Loading...
false

غير صحيح

عتمة
لا عتمة شاملة في لبنان: الكهرباء رهينة المصالح الضيقة
27/05/2021

 

يهدّد وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر بالعتمة الشاملة، ويصدر مواعيد توقيف معامل إنتاج الكهرباء بين مؤتمرٍ صحفيٍ وآخر، وكأن المواطن اللبناني يهنأ بكهرباء 24/24. 

وأتى آخر تهديد في اجتماعٍ أجري بين وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني ووزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر ورئيس لجنة الأشغال النائب نزيه نجم ومدير مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، وبعد إعلان تقديم نواب القوات طعناً بقانون سلفة كهرباء لبنان لعام 2021 إلى المجلس الدستوري.

إذًا ما هو مصير قانون سلفة الكهرباء؟ وهل سيقع لبنان فعلًا في العتمة الشاملة أم هناك حلول يمكن العمل بها لتجنّب الكارثة؟ 

علّق المجلس الدستوري العمل بالقانون إلى حين دراسة الطعن وإصدار القرار. ولكن على ما يبدو، فإن المجلس غير قادر على أخذ قرار جراء عدم اكتمال النصاب بسبب وفاة ثلاثة من أعضائه العشرة هم القضاة الياس بو عيد وعبدالله الشامي وأنطوان بريدي، من دون تعيين بدلاء عنهم.

ليس من المستحيل إبقاء قانون سلفة الكهرباء معلقًا إلى حين تعيين بدائل عن الأعضاء المتوفيين، كون التقرير الذي من المنتظر أن يقدمه المجلس الدستوري لم يصدر بعد. ويشرح المحامي الدكتور عصام إسماعيل لـ"مهارات نيوز" أنه على المجلس الدستوري أن يكون جريئًا ويرفض تمرير الطعن ويبقي الدعوى عالقة إلى حين تعيين قضاة جدد.

ويوضح إسماعيل "برأيي الشخصي اعتبار عدم اكتمال النصاب بسبب وفاة عدد من الأعضاء ليس عذرًا لجعل القانون نافذًا، فعلى المجلس الدستوري الإعلان عن الشغور ليبدأ مجلس النواب بتلقي الترشيحات لعضوية المجلس وتعيين البدائل".

إلا أن رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب لم يبد أي تفاؤل. وقال لـ"مهارات نيوز" إن الطعن سيسقط والقانون سيصبح ساريًا بعد 26 أيار، لأنه وفق المادة 37 من النظام الداخلي للمجلس "إذا لم يصدر القرار ضمن المهلة القانونية (15 يومًا) يكون النص المطعون فيه ساري المفعول وينظّم محضراً بالوقائع، ويبلغ رئيس المجلس المراجع المختصة عدم التوصل إلى قرار".

ومن المقرر أن يعلن المجلس الدستوري اليوم، وفق مشلب، عن الشغور ويبدأ تلقي الترشيحات لمدة عشرة أيام، لكنه يقرّ في الوقت ذاته "لا أعتقد أن معجزةً ستحصل، وسيتم تعيين بدائل خلال الأيام الخمسة  المتبقية من المهلة القانونية. أما في حال قرر مجلس النواب الإعلان عن تعيين قضاة فور انتهاء مهلة الترشح فمن الممكن أن تتم دراسة الطعن، لكن المهل قصيرة جدًا". 

وقدّم نواب "القوات" الطعن، منطلقين من أن أموال السلفة ستؤمن من أموال المودعين في مصرف لبنان، الذي نضبت موارده على وقع الأزمة الاقتصادية المتمادية. ويقول المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه غسّان بيضون لـ"مهارات نيوز"، إن الطعن "لم يكن في محله من الأساس"، انطلاقاً من أن القانون الذي أقرّه البرلمان، يحدد كيفية التصرف بالسلفة ومبلغها بالليرة اللبنانية، ولم يحدد من أين سيؤمن هذا المبلغ لأن تأمينه يرتبط بآلية تدبير الخزينة للمال. 

 

وإذا كان من الواضح أن الطعن سينام في أدراج المجلس الدستوري، فهل سيكون مصير اللبنانيين الغرق قريباً في عتمةٍ شاملة؟ 

 

يرى بيضون أنّ ما يعلنه غجر بين الحين والآخر عن وقف إنتاج الكهرباء ليس إلا محض ابتزازٍ وترهيب، وما يقال عن إغراق لبنان في الظلام ليس له أي أساس، معتبراً أنّ اللجوء إلى سياسة الابتزاز والتهديد بقطع الكهرباء في حال عدم تأمين الأموال ناجمٌ بالدرجة الأولى عن سوء إدارة واستغلال سياسي ومادي ومعنوي، بحسب بيضون.

ويوضح "نحن متجهون إلى أزمة لا شك أنها ستؤدي إلى المزيد من التقنين وليس إلى العتمة، وهناك حلول سريعة ومنطقية يمكن السير بها للخروج من الأزمة"، داعياً غجر الى  التحرر من الفكر الذي يسيطر عليه وعلى مؤسسة كهرباء لبنان والتحرر من تحكم وزارة الطاقة بها، كي تبدأ بدورها في المساهمة بقسم من تكلفة المحروقات عبر رفع الإيرادات وخفض النفقات".

ويعدّد بيضون سلسلة إجراءات ينبغي المبادرة إلى اتخاذها:

أولًا، إعلام  مؤسسة كهرباء لبنان عن خطة مستعجلة للإسراع في إصدار وتحصيل الفواتير المتأخرة منذ سنتين، والتي بلغت قيمتها 1000 مليار ليرة لبنانية أي ثلاثة أضعاف السلفة ما يساوي 600 مليون دولار، وبهذا المبلغ يمكنهم تأمين نصف كلفة المحروقات. 

ثانيًا، رفع تعرفة الكهرباء بطريقة عادلة، لا ترتكز على المستهلكين الصغار، أي على الشكل التالي: 

 

الاستهلاك بالكيلو واط 

الزيادة 

أكثر من 300

100 ليرة 

بين 400 - 800 

150 ليرة 

أكثر من 800

200 ليرة 

 

إذًا تكون الزيادة تصاعدية، ما سيؤدي إلى خفض الاستهلاك، وبالتالي ينخفض الطلب على الكهرباء ويتراجع إنتاج الكهرباء، وهو ما سيسمح نسبياً بتأمين التغذية بشكلٍ أفضل. إضافةً إلى ذلك، يجب تعديل المقطوعية على التأمين، التي لا تزال عشر  ليرات منذ الستينيات.

ثالثًا، احتساب مستحقات كهرباء لبنان المتوجبة على الموازنة العامة من إدارات الدولة والبلديات والمؤسسات والمرافق العامة والمنظمات، والمطالبة بها إما عبر تسديدها أو التعويض عنها من خلال مصادر أخرى، فكل هذه الخطوات تصب في مصلحة رفع إيرادات المؤسسة.

 

أما من جهة خفض النفقات، يترتب على مؤسسة كهرباء لبنان، وفق بيضون، التركيز على نفقاتها بالليرة اللبنانية وتقليص أعبائها بالدولار، عبر تخفيض الإنفاق على عقود التشغيل والصيانة ومقدمي الخدمات. 

لهذا، يتوجب على المؤسسة أن تعتمد على مستخدميها ومهندسيها، أما العاملين مع شركة التشغيل عليهم أن يصبحوا تابعين للمؤسسة كي يتقاضوا رواتبهم بالليرة اللبنانية بدلًا من الدولار. وتبقي فقط على أربعة إلى خمسة مهندسين من قبل شركة سيمنز التي شاركت في عملية بناء المعامل التي يتم تشغيلها. 

ويشكل مقدمو الخدمات أيضًا عبئًا  كبيرًا على المؤسسة، لهذا يجب الاعتماد على مديريات التوزيع والمستخدمين لديها للقيام بعملية توزيع الكهرباء وتصليح الشبكة وإصدار الفواتير وجبايتها لاحقًا. 

ولا يجب التغاضي كذلك عن رواتب المستخدمين العالية نسبيًا، بعد حصولهم عام 2012 على علاوة استثنائية لقاء ساعات عمل إضافية، لكن المؤسسة لا تستفيد من قدراتهم وما زالوا يتقاضون هذا البدل من دون أن يقوموا بأي عمل إضافي، حتّى أنّهم لا يحضرون إلى أماكن عملهم. 

وما لم يتمكن المجلس الدستوري من وقف العمل بسلفة الكهرباء، وأصبح بالتالي ساريًا بعد انتهاء المهلة القانونية، ثمّة مشكلةٌ أخرى أخطر بانتظار اللبنانيين، إذ خسر لبنان ما يقارب ربع إمداداته من الكهرباء إثر إعلان شركة  "كاربايورشب" التركية الجمعة وقف توليد الطاقة، لتكون آخر ضربة يشهدها البلد الذي يعيش أزمات عديدة ويغرق أساسا في الظلام لساعات طويلة.  

وأعلنت الشركة أنه لم يعد لديها خيار آخر سوى وقف عمليات الإنتاج بسبب التأخر لشهور عن سداد دفعات مستحقة وصلت قيمتها إلى ما يقارب 200 مليون دولار وتهديد النائب العام المالي بحجزهما، ما هو منافٍ للعقد الذي يحذر من استملاك أو مصادرة أو حجز أي جزء من الشركة.

ويتوجه لبنان خطوةً تلو الأخرى نحو العتمة في حال لم يستفيق المعنيون وتتشكل حكومة في أسرع وقت ممكن، تبدأ بالعمل على الحلول المتوفرة لانتشال البلد من أزمةٍ لن تقع إلاّ على كاهل المواطنين، الذين يعانون المزيد من التقنين والإذلال من أصحاب المولدات الخاصة.