Loading...

ردم ما بعد الحرب... الأخطار البيئية من حولنا

 

مضى أكثر من شهر على "توقف الحرب في لبنان" ومازلنا نرى ردم الأبنية ودمارها على الطرقات وفي الأحياء من دون أن يفهم المواطن حقًا ما مصيرها حتى الآن، فالكثير من المخاوف تتردد في الأجواء، وخرجت الكثير من الأصوات مؤخرًا في لبنان تُطالب بضرورة التعامل مع هذه الردميات والنفايات بطريقة صديقة للبيئة، وتجنب الأضرار السلبية الهائلة التي قد تنتج من سوء الاستخدام. 

 

بات المواطنون اليوم يشعرون وكأنهم مغروسون في فقاعة تلوث وأمراضٍ مسرطنة لا يعرفون حدودها. وسط مصير مجهول لهذه الأطنان من المخلفات أهو الإلقاء في البحر؟ أو الرمي العشوائي؟

 

وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر2024 فإن قطاع الإسكان هو الأكثر تضررًا جراء الحرب، فقد تضرر نحو 100 ألف وحدة سكنية جزئيًا أو كليًا، وبلغت الأضرار والخسائر في القطاع 3.2 مليار دولار. ويعتمد التقييم الأولي للأضرار والخسائر في لبنان على مصادر بيانات عن بعد وتحليلات لتقييم الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية في سبعة قطاعات رئيسية. ويُغطي تقييم الأضرار المحافظات الست الأكثر تأثرًا. 

 

الردميات عدو جديد للبيئة والإنسان 

ينتج عن الحروب عادةً الكثير من الأضرار البيئية بسبب استخدام الأسلحة الثقيلة والقذائف الخطرة، وشهد لبنان وعلى مدى أكثر من عام التعرض للعديد من الملوثات والمواد الخطرة (كالفوسفور الأبيض) التي فتكت بكل شيء ومنها بالطبع الأبنية المتضررة والمهدمة، والتي تشكل خطرًا بيئيًا وتلوثا كبيرًا سواءً في مكانها أو في عملية معالجتها والتعامل معها لاحقا، حال لم يتم هذا الأمر وفق الشروط البيئية السليمة. 

 

أصدر وزير البيئة ناصر ياسين بيانًا أكد فيه بأن هذا الردم يجب نقله إلى مراكز مخصصة وهي المقالع الموزعة في المناطق، واقترح أن تكون الأولوية لتلك المتواجدة على أملاك عامة. وفي آخر قرار لمجلس الوزراء أُعلن أن نفايات الضاحية سيتم نقلها إلى مكب الكوستا برافا، وباقي المناطق يُفترض على وزارة البيئة أن تُحدد المواقع لنقل الردم إليها.

 

من جهته استنكر الخبير البيئي بول أبي راشد الأمر قائلاً :" يتم الحديث عن توسيع مكب الكوستا برافا وهذا يعني خسارة مساحات هي موأل طبيعي لتكاثر الحياة البحرية " مضيفًا :" لا يمكن للدولة أن تطمر ملايين الأمتار المكعبة وتقول بأنها ستستفيد منها لاحقًا في مشاريع انمائية وبالمقابل يتلوث البحر، الثروة السمكية ، الثروة المائية، وصحة الملح الذي يتناوله المواطنون يوميًا ".

 

ويضيف أبي راشد في حديث لـ "مهارات نيوز"، "لدينا صورة واضحة عن زيادة في الأمراض السرطانية بنسبة 32.9%، وهذا نراه في حالات الاستشفاء، أي أن المزيد من التعامل باستهتار مع الوضع البيئي سيضعنا أمام كارثة إنسانية وأكلاف كبيرة. الركام يحتوي على مواد سامة، مثل مكوّنات البرادات والبطاريات والغسالات... ولا يمكن استعماله لردم البحر في الكوستا برافا بصورته الحالية، لأنه إذا حصل ذلك ستزداد نسبة الأمراض السرطانية في المستقبل ومعها ستتوسع الكارثة".

 

بدورها علقت الاخصائية بالإدارة البيئية سمر خليل على هذا الموضوع قائلةً :"إعادة توسيع الكوستا برافا تتطلب  دراسة تقييم  أثر بيئي كي لا نشهد ما شهدته المنطقة بعد الردم الذي ألقي بها عام 2006". 

 

يحق للمواطنين المتضررين الرجوع إلى منازلهم طبعًا بحسب ابي راشد، لكن مع عدم نسيان البيئة، حيث يجب أن يتم سحب هذه الردميات سريعًا كي تبدأ عمليات الإعمار وتستعيد الناس بيوتها، لكن يجب نقلها إلى مواقع معينة وفرزها على مطامر صحية لأن ما اقترحه وزير البيئة من رمي هذه الردميات في الكسارات هو خطر بيئي كبير، ففي الكسارات تم التخلص من الطبقة العازلة الأولى من الأرض وهي موقع حساس جدًا ويمكن بالتالي للملوثات أن تنتقل بأسرع وقت إلى جوف الأرض وتلوث مياه الشرب و"كأننا نقول للناس اشربوا سم ما خلفته الحرب"، "التيارات البحرية تأتي من الجنوب إلى الشمال هذا يعني أن التلوث البحري سوف ينتقل عبر هذه التيارات إلى مناطق الشمال أيضًا ولن تكون محصورة بالمناطق المتضررة فقط، فنحن ماذا نرمي؟ نحن نرمي أنواع من القنابل الكيميائية ، البلاستيك ،بطاريات، ألواح طاقة شمسية ".

 

التعاطي السياسي مع الأزمة

أوضحت النائبة نجاة عون لـ "مهارات نيوز" بأن ثلاث جهات ستكون معنية بإزالة الردم وهي: إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، مجلس الجنوب، والهيئة العليا للإغاثة، وشركة "خطيب وعلمي" كشركة استشارية وحيدة فقط مع تغييب لنقابة المهندسين " وهذا ما يطرح علامة إستفهام كبيرة".

 

وانتقدت عون هذا الموضوع  بالقول:" كيف يمكن لشركة استشارية وحيدة أن تقوم بكل هذا؟" مضيفة :" تم وضع دفتر الشروط لكن هذا الدفتر لا يأخذ بعين الاعتبار نهائيًا المحافظة على البيئة ، يمكن ذكر موضوع البيئة بطريقة مبهمة تسمح للمقاولين والمتعهدين باللعب بها بالطريقة التي تناسبهم ، لا يوجد ملحق في دفتر الشروط يفسر ما هي المعايير البيئية التي يجب العمل بموجبها ". وتكمن المشكلة الفعلية بحسب عون في غياب خريطة طريق واضحة واستراتيجيات للتعامل مع موضوع الردم والتخلص منه وكيفية البدء بعمليات إعادة الإعمار".

 

وكان وزير الأشغال العامة والنقل علي حميه  قد صرّح في وقتٍ سابق أن مجلس الوزراء وافق على اعتماد دفتري الشروط وملحقاتهما لتلزيم أعمال الهدم والإزالة للمباني المهدمة كليًا وجزئيًا جراء العدوان الإسرائيلي. ووفقًا للصيغة النهائية المعدلة من رئيس هيئة الشراء العام، على أن يُضاف إلى دفتري الشروط مادة تفرض الالتزام بالضمانات البيئية بحيث يتعهد الملتزم التقيد بما تفرضه القوانين المرعية الإجراء وكافة المعايير والإرشادات الصادرة عن وزارة البيئة والمتعلقة بعملية فرز الردميات.

 

وقال: "تم دفع مبلغ ٩٠٠ مليار ليرة لبنانية إلى اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، و ٩٠٠ مليار ليرة لبنانية إلى مجلس الجنوب، ومبلغ ٥٠٠ مليار ليرة لبنانية إلى الهيئة العليا للإغاثة، من أجل قيامهم بعملية رفع أنقاض ما تهدّم جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان كلّ ضمن نطاق اختصاص عمله المحدد بموجب قرار مجلس الوزراء".

 

وأكد الوزير حميه ردًا على سؤال :" لسنا من انصار القاء الردم في البحر، وبموجب قرار مجلس الوزراء هناك مشروع لتوسعة المطمر وفق المعايير البيئية والعالمية، ونحن سنعمل على توسعة مطمر الكوستا برافا، والهدف الأساس السرعة في الإنجاز ورفع الانقاض".

 

حلول مقترحة

من السهل تمييز المشاكل التي ستواجهها البيئة في لبنان السنوات القادمة لكن ما يصعب فعليًا هو إيجاد حلولٍ لها، خاصة أن الدولة اللبنانية تنتظر التمويل الذي لا يمكن أن يتوفر من دون أن تقوم بالدراسات والإصلاحات المطلوبة.  

 

على مستوى الحلول قالت النائبة نجاة عون "يجب سحب الحديد من هذه الردميات وبطاريات الطاقة الشمسية لأنها مواد يمكن إعادة تدويرها وبيعها ما يخلق فرص عمل ولو ليست كبيرة، لكن يمكن أن يستفيد منها بعض الناس، أما بالنسبة للاسمنت يمكن إستعمال مطاحن لطحنه وتحويله إلى بحص ومن بعدها إما إستعماله كحجر خفان أو اسمنت، أي أن هناك مجالات كثيرة يمكن إستعماله بها في حال طحنه " وأضافت "الحلول يجب أن تكون خضراء وتتماشى مع موضوع الحفاظ على البيئة، ومن المهم جدًا القيام بهذه الخطوة لأجل التخفيف من تجويف جبالنا والكسارات والمرامل، ولنحافظ على ما هو موجود". 

 

يجمع الخبراء على أهمية تدوير وفرز هذه الردميات، فتقول الأخصائية سمر خليل لـ "مهارات نيوز" بأن الردميات التي يشهدها لبنان اليوم ليست فقط حجار بل يمكن أن تحتوي على مواد كيميائية ، كومبيوترات، مواد كهربائية، لذا يجب فصل هذه المواد ومعالجة كل واحدة منها منفردةً ويجب "أن نفكر ونحدد ما يمكن استرداده من هذا الردم، واعادة استعماله في توفير فلح الجبال وتشغيل الكسارات والتقليل من إستخراج مواد أولية جديدة، وتشويه الطبيعة".

 

من جهته اقترح أبي راشد أخذ هذه النفايات إلى مطامر صحية كمطمر الناعمة وفرزها، بعدها يتم فصل كل مكونات هذا الردم والتأكد بأنه لا يحتوي على أيّة سموم، ثم يمكن أخذه بعدها إلى مصانع الترابة".

 

تجارب سابقة

يمتلك لبنان باعًا طويلاً مع المآسي والحروب، وقد تعود هذه الاخيرة عليه بفائدة الخبرة(ان صح التعبير) في التعاطي مع ملف الردم الناتج عن الحرب اليوم، وقد شكل ملف الردميات تحديًا كبيرًا مماثلا بعد حرب تموز عام 2006.

 

تُوضح خليل أنه في حرب العام 2006 وفي مواجهات نهر البارد عام 2007 تم العمل على حلول عديدة في هذا الإطار عبر إستعمال كسارات لاستخراج الحديد وتكسير الحجر لإعادة إستعماله في الطرقات والإعمار، لكن هذه كانت تجارب صغيرة. وفي العام 2020 وبعد انفجار مرفأ بيروت كانت هناك مشاريع للعمل على موضوع الردم لكن لم يُتخذ من بعدها أي قرار أو خطوة " و قالت :" معالجة الردم ليس اختراعًا نوويًا ما يجب القيام به واضح لكن للأسف مشكلتنا بالدولة ". 

 

بدوره يقول الخبير بول أبي راشد أن بعض الدول الأوروبية استطاعت أن تتخلص بنسبة ٩٥٪ من نفايات البناء فقط  من خلال تدويرها كما لا يمكننا أن ننسى تجربة البيال التي استطاعت الدولة من خلالها التخلص من هذه النفايات عبر مكنات تم استعمالها لوقت قصير". 

 

وعن تجربة العام 2006 اعتبرت النائبة نجاة عون أن وقتها  لم يكن هناك من يرفع الصوت بوجه ما يدور ويُهدد البيئة، وتم التلزيم بطريقة خفية وتم رميهم في الكوستا برافا ،" نحن لسنا بحاجة لأي نموذج خارجي لمعرفة كيفية التعامل مع هذه الردميات، هنالك ما يكفي من مختصين وخبراء في لبنان يمكن للدولة الاستفادة من دراستهم وخبرتهم ".