تنفيذ وإدارة الانتقال إلى البث الرقمي، لكن إلى اليوم لا تنفيذ لما تم الالتزام به في اتفاقية جنيف. 

 

وفي هذا السياق، تشير حبلي إلى أن "الانتقال الى نظام البث الرقمي يوجب على الدولة أن تقرّ قانون المنصّة الرقميّة، ومع تعاقب الحكومات، كان هناك جهات داعمة لهذا الاقتراح، لكن دائما كان مشروع القانون يعلق في مجلس النواب وذلك بسبب المحاصصة السياسية بالنسبة للقنوات الاعلامية المحلية، بالتالي عدم الرغبة في كسر هذا الاحتكار للمشهد الإعلامي في لبنان". 

 

في المقابل، يعتبر الانتقال إلى البث الرقمي عبر منصّة رقميّة وطنية أحد الحلول الواقعية للأزمة المالية التي تعاني منها المحطات الإعلامية المحليّة، إذ تشرح حبلي أنّ "في حال إقرار  المنصّة الرقمية في لبنان تستطيع المحطات أن تنوجد على هذه المنصّة وبالتالي تحصّل الدولة عائدات مالية من الاشتراكات، وتحصّل أيضا المحطات الاعلامية عائدات مالية". 

 

ومثالا على ذلك، القنوات الوطنية مثل mtv والجديد متاحة في دبي على "اتصالات"، ولمشاهدتها يجب دفع مبلغ وقدره 10 درهم شهريا، وهو ما يمكن تطبيقه في لبنان، لكن المشكلة الأساسية هي بغياب القوانين وغياب هيئة لتنظيم البث الرقمي وبالتالي حرمان الدولة من ايرادات عالية وفي نفس الوقت حرمان المحطات المحلية من الاستفادة من المحتوى التي تبثه، لذا فإقرار قانون المنصة الرقميّة هو العنصر الأساسي لتنشيط مجال البث والإعلام، على حدّ تعبير حبلي.

 

أصحاب الكابلات: نتيجة للفوضى وعملهم غير شرعي 

في ظلّ غياب الأطر التشريعية المنظّمة لقطاع البث لاسيما الرقمي والالتزام باتفاقية جنيف عبر الانتقال إلى البث الرقمي، يسطع نجم أصحاب الكابلات الذين يبثّون القنوات المشفّرة الأجنبية إلى المواطنين (bein sports, mbc…) عبر اتفاقات مع هذه الشركات ومن ثم يتقاضون ثمن هذه الإشتراكات من المواطنين، وهو ما دفع القنوات المحلية لمطالبة أصحاب الكابلات ببدل مادي مقابل بثّ محتواهم.

وقد اعترض أصحاب الكابلات على هذا الأمر معتبرين أنه "تشبيح"، إذ يتساءل صاحب أحد الكابلات "لماذا يطالبوننا بالأموال وهم موجودون بشكل مجاني على العرب سات؟".

 

من هنا، تدور الكثير من الاشكاليات والأسئلة حول عمل أصحاب الكابلات وقانونيته وعلاقتهم القانونية بأصحاب المحطات التلفزيونية، هنا تقول المحامية المتخصّصة في شؤون الإعلام مايا حبلي إنّ "واقع الحال اليوم، أن القوى السياسية أنشأت محطات الكابل الأرضية التي توزّع البث على المناطق، وتم التحاصص سياسيا أي كل منطقة لديها موزّع كابل تابع لجهة سياسية معيّنة".

 

أما عن قانونية عمل أصحاب الكابلات، فتؤكّد حبلي أنّ "عملهم غير شرعي، وهم يحققون عائدات مالية كبيرة جدا نسبة لعدد المشتركين الكبير وهذه المبالغ المالية يتم تقسيمها في نفس النمط التحاصصي الزبائني الذي يسير فيه البلد، لذا لا يسمحون بالمساس بأصحاب الكابلات في الوقت الذي من المفترض أن تكون هذه العائدات المالية للدولة وللمحطات الإعلامية التي تبث محتواها".

 

ويقول المحامي طوني مخايل إنّه "في ظل غياب الهيئة الناظمة للاتصالات وعدم وجود قوانين تنظّم مسألة البث الرقمي وآلياته والأجهزة المختصة بتنفيذه وادارته، تحوّل قطاع أصحاب الكابلات إلى أمر واقع يعمل بشكل غير منظّم، ولكن من واجبات الدولة اللبنانية أن تضع يدها على هذا الملف لناحية تطوير قوانين الاتصالات والبث الرقمي الأرضي في لبنان بالتوازي مع اقتراح قانون الإعلام الجديد والذي ينص على انشاء الهيئة الوطنية للإعلام التي تملك دور تنظيمي بالاشتراك مع الهيئة الناظمة للاتصالات".

 

إذا، في ظلّ غياب الأطر التشريعية والتنظيمية لقطاع البث في لبنان، يظهر أصحاب الكابلات كقطاع غير شرعي يعمل على بث المحتوى من دون أي أطر قانونية ورقابية، وتعمّ الفوضى هذا القطاع الذي يجب على لبنان تنظيمه عبر البدء بتطبيق الانتقال الرقمي التزاما بما نصّت عليه اتفاقية جنيف. 

هنا تختم حبلي بأنّ "أساس الاحتكار من أصحاب الكايبل غير الشرعيين هو بسبب أولا، غياب البنية التحتية الرقمية التابعة للدولة، ثانيا ضعف التشريعات المنظمة لقطاع البث الرقمي، ثالثا النفوذ الاقتصادي لموزعي الكايبل في لبنان بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية الفعلية للإنتقال إلى البث الرقمي الشامل في لبنان، فهذا يحتاج إلى جهود سياسية وأن تنسى السلطة السياسية منطق المحاصصة والتفكير بمنطق الدولة وحوكمة المؤسسات".


 

TAG : ,قطاع البث ,اصحاب الكابلات ,التلفزيون ,المحطات التلفزيونية ,البث الرقمي ,المنصّة الرقمية ,البث الارضي ,البث الفضائي