Loading...

ضحايا ٤ آب السوريون… ظلم تفاقم بعد المأساة

 

تبقى منى تنتظر كل يوم عودة ابنتها روان إلى المنزل، وهي تفتقدها في كل تفاصيل حياتها. روان الإبنة الحنونة التي كانت تحرص دومآ على إسعاد والدتها وتحسين مستوى الأسرة المعيشي.

رحلت روان ابنة الواحد وعشرين ربيعآ، بلا وداع. فهي لم تكن تدرك أن الموت يتربص بها عند وصولها مشيآ على الأقدام إلى عملها في مقهى "سيرانو" في منطقة مار مخايل المحاذية لمرفأ بيروت في تمام الساعة السادسة والسبع دقائق من مساء يوم الرابع من آب 2020 المشؤوم.

روان المولودة من أب وأم سوريي الجنسية، ولدت ونشأت وترعرعت في لبنان، الذي كان بلدها الأول الذي أحبته واندمجت في مجتمعه. الا أنها حالة من العديد من الحالات، فقد خسرت العديد من العائلات السورية إبنة أو إبنآ أو أبأ أو أمأ، ومنهم من فقد أكثر من فرد واحد من أسرته. كما أن العديد من السوريين المقيمين في لبنان، سواء نزحوا بعد الحرب السورية وأصبحوا لاجئين، أم كانوا مقيمين من قبل حدوثها، قد خسروا معيلهم، مثلما حل بوالدة روان.

هذه العائلات، باستثناء الميسورة منها، تعاني اليوم من ظروف معيشية صعبة، والتي ازدادت صعوبة مع تفاقم حدة الإنهيار المالي للبلد وانتشار وباء كورونا. وفي ظل كل هذا البؤس، لم يلق أهالي الضحايا السوريين الدعم اللازم من الدولة وجمعيات المجتمع المدني من خلال تعويضات كافية. ففي ظل الغلاء المعيشي الفاحش والتدهور اليومي لسعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، أصبح تأمين الحاجات الأساسية يشكل شقاء لعائلات منكوبة على جميع الأصعدة.

في هذا الاطار يؤكد وكيل أهالي الضحايا الأجانب، المحامي الأستاذ مازن حطيط، أن الكثير من أهالي الضحايا من الجنسية السورية تكبدوا أكلافأ توازي قيمة التعويض الذي حصلوا أو سعوا لتحصيله.

 

الهيئة العليا للإغاثة، تعويض هزيل وشقاء لتحصيله…

يقول المحامي حطيط أن الهيئة العليا للإغاثة خصصت مبلغ 30 مليون ليرة لعائلات ضحايا التفجير، بمعزل عن جنسيتهم. ولكنها لم تحرص على إعلام العوائل بهذا الموضوع، فلم يصل الخبر لجميع أهالي الضحايا، عدا عن الشروط التي تفرضها الدوائر الرسمية لاستيفاء التعويض، من مستندات وأوراق ثبوتية أضنت كاهل السوريين الذين خسروا المعيل وتضرروا بشكل مباشر من التفجير. فقد تعرضوا إلى ظلم مضاعف حيث كانوا ملزمين بالحصول على مستندين اثنين عن كل ورقة ثبوتية كشهادة الوفاة، واحدة من لبنان وأخرى من الدولة السورية. والمؤسف هو تعامل السفارة السورية في هذا الإطار، التي وبعكس الحكومة اللبنانية التي أقرت إعفاء المستندات المرتبطة بملف المرفأ، كانت تفرض رسوما" خيالية  بالدولار الطازج على مواطنيها من أهالي الضحايا. فعلى سبيل المثال، كان يطلب من العوائل دفع مبلغ 75 دولار لقاء ختم الحكومة السورية لمجرد تصديق معاملة توكيل. لقد تكبد ذوو الضحايا السوريين مبالغ تساوي تقريبآ قيمة التعويض الذي حصلوا عليه."

من جهتها تؤكد والدة الضحية روان أنها تكبدت مبلغ يفوق 800 دولار تكاليف الأوراق الثبوتية والمستندات المطلوبة كرسوم مفروضة من قبل الدولة السورية، وفي النهاية لم تتمكن من الحصول على التعويض بعد مشكلة عائلية نتجت بسبب إجراء حصر الإرث.

 

الجيش اللبناني... لا تقديمات للاجئين…

لم تساو الدولة اللبنابية بين ضحايا 4 آب، عندما قررت اعتبار ضحايا الثفجير شهداء للجيش اللبناني. فقد تم حصر هذا التصنيف بالضحايا اللبنانيين فقط، وبالتالي تمييز الضحايا الأجانب وحرمان ذوويهم من الضمان الصحي والراتب التقاعدي الذين يترتبان عن هذا التصنيف.

هنا لا بد من الإشارة إلى الغبن الذي لحق بذوي الضحايا السوريين. فكيف يمكن لمبلغ زهيد (30 مليون ليرة) أن يكون تعويضآ كافيآ لعوائل نُكبت وفقدت معيلها من جراء إهمال الدولة؟! علمآ أن هكذا مبلغ بالكاد يكفي لإعاشة أسرة صغيرة لفترة لا تتعدى الثلاثة أشهر، نظرآ لجنون أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية الخاضعة لبورصة الدولار اليومية. فمنح هذا المبلغ، مقابل استثناء اللاجئين السوريين من تقديمات الجيش الصحية وراتب التقاعد كان سببآ إضافيآ لزيادة معاناة هذه العوائل.

 

دار الإفتاء ساعدت اللاجئين دون تعقيدات…

قدمت الدولة الإماراتية هبة لصندوق الزكاة في دار الفتوى الإسلامية في بيروت، قدمت من خلالها الدار 2000 دولار لكل عائلة من عوائل الضحايا بشكل فوري، واستتبعتها بمساعدة شهرية يتم سحبها من المصارف اللبنانية. وتؤكد والدة روان أنها حصلت على المساعدة دون مشاكل، الا أنه وبحسب المحامي حطيط، لم يحصل جميع ذووي الضحايا على المبلغ، كما تم تحويل مبلغ التعويض لليرة اللبنانية في بعض الأحيان.

 

دور جمعيات المجتمع المدني اقتصرعلى جهود فردية وغاب بعد انقضاء فترة على الكارثة…

لم يكن لجمعيات المجتمع المدني دور فعال من شأنه انتشال ذووي الضحايا من الفقر أو مساندتهم بشكل حقيقي معنويآ لتمكينهم من الخروج من تروما 4 آب عبر متابعة صحتهم النفسية. فبحسب والدة روان، فقد اضطرت ابنتها الكبرى للجوء إلى معالج نفسي للخروج من الصدمة والتعب العصبي الذي حلّفه فقدان "توأمتها" حسب تعبير الأم. علمآ أن ثمة جمعيات انبرت لتقديم المساعدة في هذا الشأن الا أن ما قدمته فعليآ كان مجرد استشارة لا تكفي وتتطلب متابعة بكلفة لا يستهان بها. ومن ناحية أخرى، لم تتلقَ العائلة من مساعدة عبر الجمعيات سوى بضع كراتين إعاشة أتت بمجهود فردي من أصدقاء لروان يعملون لصالح تلك الجمعيات.

 

”وكأنه لا يكفي المواطنين السوريين الظلم والمعاملة بفوقية وعنصرية التي تعرضوا لها عندما قدموا إلى لبنان لقاء مئة أو مئتي دولار"، يختم حطيط، لتساهم دولتهم في مأساتهم ومعاناتهم المعيشية بعد أن حلت بهم نكسة النزوح والتهجير قسرآ من الحرب في بلدهم.

وفي هذا الإطار تقول منى: "ابنتي روان لم تكن تعرف وطنآ لها غير لبنان، وقد شاركت في انتفاضة 17 تشرين لأنها كانت ترفض الظلم. فلماذا تُعامل ابنتي معاملة الغرباء في البلد الذي عشقته؟!"

 

تمّ إنتاج هذا المحتوى ضمن إطار برنامج "أساسيّات الصّحافة وإعلام التّنوّع" الذي تنظّمه مهارات بالتّعاون مع إنترنيوز وبدعم مالي من السّفارة الهولنديّة.