Loading...

النظام الضريبي في لبنان "مشلول" وإصلاحه طريق للإنقاذ المالي

 

في ظلّ الانهيار الاقتصادي المستمرّ في لبنان وفي بحث عن سبل الإصلاحات الاقتصادية التي قد تشكّل بداية لمسار عودة الانتظام المالي، يشكّل النظام الضريبي العادل، أحد أعمدة هذا الإصلاح المالي. وكان قد عبّر صندوق النقد الدولي في بيانه  الصادر في 23 آذار 2023، عن أهمية توسيع الوعاء الضريبي، وسد الثغرات القائمة، وتحسين الامتثال الضريبي لمختلف فئات المكلفين من خلال تقوية الإدارة الضريبية وتحديثها. 

 

وفي نظرة على السياق الاقتصادي في لبنان، أدّى اعتماد تدابير ضريبية بشكل منعزل عن بعضها البعض إلى خلل في النظام الضريبي، بالإضافة إلى أن النظام الضريبي لا يحصّل ما فيه الكفاية من الإيرادات بالعودة إلى ما ذكره صندوق النقد الدولي، إذ انخفضت نسبة الضرائب من الناتج المحلي من 15.1% في العام 2019 إلى 6.6% في أواخر 2021.

 

 

وقد أدّى عدم رفع نسب الضرائب قبل الأزمة الماليّة، إلى تكبيد خزينة الدولة أكلافا مرتفعة بنسبة 1% من الناتج المحلي أي ما يتراوح بين 34 و 36 مليون دولار من فوائد الدين بحسب ما ذكرت المراجعة التشخيصية للنظام الضريبي في لبنان التي أطلقها معهد باسل فليحان المالي وجمعية "financially wise".

 

وما بعد الأزمة المالية في لبنان، ازدادت كلفة عدم التحصيل الكافي للضرائب بسبب تباين أسعار الصرف لتقدّر خسائر الايرادات الناجمة عن سوء تقييم الرسوم الجمركية بما يقارب الـ4.8% من الناتج المحلي. كما، أضافت المراجعة العديد من الاستنتاجات على صعيد السياق الاقتصادي الكلي.

 

يعاني النظام الضريبي في لبنان العديد من الثغرات، فبحسب أداة التقييم التشخيصي للإدارة الضريبية (TADAT) فإن سجلات المكلّفين (كل شخص خاضع للضريبة) لا تزال عرضة  لمخاطر الدقة في تسجيل البيانات وللجرائم الإلكترونية، بالإضافة إلى أن ضعف إدارة المخاطر يؤدّي إلى ثغرات تخدم فئة من المكلفين على حساب خزينة الدولة كالتهرّب الضريبي وغيرها.

 

يذكر أن "TADAT" هي أداة تقييم تشخيصي للإدارة الضريبية صمّمت لتقديم تشخيص موضوعي لصحة مكوّنات النظام الضريبي في بلد معيّن. وتعتمد الأداة على 9 مجالات رئيسية تغطّي وظائف وعمليات ومؤسسات إدارة الضرائب، وتستند الأداة إلى 32 مؤشر كل واحد منها مبني على 1-5 أبعاد تشكّل بمجموعها 55 بعد قياسي. ويهدف التقييم إلى تحديد نقاط القوة والضعف في النظام الضريبي ومؤسساته، تيسير وجهة نظر مشتركة حول حالة نظام إدارة الضرائب بين جميع أصحاب المصلحة، وضع جدول أعمال الإصلاح، تيسير إدارة وتنسيق الدعم الخارجي للإصلاحات ورصد وتقييم تقدم الإصلاح من خلال عدة تقييمات.

 

وفي ظل انهيار العملة يوما بعد آخر، يؤدّي التأخير المتكرّر لدفع الضرائب إلى ازدياد التمييز بين المكلفين، فمع مرور الوقت من دون دفع الضرائب تتأثّر القيمة الفعلية للضرائب سلبا في ظل انهيار العملة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني النظام الضريبي من قلّة التدقيق، الأمر الذي يزيد من احتمالية التهرب الضريبي.

 

القدرات البشرية في الإدارة الضريبية: معاناة وهجرة

كحال معظم المؤسسات العامة ونتيجة لتدهور ظروف العمل وزيادة الكلفة المعيشية التي تفاقمت مع بداية الأزمة واستمرار انهيار العملة، تراجع أداء الموظفين العامين بشكل كبير، ومن المتوقّع أن تعاني الادارة الضريبية نقصا في القدرات البشرية.

 

في هذا الإطار، تقول رئيسة معهد باسل فليحان المالي لميا مبيّض، أن الكوادر البشرية الموهوبة والتي تعمل على التطوير في المجال الضريبي تهاجر ويتم توظيفها في مؤسسات عالية المستوى في الخارج، ويشكّل فقدان هذه القدرة البشرية إحدى المشاكل الأساسية التي تواجه النظام الضريبي في لبنان.

 

فجوة الأثر التصاعدي للضرائب: ملف معقّد ومتشرذم

ألقت المراجعة الضوء على ثغرات في التصميم التصاعدي للضرائب بما في ذلك ضريبة الدخل ورسم الانتقال وضريبة الأملاك المبنية. يذكر أن رسم الانتقال هو رسم يفرض على جميع الحقوق والأموال المنقولة وغير المنقولة.

 

وفي تفاصيل هذه الثغرات، فإن غير المقيمين على الأراضي اللبنانية لا يخضعون للضريبة التصاعدية، ضريبة الأملاك المبنية ليست على نحو تصاعدي تراكمي، أي وكمثال على ذلك من يملك عدّة مباني ومجمّعات سكنية يدفع ضرائب كالذي يمتلك مبنى واحدا وليس بشكل تصاعدي. وقد زاد انهيار قيمة العملة اللبنانية من تراجع أثر تصاعدية الضرائب بفعل الفروقات في سعر صرف الدولار.

 

من ناحية أخرى، أدّت التعديلات على قانون الموازنة العامة للعام 2022 إلى زيادة الهوة والتفاوت الضريبي بين المكلّفين إذ أجاز تعديل القانون تقسيط الضرائب لمدة 3 سنوات ما يؤثّر عمليا على قيمة الضرائب.

 

في هذا السياق، أشار الخبير الاقتصادي في جمعية "financially wise" أن ملف الضريبة التصاعدية في لبنان معقّد ومتشرذم ويعاني من الاستنسابية، لذلك يجب أن يكون هناك نقاش وطني لتحديد ما هو شكل ونوع الضرائب التي سيتمّ اعتمادها باتجاه تحقيق العدالة الضريبية والعدالة الاجتماعية.

 

وأضاف: "لا يمكن التحدث عن عدالة اجتماعية دون اللجوء إلى الضرائب التصاعدية التي تتيح فرض ضرائب أكبر على الأكثر دخلا وإعادة توزيعها عبر سياسات حماية اجتماعية تؤمّن العدالة للمواطنين.

 

بالإضافة إلى ذلك، يسود النظام الضريبي في لبنان ما يسمّى "المعاملة التفضيلية" بما في ذلك من اعفاءات وتنزيلات كثيرة مصمّمة لصالح قطاعات محدّدة ولفئات محددة من دافعي الضرائب، وهذا الاستخدام المفرط للمعاملة التفضيلية يوسع مبدأ اللامساواة بين المكلفين، كما انه يجعل من الصعب على الإدارة ضبط الاجراءات والتحكم بها بالإضافة إلى احتمال الاستنسابية في تطبيق القوانين.

 

أما مبيّض، فقد اعتبرت أن المشاكل الأساسية للنظام الضريبي تتمثّل في 3 نقاط هي:

- تعدد وتشرذم النصوص القانونية.

- الخراب في الإدارة الضريبية وفقدان القدرات البشرية.

- تعدد وتشرذم المفاهيم داخل النظام الضريبي، مثال على ذلك استنسابية الضرائب التصاعدية.

 

في ظلّ هذه الثغرات العديدة التي يعاني منها النظام االضريبي في لبنان، خلصت المراجعة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية النظام اللبناني، إلى مسارين يمكن اعتمادهما للإصلاح الضريبي.

 

توصيات للوصول إلى حلول عادلة

المسار الأوّل هو سيناريو طويل الأمد من شأنه أن يرسخ الإصلاح في صلب الحوار المجتمعي والنقاش السياسي ويخلق بيئة حاضنة لإعادة بناء أو تصميم هيكلية نظام ضريبي موجّه نحو المزيد من التصاعدية بما في ذلك الضرائب الموحّدة وضريبة الثروة والضرائب المخصصة….

 

أما المسار الثاني فيتمثّل بتنفيذ تدابير تصحيحية لتثبيت النظام القائم في أجل قصير ومتوسّط. ومن بين هذه التدابير تحسين تحصيل الإيرادات وإنهاء استنزاف القدرات وتحديث السياسات وتوحيد الإجراءات وتعزيز مشاركة المواطنين.

 

بحسب المراجعة فإن طريق الحل يأتي عبر إحدى المسارين:

- المسار الأول بترسيخ الإصلاح في صلب الحوار المجتمعي والنقاش السياسي، وهو سيناريو طويل الأمد

- المسار الثاني يتمثّل بتنفيذ تدابير تصحيحية قصيرة ومتوسّطة الأمد منها تحسين تحصيل الايرادات، انهاء استنزاف القدرات البشرية، تحديث السياسات، توحيد الاجراءات وتعزيز مشاركة المواطنين

 

في هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي في جمعية "financially wise": " الخيار الأول هو خيار طويل الأمد ويحتاج إلى لحظة سياسية جامعة، أما في حال وجود بوادر تغيير واضحة ستكون عبر إجراءات تصحيحية معيّنة، ونحن على علم اليوم أن هناك بعض الخطوات التي تقوم بها وزارة المالية مع صندوق النقد الدولي".

 

اما عن المسار السياسي لملف تعديل النظام الضريبي، قد أكّدت مديرة معهد باسل فليحان المالي لميا مبيّض أن المسار السياسي للملف صعب ومعقّد كونه بحاجة لفهم عميق للمشكلة من المعنيين بالإضافة إلى العراقيل السياسية التي قد تقف أمام السير في الملف، مشيرة إلى جهوزية المعهد للإنطلاق في الملف في اللحظة المناسبة التي يأتي فيها التغيير السياسي إما عبر المؤسسات أو عبر مبادرة ذاتية من وزارة المالية.

 

وأضافت مبيّض أن لحظة التغيير لم تعد ببعيدة فالدولة لا يمكنها الاستمرار من دون إيرادات، ولا يمكنها الذهاب بعيدا بإضافة الضرائب على المجتمع بشكل عشوائي.

 

في السياق عينه، لحظت موازنة العام 2023 سلّة من الضرائب الجديدة منها رفع شرائح الضرائب المفروضة على الدخل، فرض ضريبة بنسبة 10 بالمئة على كافة المواد الخام المصدرة إلى الخارج، فرض ضريبة على الممتلكات العقارية وغيرها من الضرائب التي تطرح العديد من الأسئلة حول الآلية العلمية التي اعتمدت من أجل إقرار هذه الضرائب الجديدة.

 

TAG : ,النظام الضريبي ,الضرائب ,وزارة المالية ,معهد باسل فليحان المالي ,ضريبة تصاعدية ,نظام ضريبي عادل