تواجه العاملات الأجنبيات في لبنان تحديات صعبة اليوم. يشكل عامل البقاء أبرز هذه التحديات الشاقة بالنسبة للعاملات المهاجرات من مختلف الجنسيات. الأزمة الاقتصادية التي بدأت في لبنان وارتفاع الدولار وأحداث الثورة. هذه الأسباب جميعها طرحت إشكالية بالنسبة إليهن، ووضعتهن أمام خيارين إما الذهاب أو انتظار تحسن الوضع. إلا أن تفشي وباء كورونا زاد من قساوة الوضع على العاملات في الخدمات المنزلية لاسيما إعلان التعبئة العامة وعدم القدرة على العمل أو استيفاء حقهن من رواتبهن الشهرية. اجتماع هذه الأسباب جعلت من الرحيل مطلبًا أساسيًا خصوصًا بعد فقدان الدولار قيمته واختفائه لدى أصحاب العمل.
في ظل أزمة ارتفاع الدولار وسحبه من التداول بين اللبنانيين، بات راتب العاملة الأجنبية يوازي الحد الأدنى للأجور في لبنان وأكثر بعد وصول قيمة الدولار إلى عتبة الـ 4000 ليرة. وهذا ما دفع بعدد كبير من العائلات الى ترحيل العاملات لديهم. سناء تداركت الوضع قبل تجديد إقامة العاملة الكينية لديها وقبل ارتفاع الدولار أكثر تقول لـ "مهارات نيوز" "أن "راتب العاملة لديها يبلغ 250 دولار أميركي من دون احتساب احتياجاتها أي ما يعادل نصف راتبي الشهري لذلك قمت بترحيلها على الرغم من أنها لم تكن راضية من القرار إلا أني وعدتها بأن استقدمها مجددًا في حال تحسن الوضع في المستقبل".
تخفيض الأجور
جلس م.ن مع زوجته ليصارحا العاملة الأثيوبية لديهما بأنهما باتا غير قادرين على دفع راتبها الشهري البالغ 200 دولار أميركي بعد أن بات يوازي راتبه اليوم (انخفض راتبه اليوم إلى 400 دولار اميركي متأثرًا بانهيار الليرة). وضع الزوجان العاملة لديهما أمام خيارين إما تخفيض المبلغ إلى 100 دولار أميركي حتى انتهاء عقدها نهاية العام أو الرحيل. فاختارت العاملة الرحيل لأن المبلغ لن يكفي عائلتها وأولادها في أثيوبيا. تفهمت الزوجة موقف العاملة إلا أنهما وقعا في أزمة أخرى. تقول لـ “مهارات نيوز" " اتصلنا بمكتب الاستقدام للاستفسار عن الخيارات المتاحة أمامنا فقال إنه من غير القانوني دفع راتب العاملة بالليرة اللبنانية أو تخفيض راتبها. قررنا ارسالها إلى بلدها بعد موافقتها إلا أن المطار مغلق، نحن اليوم ليس لدينا المال ولا الدولارات لندفع لها والمطار مغلق، يجب على أحدهم إيجاد حل لهذه المسألة، مثلنا كثر يعاني اليوم".
آسيا، العاملة الاثيوبية في إحدى المنازل قبلت مرغمة على تخفيض معاشها من 250 دولار الى 150 دولار لأنها لا ترغب بالعودة الى بلدها بعد موت أهلها جميعهم. رضيت بذلك مؤقتًا إلى حين تحسن وضع رب العمل لديها لأنهم يحسنون معاملتها وتعمل لديهم منذ أكثر من 5 سنوات.
في لبنان تُقيم أكثر من 250 ألف عاملةٍ منزلية مهاجرة. بحسب قانون العمل يجب أن تتقاضى مبلغ الاجر المذكور في العقد الذي وقعت عليه. وهذا ما يؤكده علي الأمين نقيب أصحاب مكاتب الاستقدام في لبنان لـ "مهارات نيوز".
في ديسمبر/كانون الأول، قالت سفارة الفيليبين في لبنان إن أكثر من ألف عاملة فيليبينية "من اللاتي خسرن عملهن ومداخيلهن مؤخرا" سجّلن في برنامج العودة المجانية إلى الوطن. ولكن مع انتشار وباء كورونا، السفارات المعنية مغلقة أو لا يجيبون على اتصالات العاملات الذي يودون العودة إلى منازلهم.
مكاتب الاستقدام العاملات الأجنبية: الدفع بالدولار
" بدأت المشكلة منذ بداية ارتفاع الدولار وطرحت إشكالية الدفع من قبل اللبنانيين إلا أن النقابة حسمت الأمر بأن الدفع يجب أن يكون بالدولار الأميركي كما ينص العقد الموقع بين الأطراف فإنهيار عملتنا مشكلتنا نحن كبلد. أما الحلول المتاحة اليوم هو انتظار فتح المطار لترحيل العاملات"، يضيف نقيب أصحاب مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات في لبنان علي الأمين.
وقد أكدت مصادر في وزارة العمل لـ "مهارات نيوز" أن الوزارة تقوم بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والخارجية لتسيير رحلات للعاملات اللواتي قررن العودة إلى بلادهن". إلا أن الأمور ليست واضحة حول بدء تفعيل هذه الخطة ولا الآليات التي سوف تُعتمد.
فادي قاروط صاحب مكتب استقدام في منطقة عين الرمانة أشار لـ "مهارات نيوز" أن المشكلة كبيرة مع الكفلاء لأنهم غير قادرين على تأمين الدولارات ولا ترحيل عاملاتهم. كثر منهم يطلبون إعادة العاملات إلى المكتب. اليوم لدي 3 عاملات تنتظر في المكتب. يشير إلى أنه "في الفترة الأولى انهالت الاستفسارات حول إمكانية تخفيض قيمة الراتب الشهري أو دفعه باللبناني إلا أن هذا الامر غير قانوني. وهنا الحل يكون بمواجهة العاملة بالوضع وتخييرها بالرحيل أو البقاء".
بدورها فادية زغيب صاحبة مكتب في المتن قالت "اللبنانيون غير قادرين على الدفع بالدولار الأميركي. هناك عاملات يتقاضين 500 دولار شهريًا أي ما يعادل مليوني ليرة. وقد طلبنا من النقابة إيجاد حل قد يكون بالدفع عبر عملة البلد التي تنتمي اليه العاملة، وما زلنا ننتظر قرار النقابة".
العاملات مهددات بالتشرد
وضع العمال والعاملات الأجانب اليوم في حالة صعبة جدًا، معظمهم لا يعمل، تحديدًا الفئات التي تعمل بشكل حر. بالنسبة لتاغريدا فهي كانت تنتج شهريًا حوالي 400 دولار أميركي. تقول لـ "مهارات نيوز" بلغتها العربية اللافتة " لبنان له فضل كبير علي، فأنا قمت بتربية أولادي وتعليمهم بفضل عملي. إلا أنني اليوم توقفت عن العمل، الدولار ليس موجودًا. اضطررت أن أقبل المال بالليرة اللبنانية حتى تفشي أزمة الكورونا. توقفت عن العمل، لم يعد لدي مالاً وتركت منزلي وأتيت للسكن عند صديقتي. تحلم تاغريدا اليوم بالعودة إلى موطنها، إلا أنها لا تملك المال لتفعل ذلك.
سامويل بشاش، مؤسس جمعية مساواة التي تعنى بدعم حقوق العاملات والعاملين الأجانب من الجنسية الأثيوبية يقول في حديث لـ "مهارات نيوز" "أن الوضع كارثي منذ بداية الثورة وقد زادت أزمة الكورونا من كارثية الوضع أكثر. عدد كبير من العاملين والعاملات مهددون بالجوع بسبب عدم العمل وبدأوا بالنوم على الطرقات بعد طردهم من منازلهم لأنهم لا يملكون المال. كما أن معظم العاملات في المنازل لم يتلقين رواتبهن منذ قرابة الـ 8 اشهر، وعندما يسألون رب العمل يتم تخييرهن بين الانتظار الى حين هبوط الدولار أو القبض بالعملة اللبنانية والتي لا يمكن استعمالها في أثيوبيا. وتابع "إذا استمر الامر على هذا الوضع نحن نتخوف من القاء العاملات الأجنبيات في الشوارع". يشدد سامويل على ضرورة فتح المطار للسماح بالراغبين بالعودة إلى مواطنهم.
هذا ويضاف ان العناية الطبية وإجراءات الوقاية في زمن الكورونا تبقى ترفا لأن هؤلاء العاملات لا يملكن المال.
لا شك أن أزمة الدولار أصابت آثارها كل القطاعات واستهدفت جميع الفئات والطبقات المجتمعية. والاثر الأكبر يصيب دائما الفئات الأكثر تهميشا. وكأن نظام الكفالة الذي لطالما شكل عبودية مقنعة لم يكن يكف هؤلاء العاملات فأتت الازمة الاقتصادي والمالية والكورونا لتزيد من التحديات. ربما تشكل هذه الازمات صدمة إيجابية تُعيد الأمور إلى موازينها وتلغي جزء من نظام الكفالة والعبودية الذي ترسخ في مجتمعنا. هذا المجتمع الذي دأب على التظاهر والتعالي يعود اليوم إلى حجمه الطبيعي والأدوار المتعارف عليها. مفهوم السيد والعبد سوف يندثر عما قريب.
TAG : ,العاملات الأجنبيات ,أزمة الدولار ,الجوع ,Domestic workers