Loading...

بين الخصوصي والعمومي: أزمة "التاكسيات" البيضاء في طرابلس

 

"أنا سائق سيارة أجرة منذ أكثر منذ ثلاثين سنة، كانت النمرة الحمراء رمز فخر واعتزاز، شراء لوحة عمومية لم يكن بالأمر السهل، كان استثمار العمر لكنها كانت تفتح لك باب رزق محترم، كانت الناس تقدّر سائق التاكسي"، هكذا يصف أبو ربيع وهو سائق أجرة في طرابلس حياته مع نمرته الحمراء التي كانت مصدر رزقه وأساس تأمين قوته اليومي لعائلته.

 

ولكن ومع بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، وانهيار الليرة اللبنانية، تبدّلت الأوضاع وانعكست هذه الأزمة جحيما على الواقع الاجتماعي للمواطنين، منهم من يملكون نمرا حمراء، اذ انهارت أسعار النمر واختفت تقديماتها الاجتماعية مع انهيار صندوق الضمان الاجتماعي.

 

لم تقف أزمة اللوحات الحمراء هنا، بل تطوّرت لتصبح في منافسة مع النمر البيضاء التي بدأ أصحابها بالعمل عليها كسائقي أجرة بشكل غير قانوني من دون لا حسيب ولا رقيب، ففي طرابلس تكاد تختفي الفروقات بين سيارات الأجرة والسيارات الخاصة. لا يعود السبب إلى تطوّر في القطاع، بل إلى فوضى متنامية يفرضها انتشار سيارات الأجرة ذات النمر البيضاء (الخصوصية).هذه الظاهرة لا تشكّل مجرد مخالفة قانونية، بل تحوّلت إلى أزمة أمنية واقتصادية واجتماعية تطال السائقين والمواطنين على حد سواء.

 

بحسب القوانين اللبنانية، فإن "النمرة الحمراء" تُمنح حصريًا للسيارات التي تعمل كأجرة، وتخضع لشروط معينة تتعلق بالمواصفات والتأمين والفحص الفني ودفع رسوم خاصة، أما "النمرة البيضاء"، فهي مخصّصة للاستخدام الخاص فقط، ويُمنع قانونًا استخدامها لنقل الركاب مقابل أجر.

 

لكن الواقع في طرابلس يُظهر انفصالًا تامًا بين النص القانوني والتطبيق. إذ تنتشر سيارات النمر البيضاء بشكل لافت، وتعمل كأنها سيارات أجرة دون أن تواجه أي محاسبة جدية، لذا من يراقب عمل سيارات الأجرة في طرابلس؟ ومن يضمن سلامة المواطن الذي لا يستطيع التمييز بين التاكسي المرخّص وغير المرخّص؟

 

أدخل قانون السير الجديد الصادر في العام 2012، بناءً على ضرورة تنظيم حركة السير، وذلك بسبب الفوضى المرورية الكبيرة التي كانت تعاني منها الطرق اللبنانية. تضمن القانون مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى ضبط حركة السير، مثل فرض مخالفات مرورية، تحسين معايير السلامة، وتوسيع رقابة السلطات المعنية، وقد تم التركيز على ضرورة تنظيم وسائل النقل العامة، وكان من المفترض أن يشمل تحسين بنية النقل وتنظيم عمل السيارات العمومية.

لكن القانون قد واجه العديد من الثغرات والتحديات التي حالت دون تطبيقه وقادت إلى الفوضى الحاصلة اليوم في قطاع النقل تحديدا في ما يخص السيارات العمومية.

 

في هذا الإطار، يقول الخبير في مجال النقل علي الزين في مقابلة لـ"مهارات نيوز" إن "أزمة التاكسيات البيضاء هي نتيجة لخلل في تطبيق القانون، فالنظام القانوني غير فعال في مراقبة سير العمل على الأرض، مما يسبب فوضى في النقل العام، واعتبر أن "المشكلة لا تكمن فقط في القوانين، بل في غياب الإرادة السياسية لتطبيقها أو تعديلها بما يتناسب مع متطلبات المرحلة.

 

واقع سائقي الأجرة: أزمة مستمرة

مع بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان في العام 2019، تفجّر وضع النقل العام والذي كان يعاني أساسا من العديد من التحديات، ومع تفاقم الازمات والانهيار المالي المستمرّ، دخلت سوق المنافسة "اللوحات المزوّرة" واللوحات البيضاء التي بدأت العمل في السوق ما أثّر سلبا على السائقين الشرعيين.

 

يقول أبو ربيع عن أوضاعه الحالية: "مع الوقت، تغيّر كل شيء بدأت الفوضى والسيارات الخصوصية دخلت على الخط، صار اللي معه سيارة عادية يركب ناس ويعمل سائق، بلا نمرة ولا رخصة، والآن من  جديد جاء التوكتوك، والفانات، والمكاتب الخاصة".

أكثر ما يُثير القلق في ما يخص تزوير النمر هو البُعد الأمني للظاهرة، غياب النمرة العمومية عن السيارة يجعل من الصعب على المواطن التأكد من هوية السائق، ما يفتح الباب أمام حوادث سرقة، تحرّش، وحتى حالات خطف في بعض الأحيان. هذا الخلط بين "العمومي" و"الخصوصي" يزرع الشك ويقوّض الثقة، في مدينة تعاني أصلاً من هشاشة أمنية.

 

وهنا من المهم الإشارة إلى أنّ لون النمرة العمومية الأحمر الذي يميّزها عن النمرة الخصوصية، من الممكن التلاعب به عبر رشّ النمرة، هنا من المهم لفت الانتباه إلى أنّ قانون السير الجديد حدّد في الفقرة 4 من المادة 154 أنّ يستعمل  حرف P للسيارات العمومية وبالتالي أي نمرة حمراء تملك حرف غير حرف p هي مزوّرة.

وفي حال التزوير، يتعرّض المزوّر إلى عقوبة سجن بحسب ما تنصّ عليه المادة 154 من قانون السير.

 

وكانت قد صدرت عدّة تقارير صحفية سابقة منها في جريدة الأخبار، تكشف عن شبكة واسعة تقوم بتزوير لوحات عمومية في لبنان، بدعم ضمني أو تواطؤ من داخل مصلحة تسجيل السيارات ("النافعة"). يُظهر كيف تُستخدم هذه اللوحات المزورة في أنشطة غير قانونية، ما يشكل خطرًا أمنيًا واقتصاديًا. كما ينتقد غياب الرقابة الجدية وفعالية المتابعة القضائية.

 

ومع غياب المعلومات الرسمية، انتشرت الكثير من المعلومات في العام 2021 والتي تفيد بوجود 15 ألف لوحة مزوّرة مقابل 5 ألاف لوحة قانونية، وبطبيعة الحال ومع تفاقم الأزمة والتفلّت الحاصل مع الغياب التام للرقابة على هذا القطاع، من المرجّح أن يكون هذا الرقم قد ازداد في العام 2025. 

 

من جانبه أوضح رئيس بلدية طرابلس السابق رياض يمق لـ"مهارات نيوز" أن "ضبط المخالفات ليس من صلاحية البلدية، بل هو من مهام الأجهزة الأمنية"، مشيرًا إلى ضرورة التعاون بين الجهات المعنية للحد من ظاهرة تزوير النمر واستعمال النمر البيضاء للأجرة. 

 

النمر البيضاء: تتصرّف كأنها حمراء

يقول محمود، أحد سائقي التاكسيات الحمراء لـ"مهارات نيوز": "منذ أن صارت السيارات الخصوصية تعمل تاكسي، دخلنا انخفض إلى النصف تقريبًا، الزبون يبحث عن الأرخص، ولا يهتم إن كنا ندفع ضرائب أو نمتلك رخصة"، ويقول زميله أحمد: "أعمل منذ الصباح حتى المساء، ولكن أحيانًا تمر ساعات دون أن يركب أي زبون، لأن سيارات الأجرة أصبحت كثيرة فالكل أصبح "شوفير تاكسي"، الأمر يلزمه تنظيم أكثر."

 

على الجانب الآخر، يشرح خالد، الذي يعمل بسيارة ذات نمرة خصوصية دوافعه: "فقدت عملي بسبب الأزمة الاقتصادية. لم يكن لديّ خيار آخر، النمرة العمومية مكلفة جدًا وإجراءاتها طويلة، أنا لا أسرق عمل أحد أريد فقط إعالة عائلتي"، كلام مشابه يردده السائق عبد القادر: "في حال تم فرض قوانين صارمة لمنع عمل السيارات ذات النمر البيضاء كأجرة سأكون بلا عمل، لا أملك رأس مال كافٍ لشراء نمرة عمومية، 

ولا توجد فرص عمل أخرى بسهولة. إذا فُرض المنع دون حلول بديلة، سنُدفع نحن وأسرنا نحو مزيد من الفقر".

 

في مفارقة لافتة، يلتزم العديد من سائقي "النمر البيضاء" بتسعيرة النقابة التي لا ينتمون إليها أصلاً. بل إن بعضهم، بحسب سائقين عموميين، هم من يبدأون حملات رفع التعرفة، دون أن يكون لهم أي صفة قانونية.

وفي محاولة لفهم واقع النمر العمومية في طرابلس وتحليل المعطيات، وجّهت "مهارات نيوز" طلب معلومات رسمي إلى هيئة إدارة السير في الدكوانة، للاستفسار عن عدد اللوحات العمومية المسجّلة في مدينة طرابلس، إلا أن الهيئة لم ترد على الطلب حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق، ما يُضيف عائقًا جديدًا أمام الشفافية.

 

من أجل معالجة الأزمة المستمرة الناتجة عن انتشار المخالفات في قانون السير وخاصة المتعلقة بالنمر البيضاء والحمراء، يقول الزين: "من الضروري تعزيز الرقابة وتطبيق القوانين المتعلقة بقطاع النقل العام بشكل فعّال" وقال أنه "يجب توفير حلول بديلة للسائقين المتضررين من الأزمة الاقتصادية، مثل فرص العمل وتسهيلات مالية تمكنهم من التزامهم بالقوانين".

 

تحديات أخرى تواجه سائقي الأجرة

إلى جانب أزمة تزوير النمر واستعمال النمر الخصوصية للعمل عليها بشكل غير قانوني، والذي كان قد نفذّ على إثره سائقو الأجرة اعتصامات كثيرة مطالبين بتطبيق القوانين وايقاف المخالفين، تبرز العديد من التحديات الاخرى.

فالشركات الخاصة التي اشتاحت السوق مع بداية الأزمة الاقتصادية تشكّل تحدّ آخر، فمثلا بدأت شركة "بولت" عملها في العام 2020 كتطبيق توصيل يقدّم أسعارا أقلّ للركاب بنسبة تصل إلى 20%، كونها لا تتقاضى رسوما من السائقين.

 

وعلى خلفية ازدياد الشكاوى من قبل نقابات سائقي سيارات الأجرى والاعتصامات التي جرت،  طلب وزير الداخلية السابق بسام المولوي في 5 أيار 2023 من وزارة الاتصالات توقيف تطبيق "بولت" لحين التأكد من عدم مخالفته قانون السير وسواه من القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، لكن المفارقة أن لا معلومات جديدة في هذا الإطار منذ العام 2023 ولا يزال إلى اليوم التطبيق يعمل بشكل طبيعي. 

 

ويضيف سائق الأجرة أبو ربيع، أنّه "إضافة لتحديات الشركات الخاصة، يأتي غلاء البنزين، وقطع الغيار، فكل شيء صار عبء فوق عبء، إذ أصبحنا نحارب لتأمين سعر البنزين فقط، ورغم هذه التحديات نحاول البقاء في عملنا على الواقع يتغيّر يوما ما ونعود كما كنا قبل الأزمة".

TAG : ,اللوحات العمومية ,اللوحات الخصوصية ,سيارات الأجرة ,لبنان ,طرابلس ,النمر الحمراء ,الأزمة الاقتصادية ,تزوير النمر