بعد مرور سنة على فضح تعرّضها وزميلاتها لتحرّش من مدرّسهم، عبر تعليق كتبته على حسابها على موقع فايسبوك، تشعر الطالبة في ثانوية جورج صراف الرسمية في طرابلس غنى ضناوي بخيبة أمل كبيرة تجاه الدولة والقضاء اللبناني الذي لم ينصفهنّ، في وقت يسجّل لبنان إزدياداً في حالات التحرش خصوصاً في المدارس.
وتؤكد في حديث لموقع "مهارات نيوز"، أن ما حصل معها لن يوقفها بل على العكس فهي اليوم لديها ما يلزم من القوة لنشر الوعي حول هذا الموضوع من خلال مشاركتها في النشاطات والندوات التي تنظمها الجمعيات.
وتقول غنى "عندما وضعت المنشور على صفحتي على فايسبوك، لم أكن أعلم أنني أستطيع التقدم بشكوى"، متمنيةً أن يتمّ إدراج التربية الجنسية في المناهج لتميّز كل فتاة بين السلوك الصحيح والخاطئ، وتعي أنه لديها الحق في التبليغ وتقديم شكوى في حال تعرضها لأي مضايقة.
وكانت الشكوى الأولى قد قُدّمت من قبل الحق العام في 6 كانون الأوّل 2021، من دون أن تصل إلى نتيجة مُرضية، نتيجة ضغوطات مُورست على الطالبات وأهاليهن، وكون التحقيقات خُتمت آنذاك من دون استدعاء المدرّس أو الاستماع إليه، باعتبار أنّ الأفعال المُسندة له لا تشكّل جرمَ تحرّشٍ.
يأتي ذلك في وقت وثّقت فيه الجمعيات، ومنها جمعية "حماية"، ارتفاع عدد حالات العنف الجنسي الممارَس ضد الأطفال التي تبلّغت بها، من %10 عام 2020 الى 12% عام 2022. وسجلت 2193 حالة عنف في العام 2020، منها 248 حالة عنف جنسي، وتمّ حتى أيلول الماضي تسجيل 1725 حالة، بينها 203 لعنف جنسي.
توزعت حالات العنف المسجلة عام 2022 بين 46% للإناث و54% للذكور، وقد ظهر أن غالبية المعنَّفين هم من الأطفال السوريين بنسبة %74، يليهم اللبنانيون بنسبة 25 % و1 % من جنسيات أخرى. كما تبيّن أن %51 من حالات العنف الجنسي المسجلة في الجمعية خلال عامي 2021 و2022 قام بها مقربون من الأسرة.
كشف خروج حادثة التحرش في ثانوية جورج صراف إلى العلن مساراً عاماً من التقصير والاستخفاف بالانتهاكات التي يتعرض لها الطلاب، فيما أتت المعالجة محاطة بعيوب جوهرية، سواء بالنسبة إلى الجهة التي أجرت التحقيق، أم بالنسبة إلى المرجع الذي اتخذ القرار بالإحالة إلى الهيئة العليا للتأديب.
"استهتار" قضائي وضغوط
في التفاصيل، يروي خالد مرعب، محامٍ بالاستئناف ووكيل الطالبات المدّعيات على "الأستاذ المتحرّش" سامر مولوي، لموقع "مهارات نيوز"، عن التحديات التي واجهها أمام آلية الشكوى. ويوضح "عند استلامي القضية كانت 12 طالبة يرغبن في تقديم الشكوى، لتبقى ست فتيات فقط بعد ممارسة الضغوط عليهن". ويضيف "على الرغم من أن أفعال التحرش كانت مثبتة بناء لأدلة دامغة إلا أن تعاطي القاضي في المحكمة ساده الكثير من الاستهتار لتعاطيه مع القضية على أنها اعتداء جنسي وليست قضية تحرّش واستعمال مصطلحات وتعابير مؤذية بحق الفتيات".
وعبّرمرعب عن عدم رضاه عن القرار الذي صدر عن المحكمة. ويوضح "استأنفت الحكم لكنني واجهت تأخيراً داخل القلم لإحالة الملف على محكمة الاستئناف، كما تمت ممارسة الضغوطات على من تبقى من الفتيات لرفض الإستئناف باسمهن"، من دون أن يثنه ذلك عن الاستمرار بالقضيّة لأقصى حدودها، مستنفذاً كافّة السبل القانونية المُتاحة لمعاقبة المتحرّش وتحصيل حقوق الناجيات.
في ديسمبر/كانون الأول 2020، أقرّ لبنان "قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه"، في خطوة سجّلت تقدّمًا من خلال تجريم التحرّش الجنسي وإقرار الحماية للمبلّغين عنه.
لكّن منظمات عدة بينها "هيومن رايتس ووتش" اعتبرت أن القانون لا يستوفي المعايير الدولية، لاسيما لجهة عدم مصادقته على "اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن القضاء على العنف والتحرّش" وتطبيقها.
ويعرّف القانون التحرّش الجنسي كـ "أيّ سلوك سيّء ومتكرّر، خارج عن المألوف، وغير مرغوب فيه من الضحية، وذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكًا للجسد، أو للخصوصية، أو للمشاعر". ويشير إلى أنّ التحرّش الجنسي قد يتمّ عبر أقوال وأفعال ووسائل إلكترونية.
ويعاقب القانون التحرّش الجنسي بالسجن حتى عام وبغرامة تصل إلى عشرة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور. وفي بعض الظروف، بما فيها التبعية أو علاقة عمل، يُعتبر التحرّش جريمة خطيرة، وتزداد فترة السجن إلى أربعة أعوام، والغرامات إلى 50 ضعف الحدّ الأدنى للأجور.
واقع مختلف
وعلى الرغم من القوانين والاتفاقيات التي تتعلق بالنهوض التربوي أو حقوق الطفل أو القضاء على العنف التي وقّع عليها لبنان، إلا أنها لا تؤدي هدفها في ظلّ غياب التربية الجنسية عن المناهج التربوية في المدارس.
في هذا الإطار، تعتبر رئيسة إتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل في تصريح لموقع "مهارات نيوز" "أن المناهج التربوية اللبنانية الحالية هي مناهج قديمة وبالية منذ العام 1997 لم يتم تحديثها بعد".
وترى "أن إدراج التربية الجنسية في المناهج سيعطي الشجاعة للأولاد أن يفضحوا التحرش إذا ما تعرضوا له، كما سيولّد لديهم الوعي الكافي حول السلوكيات غير اللائقة التي من الممكن أن يتعرضوا لها".
وتقتصر التوعية الجنسية حالياً، بحسب الطويل، على حملات توعية من قبل جمعيات ومنظمات غير حكومية في بعض المدارس. وتقول "نعمل كلجان أهل على تنظيم هذه الحملات بالتنسيق مع المدارس بهدف المساعدة على نشر الوعي عند الأولاد والأهل على حدّ سواء، نتيجة الجهل بطريقة التعاطي مع مواضيع حساسة مماثلة من قبل بعض الأهالي"، مشددةً على ضرورة متابعة الجانب النفسي للطلاب في حال التعرض لأي حادثة.
وفي ما يتعلّق بالمدارس الرسمية، يشرح مسؤول في وزارة التربية تحفّظ عن ذكر اسمه لموقع "مهارات نيوز" أن "التربية الجنسية تشكّل أولوية بالنسبة إلى المركز التربوي للبحوث والإنماء في ظلّ وجود منهج كامل متكامل للتربية على الصحة الإنجابية، تمت المصادقة عليه منذ سنوات عدة من وزيرة التربية حينها بهية الحريري".
ويشدّد على أهمية التربية الجنسية لمساعدة الأطفال على حماية أنفسهم على مستوى المعارف والتصورات والسلوكيات التي تسمح لهم مستقبلاً بالحصول على حياة جنسية آمنة، على عكس ما يعتقده البعض لناحية أنّ التحدث مع الطلاب عن الجنس يشجّعهم على التوجه إلى حياة جنسية نشطة. ويقول "عندما تشرحين للطالب كل مساوئ الحياة الجنسية العشوائية وغير المحمية، تؤخرين بذلك دخوله الحياة الجنسية لا تشجعينه عليها".
وتعمل وزارة التربية والمديرية العامة للإرشاد والتوجيه في إطار سياسة الحماية على تفعيل خط ساخن للحماية من كافة أشكال العنف.
وتبذل منظمات غير حكومية دوراً لافتاً على مستوى التوعية، بينها جمعية أبعاد التي تنظم وفق منسّقة برامج الدعم النفسي الاجتماعي لمى جرادة جلسات توعوية للفتيات.
وتتناول الجلسات الأساليب التي تمكّن الفتيات من حماية أنفسهنّ من التحرّش وكيفية التبليغ أمام المخافر أو على الرقم 112، ومن يجب أن يرافقهن لتقديم الدعاوى، عدا عن كيفية حفظ الأدلة التي تُثبت تعرضهن إلى تحرش، وفق جرادة.
TAG : ,التربية الجنسية ,التحرش الجنسي ,توعية ,نشر الوعي ,تقديم شكوى ,انتهاكات ,الفتيات