تتمتّع منطقة زحلة منذ العام 1923 بامتياز حصلت عليه شركة كهرباء زحلة لإدارة قطاع الكهرباء، بحيث تستمدّ الطاقة من مؤسسة كهرباء لبنان بتعرفة مدعومة وتنتج أيضا الطاقة الكهرمائيّة من نهر البردوني لتصل الكهرباء إلى منازل المشتركين بكهرباء زحلة 24/24 بتعرفة أقل بنسبة 40% سابقا مقارنة بما يدفعه المواطن اللبناني بين كهرباء لبنان واشتراك المولدات الخاصة.
واعتمد نموذج زحلة على فاتورة موحّدة تجمع تعرفة كهرباء لبنان يضاف اليها الاستهلاك من الطاقة المولدة من كهرباء زحلة بكلفة 150 ليرة للكيلواط الواحد ومن دون اي قيمة تصاعدية، اي مهما بلغت الكمية المستهلكة سيبقى سعر الكيلواط 150 ليرة.
ووسط معاناة الشعب اللبناني مند عقود وزر الأزمة في مجال الطاقة وتأمين الكهرباء التي تفاقمت مع الأزمة الاقتصادية الراهنة، علت الأصوات المطالبة لاستنساخ تجربة زحلة في كل المناطق اللبنانية ليصبح "حلم" الكهرباء حقيقة.
وبفعل الامتياز، امتلكت كهرباء زحلة كل المنشآت والمعدّات ومحطات توزيع الكهرباء على أن تعود هذه الملكيّة إلى كهرباء لبنان عند انتهاء الامتياز في العام 2018.
ونظرا للعديد من الأسباب السياسية، إضافة إلى عدم قدرة كهرباء لبنان استلام هذا القطاع، تم تحويل الامتياز إلى عقد تشغيلي تنتهي مفاعيله عام 2020. وينصّ العقد على استكمال شركة كهرباء زحلة على دورها كمشغّل للإنشاءات الواردة في الإمتياز على أن يتم إعادة ملكيّتها إلى كهرباء لبنان. وعند انتهاء مدة العقد تم التمديد له سنتين إضافيتين دون إعادة ملكيّة الإنشاءات إلى كهرباء لبنان.
وفي حزيران 2021 ورد من وزارة الطاقة والمياه مشروع مرسوم تحويل إنشاءات إمتياز زحلة إلى مؤسسة كهرباء لبنان تنفيذا للبند (د) من المادة الأولى من القانون، بانتظار عرضه على مجلس الوزراء كونه ضمن المتابعات التي تقوم بها الحكومة وفق الخطة المنشورة في المرصد الوطني إضافة إلى إعادة النظر ببنود العقد التشغيلي.
فكيف تتمّ إدارة قطاع الطاقة في زحلة بظلّ تمديد العقد التشغيلي؟ وما مصير هذا القطاع بعد انتهائه؟
لا فرق كثيرا بين العقد التشغيلي والامتياز، فعند انتهاء الامتياز تعود ملكية المعدات والمنشآت المنصوص عليها إلى كهرباء لبنان، ومع العقد التشغيلي بقيت عمليا نفس آلية التشغيل مع صفة كهرباء زحلة كمشغّل لما تمتلكه كهرباء لبنان، مع اختلاف هامش الأرباح وإسم العقد.
لكن ومع انتهاء الامتياز، كان من المفترض إعادة ملكية الإنشاءات أي كل المنشآت ومحطات التوزيع والمعدّات إلى كهرباء لبنان، الأمر الذي لم يتمّ حتى اليوم إذ لم يستكمل العمل بمرسوم تحويل ملكية الانشاءات إلى كهرباء لبنان الصادر عن وزارة الطاقة والمياه ولم يتمّ عرضه على مجلس الوزراء بغية صدور نصوصه التطبيقيّة.
بدل من ذلك وفي العام 2020 ومع انتهاء مدة العقد التشغيلي، تمّ الإتفاق في لجنة الأشغال النيابية على تمديد العقد مرة جديدة لمدّة سنتين على أن يتمّ إجراء مناقصة خلال هذه المدّة لاختيار العرض المناسب لإدارة الكهرباء.
وصادق مجلس النواب "بالإجماع"، في جلسته بتاريخ 21 كانون الأول 2020، على اقتراح قانون معجّل مكرّر رقم 107/2018 يقضي بـ"تمديد العقد التشغيلي لكهرباء زحلة".
ويقول الخبير الدستوري وفيق ريحان لـ"مهارات نيوز" إنّ تمديد العقد يجري بنفس الشروط والمواد المنصوص عليها، إضافة إلى أن عملية التمديد لا تحتاج قانونيا إلى مراسيم تطبيقية بل يكفي الاستحصال على موافقة مجلس النواب.
تعرفة كهرباء لبنان
استحصلت زحلة سابقا على الطاقة من شركة كهرباء لبنان بموجب الامتياز على سعر 50 ليرة للكيلوواط بينما المناطق الأخرى كانت تستلمه بسعر 75 إلى 80 ليرة، أما في 2018 فقد ارتفعت التعرفة إلى 88 ليرة بموجب العقد التشغيلي الجديد(القانون 107/2018)، وكانت توزعها كهرباء زحلة بما يصل إلى135 ليرة للكيلوواط، ليبقى هذا السعر المدعوم (88 ليرة( أقلّ من التعرفة التي يدفعها المواطن اللبناني في مناطقٍ تابعة لتغطية مؤسسة كهرباء لبنان، وهي بمعدّل 135 ليرة ما يشكل نقل للريوع من المركز الذي هو كهرباء لبنان.
ويقول رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب لـ"مهارات نيوز" إنّه لا يعلم تسعيرة الكيلوواط التي تسلّمها كهرباء لبنان لكهرباء زحلة اليوم لكنّ التكلفة على المواطن اليوم تبلغ بين الـ4000 والـ5000 ليرة للكيلوواط.
في الخلاصة يحصل المشتركون في مؤسسة كهرباء لبنان والمشتركون في كهرباء زحلة على الطاقة من القطاع العام بأقلّ من كلفة الإنتاج، ويبقى الفارق أن في المناطق المستفيدة من كهرباء لبنان يحصل المواطن اللبناني على الدعم، بينما في زحلة والجوار تستفيد كهرباء زحلة من هذا الدعم على حساب المواطن الزحلاوي.
لذلك وكاستنتاج لما سبق، لا يمكن استنساخ تجربة زحلة في مناطق أخرى لما تحمّله لكهرباء لبنان من خسائر، ويجب الأن إعادة النظر بالتعرفة وبالريوع، فهامش الأرباح ساعد نكد بدعم المنطقة اجتماعيا وتشكيل قاعدة جماهيرية تعطي أولوية لل24/24 بغض النظر عن قانونية الملف وتأثيراته على الشبكة العامّة وعلى كهرباء لبنان كمرفق للدولة.
العدادات الذكية
سابقا كان المواطن الزحلاوي يستلم فاتورة كهرباء واحدة يدوّن فيها كمية الاستهلاك من كهرباء لبنان(60%( ومن كهرباء زحلة)40%( ويتمّ احتساب متوسّط سعر الكيلوواط ما يسمح بهوامش ربح أعلى وغير شفافة.
في العام 2018، وبموجب العقد الجديد، تم طلب فصل كهرباء لبنان عن كهرباء زحلة باعتماد فاتورتين واحدة لكهرباء لبنان وأخرى لكهرباء زحلة، الأمر الذي أظهر إضافة تعرفة ثابتة قيمتها 15,000 ليرة لبنانية عن كلّ اشتراك ما زاد الأرباح الإجمالية بنحو 3 ملايين دولار في 2019 مقارنة مع 2017 وقبل تدهور سعر صرف الليرة.
وبشكل متوازي، يجب على الشركة تركيب عدادات ذكية ليتسنّى للمواطن التفريق بين مصروف الكهرباء من الشبكة العامة والكهرباء من كهرباء زحلة إذ أن العدّاد الواحد كان يخفي حقيقة تفاصيل الاستهلاك، بحيث تُحتسب التعرفة بحسب ساعات التقنين لا بحسب الاستهلاك الفعلي للمشتركين. فإذا تبين أن كهرباء الدولة وصلت إلى المشتركين بمعدل 60% من إجمالي الـ24 ساعة، فإن الفاتورة تُحتسب على أساس 60% بحسب تعرفة الدولة و40% بحسب تعرفة المولّدات، بالرغم من أن المشترك قد يكون استهلك كمية أكبر من الكهرباء المدعومة في مقابل تقليص استهلاكه عبر المولّدات.
ولا يوجد حتّى اليوم سوى 10 إلى 15 ألف عداد بينما يفوق عدد المشتركين ال70 ألف ما يشكّل إخلالا في ما نصّ عليه العقد الجديد.
وفي هذا الإطار يقول زغيب أنّ عملية تركيب العدادات بدأت بشكل بطيء، لكن المشكلة في ارتفاع سعر الدولار مع الحفاظ على حقّ المواطن بمعرفة متى يستهلك كهرباء مدعومة(كهرباء لبنان) ليزيد استهلاكه ومتى تكون الكهرباء من المولدات لتقليص استهلاكه.
وقد أكّد مدير كهرباء زحلة ناجي جريصاتي في مقال نشرته جريدة الأخبار أن عملية تركيب العدادات ستستكمل في السنتين القادمتين. أما واقع الحال اليوم وبحسب المعلومات أن العدادات موجودة في مؤسسة كهرباء لبنان التي تحدد آخر كل شهر كمية الاستهلاك من الشبكة العامة ومن المولدات، لكن لا تزال المشكلة بانعدام الشفافية بحق المواطنين في الإطلاع على هذه الأرقام لمعرفة حجم استهلاكهم من الكهرباء المدعومة وغير المدعومة.
تجربة مضيئة ولكن
لا شكّ أن تجربة زحلة شكّلت تجربة مضيئة على مرّ السنوات بينما كانت الكهرباء حلما لدى باقي المناطق اللبنانية، إضافة إلى أن المشروع الذي يولّد طاقة كهربائية بقوة 60 ميغاواط يؤمّن فرص عمل لأكثر من 50 عائلة لبنانية، وهو مشروع صديق للبيئة بطاقة 24/24. وفي الجانب التقني كان سبب هذا النجاح هو الجباية 100% مع هدر فني وسرقات لا تتعدى نسبته الـ4%.
وبالرغم من ذلك، يتمّ التعاطي اليوم مع الملف بشكل خارج عن ما هو منصوص في القانون لجهة وجوب استلام مؤسسة كهرباء لبنان لإنشاءات امتياز زحلة كما نصّ البند (د) من المادة الأولى من القانون رقم 107/2018، الأمر الذي لم يطرح لليوم على مجلس الوزراء، إضافة إلى وجوب تعديل التعرفة لتخفيف الخسائر على مؤسسة كهرباء لبنان التي لا تستفيد من العقد التشغيلي كما يحق لها.
وأيضا يجب تركيب عدادت تسمح للمواطنين بالتفريق بين استهلاكهم من الكهرباء المدعومة (مؤسسة كهرباء لبنان) ومن الكهرباء غير المدعومة (كهرباء زحلة) فاعتماد عداد واحد يسمح بهامش كبير من عدم الشفافية في احتساب كمية الاستهلاك ما يعطي فرصا أكبر للاستفادة من الكهرباء المدعومة على حساب جيوب المواطنين.
وفي ما يخص خصخصة الكهرباء، صرّح رئيس مجلس إدارة "كهرباء زحلة" أسعد نكد سابقا برفضه مبدأ الخصخصة على قاعدة أن الامتياز ينتهي في العام 2018 عندها يصبح لزاماً على الشركة تسليم الدولة المحطات وكامل الشبكة ومعداتها من دون أي مقابل.
إلّا أنه وفي المقابل، وردا على السؤال حول ما يحول دون استلام كهرباء لبنان لملف الطاقة في زحلة، يقول زغيب لـ"مهارات نيوز" إن منطقة زحلة لا تريد أن تكون تحت إدارة كهرباء لبنان في وضعها الحالي السيء، فشركة كهرباء زحلة محترفة في عملها، وفي المقابل لا يشكّل التمديد حلا، إنما الحل هو في رؤية واستراتيجية بعيدة وبإقرار الدولة لدفتر الشروط وإجراء مناقصة كما هو منصوص في العقد التشغيلي تقضي باستلام شركة خاصة إدارة الطاقة في زحلة بعقد لا تقلّ مدّته عن 20 سنة.
ويجب أن تكون مدّة العقد مع الشركة الرابحة للمناقصة لا تقلّ عن 20 سنة، ما يفتح المجال أمام الاستثمار بمجال مزارع الطاقة الشمسيّة (solar farm) لاستمداد الطاقة وبيعها للشركة الخاصة بسعر منخفض وبالتالي وصولها للمواطن أيضا بسعر منخفض مع هامش ربحي صغير ومدروس للشركة المستلمة والذي لن يتخطّى الـ 4 سنتات للكيلوواط بحسب ما يفيد زغيب.
ولا يخفى على المواطنين سوء حال مؤسسة كهرباء لبنان نتيجة للفساد والتحاصص إضافة إلى سوء الإدارة التي أوصلت المواطن إلى خدمة كهرباء سيّئة وعجز أدّى إلى انقطاع شبه كامل للكهرباء على الأراضي اللبنانية
في هذا الإطار يرى أيّوب أن مؤسسة كهرباء لبنان لم تستلم القطاع لعدم قدرتها على إدارته بدءا من التوزيع وصولا إلى الجباية، إضافة إلى عدم إمكانية دفع أجار المولدات فضلا عن اللاعدالة التي ستطرأ بإعطاء زحلة 24 ساعة كهرباء وممارسة التقنين القاسي في غير مناطق.
و يحتاج قطاع الطاقة في لبنان إلى خطّة استراتيجيّة على المدى البعيد وتحديد ما إذا كانت ستكون خطة مركزية أو لا مركزية لقطاع الكهرباء، فالإتجاه نحو خطة لا مركزية، يحتّم على الدولة إجراء تعديلاتٍ وتحسيناتٍ لنموذج كهرباء زحلة الموجود حالياً، حتى لا يكون نجاح القطاع على حساب الريوع التي تقدمها الدّولة له.
ولا بدّ أن تكون الطاقة البديلة جزء من الخطة والرؤية، لما تؤمّنه من استفادة من موارد الطبيعة بتأمين الكهرباء للمناطق والمرافق العامّة تدريجيا مما يخفف على الشبكة العامّة ومن استهلاك المحروقات وبالتالي تخفيف العبئ على خزينة الدولة وتخفيف العتمة على المواطن اللبناني تدريجيا وصولا لتحقيق "حلم" الـ24/24.
TAG : ,كهرباء زحلة ,كهرباء لبنان ,الامتياز ,العقد التشغيلي ,سعر الكيلوواط ,العدادات ,وزارة الطاقة ,المنشآت ,تمديد العقد التشغيلي ,قانون رقم 107/2018