Loading...

العاملات المهاجرات في لبنان: ممنوعات حتّى من الحياة

 

لا تتردد العاملة الأجنبية روزي في التعبير عن حزنها اضطرارها قبل عامين إلى ترك بلدها الفيليبين والمجيء إلى لبنان من أجل تأمين قوتها اليومي، إذ وجدت نفسها أسيرة منزل مخدوميها وطلبات كثيرة.

 

وتقول الشابة التي تحفّظت عن ذكر اسمها الحقيقي لموقع "مهارات نيوز" :"جئت إلى هنا للعمل بعدما تركت دراستي. كان حلمي أن ارتياد الجامعة لكن ظروف الحياة دفعتني للهجرة كغيري من العاملات اللواتي يلجأن للعمل خارج بلادهن وجمع المال".

 

وتضيف: "معاملة سيدة المنزل لا بأس بها نوعاً ما، لكنّها عصبية جداً وطلباتها كثيرة جداً، ولا تسمح لي بالخروج وحدي". 

 

العام الماضي، حين سافرت ربة المنزل التي تعمل لديها لمدة ثلاثة أشهر، وجدت نفسها تعمل لدى أقربائها الذين أساءوا معاملتها وفرضوا عليها متى تنام وماذا تأكل. تقول إنها لم تعترض لأنه "لا حقّ لي بالاعتراض، ولم تطلب مني أساساً موافقتي لأن القرار عائد لها".

 

وتروي عن تعرّضها "لسوء معاملة من قبل أقربائها، رغم أن لديهم عاملة في المنزل". وتوضح "كانوا لا يسمحون لي بالنوم لوقت كافٍ.. منعوني من أن أتناول الطعام الذي أحبّه. اقتصرت وجباتي على نوعين من الجبنة واللبنة" لافتة الى أنها خسرت حوالى عشرة كيلوغرامات من وزنها خلال ثلاثة أشهر.

 

لدى عودة ربة المنزل من سفرها، أبلغتها روزي برغبتها العودة الى وطنها، لكنها لم تسمح لها تنفيذاً عقد العمل الموقع بينهما لمدة ثلاث سنوات". إلا أنها انتزعت وعداً منها بأنها لن تضعها في عهدة أي من أقاربها عند سفرها مجدداً.

 

ولا تقوى روزي على تخطي شعور المرارة الذي تعبّر عنه بالقول "قد تكون قصتي واحدة من بين آلاف قصص العاملات المهاجرات اللواتي يتعرضن للأذى بشكل يومي، لكنّ مبدأ الإعارة دفعني للشعور بأن أصحاب المنازل التي تعمل لديها يعتبروننا بمثابة بضاعة يتم إمتلاكها ويمكنهم التحكم بنا كما يحلو لهم".

 

تحرّش داخل المنزل وخارجه

في دراسة أعدّها معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأميركية بالتعاون مع منظمة إيغاد ليغنى بيسيدية للدفاع عن حقوق المهاجرات، بناء على استطلاع شمل 913 عاملة منزلية في لبنان، تبيّن أن ثلثي العاملات المهاجرات في لبنان أي ما يعادل 68% منهن قد تعرضن للتحرش لمرة واحدة على الأقل.

 

وأخذ التحرّش أشكالاً متعددة منها "التحديق غير المريح، وسماع كلمات إيحائية جنسياً، واللمس، والتقبيل عنوة، وتلقي الرسائل الجنسبة بشكل مباشر، وصولاً إلى الاغتصاب والاعتداء الجنسي.

 

وأكدت سبعون في المئة من العاملات اللواتي شملتهنّ الدراسة، أن عمليات التحرش جرت داخل منزل مخدوميهم وأقدم عليها أصحاب المنزل الذكور. وقالت حوالى 40% من العاملات إن أقارب أصحاب العمل أو أصدقائهم هم من مارسوا التحرش بحقهن. وذكرت 25 إلى 30% من العاملات أن ربات المنزل هن من يتحرشن بهن.

 

خارج المنزل، أفادت 65% من العاملات أنهن تعرضنّ لتحرّش من سائقي سيارات الأجرة، بينما قالت 15% إنّ مصدر التحرش رجال شرطة.

 

ولم تُقدِم أكثر من 25% من العاملات اللواتي شملتهن الدراسة على اتخاذ إجراءات أو تقديم بلاغات ضد المعتدين، أو طلب المساعدة من سفارة بلادهن، أو اللجوء إلى مجموعات دعم العاملات الأجانب، أو تقديم شكوى لمكتب استقدامهم، أو على الهروب من مكان العمل.

 

نظام الكفالة

قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية في لبنان، قارب عدد العاملات في الخدمة المنزلية 186 ألف إمرأة يحملن تصاريح عمل. وغادر عدد منهن تدريجياً على وقع الانهيار الاقتصادي وعدم قدرة عائلات على دفع رواتبهم بالدولار.

 

ويشكل استمرار العمل بنظام الكفالة سبباً رئيسياً في الظلم الذي تتعرض له العاملات المهاجرات في ظل غياب قوانين توفر لهن الحماية. يمنح القانون وفق منظمات حقوقية أرباب العمل "سيطرة شبه كاملة" على حياة عشرات الآلاف من العاملات، ممن يتعرضن لأسوأ أشكال الاستغلال وسوء المعاملة.

 

لا يضمن قانون العمل اللبناني أي حقوق العاملات اللواتي قد يعملن لساعات طويلة ويُحرمن من الحصول على إجازة أسبوعية أو جر إضافي مقابل ساعات العمل.

 

وتقول باحثة لبنان لدى منظمة هيومن رايتس ووتش آية مجذوب لموقع "مهارات نيوز"، "من خلال متابعتنا لوضع العاملات الأجانب في لبنان، وصلنا إلى اشكاليتين أساسيتين، تتعلّق الأولى لرفض التعديل الذي نطرحه باستمرار ويتضمن إلغاء نظام الكفالة أو تغيير بنود فيه، أهمها زيادة الحماية".

 

وكانت وزيرة العمل السابقة لميا يمين أصدرت قرارين يقضيان باعتماد عقد عمل موحد والحدّ من نسبة الاستقطاع المسموح بها لصاحب العمل من راتب العاملة والذي يصل إلى ثلاثين في المئة. لكنّ مجلس شورى الدولة، أعلى محكمة إدارية في البلاد، أوقف تنفيذ العقد بناء على استئناف قدمته شركات استقدام العاملات.

 

وترى مجذوب "أعطى مجلس شورى الدولة الأولوية لأصحاب المصالح التجارية على حساب العاملات والإنسانية"، لافتة الى أن القطاع يدر ملايين الدولارات سنوياً، ويعتبره المعنيين قطاعاً مربحاً ويخشون أن يؤثر تغيير القوانين على مصادر الأرباح.

 

وتتعلّق الإشكالية الثانية بعدم وجود استمرارية في عمل الوزارات. وتشرح مجذوب "نضطر إلى رفع التعديل على القانون مع كل وزير يحضر إلى الوزارة، ونحن نعلم أنه في لبنان كلما تسلّم وزير مهامه  يحضر معه فريق عمل خاص".

 

وتضيف "نضطرّ في ظل هذا الواقع إلى البدء من جديد مع تشكيل كل وزارة والعودة إلى نقطة الصفر، الأمر الذي يؤثر على قدرتنا على إحداث فرق فعلي".

 

بخلاف دول عربية عدّة بادرت إلى اتخاذ مبادرات للحدّ من الانتهاكات التي تلحق بالعمال الأجانب، ورغم كل الجهود التي يبذلها المجتمع المدني في لبنان مع الجهات الرسمية المعنيّة، لم يحصل أي تقدّم في ما يتعلّق بنظام الكفالة أو أي تعديل ينصف العمال المهاجرين أو يمنحهم جزءاً من حقوقهم.

 

وساهم الوضع الاقتصادي المتردي منذ ثلاث سنوات في مفاقمة وضع العاملات في الخدمة المنزلية سوءاً، بعدما استغنت عائلات كثيرة عن العاملات ووضعتهم أمام أبواب السفارات، من دون نقود أو جوازات سفر أو أي مقتنيات شخصية، في خطوة غير قانونية. وامتنعت عائلات كذلك عن دفع رواتبهن. ودفع هذا الواقع  عاملات إلى بالهرب أو محاولة الانتحار هرباً من الواقع الذي يعشنه.

 

وتقول مجذوب "العاملات الأجنبيات سجينات في لبنان، لا خصوصية لهن ويتعرضن  للتحرش، ولا يلجأن إلى القوى الأمنية خوفاً من توقيف واتهامهم بالسرقة، عدا عن أنّ القضاء اللبناني لا يحميهن من الانتهاكات، ولا يعتبر الانتهاكات التي ترتكب بحقهم جرائم".

 

TAG : ,العاملات المهاجرات ,العاملة الأجنبية ,ربة المنزل ,العاملات الأجنبيات ,حقوق المهاجرات ,الخدمة المنزلية ,حقوق العاملات