صحيح جزئياً
أوضح وزير الماليّة في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل في تصريح، أنّ "مشروع الموازنة العامّة للعام 2025 يعتمد على تعزيز الجباية، تمكين الالتزام الضّريبي، توسيع القاعدة والحدّ من التّهرّب لتعزيز الواردات (والحدّ من تمادي الاقتصاد غير الشرعي).
يصف الخبير في ادارة المال العام اسكندر البستاني مشروع موازنة 2025 بأنه يتضمن توجّه لتعزيز الجباية من خلال تعديل بعض الرسوم التي لم تكن قد تعدلت بعد، بالإضافة إلى إجراءات فيما يخص ضريبة الرواتب والأجور وغيرها من الضرائب أو الرسوم لتعكس قيمتها الفعلية مما يُمكّن الإدارة الضريبية من تعزيز الجباية. كما تم تعديل المواد التي تتعلق بصاحب الحق الاقتصادي بحيث يُغطي جميع أنواع الأنشطة التي يمكن أن يقوم بها، وتفرض غرامات إضافية في حال أغفل عن التصريح أو الدفع، "ويمكن اعتبار هذا الإجراء من ضمن الإجراءات التي من شأنها أن تكافح التهرب الضريبي".
ويوضح اسكندر أنه هناك إجراءات أخرى لمكافحة التهرب الضريبي "ليس بالضرورة أن تظهر في الموازنة"، لكنها مرتبطة بشكل مباشر بقدرة وزارة المال على الرقابة وتقييم المخاطر والتدقيق، وهذا أيضًا يجب النظر إليه، وتخصيصه من ضمن أولويات سياسة تعزيز الإيرادات الضريبية ومكافحة الاقتصاد غير الشرعي.
بالطبع هناك ارتباط بين (تعزيز الجباية، الالتزام الضريبي، الحد من التهرب) وبين مكافحة الاقتصاد غير الشرعي، بحسب اسكندر. "والهدف الذي يجب أن تعمل عليه الحكومة هو توسيع دائرة الاقتصاد الشرعي ومحاولة شرعنة "الاقتصاد غير الشرعي" من خلال اتخاذ إجراءات لحث جميع الأعمال على التسجيل والتصريح" إنما يجدر الذكر أن مثل هذه الإجراءات يجب أن تندرج ضمن خطة حكومية شاملة لمكافحة الاقتصاد غير الشرعي تشمل جميع الوزارات والأجهزة المعنية.
ما هو الاقتصاد غير الشرعي وأضراره ؟
تُعرّف منظمة العمل الدولية الاقتصاد غير المنظم (غير الشرعي) "بأنه سائر الأنشطة الاقتصادية للعمال والوحدات الاقتصادية التي لا تشملها - في القانون أو في الممارسة العملية - إطلاقًا أو على نحو غير كاف التدابير الرسمية، والعمل غير المنظم الذي يمكن القيام به في جميع القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة".
بمعنى آخر، يمكن اعتبار الاقتصاد غير المنظم هو الذي يعمل خارج نطاق القوانين ويشمل الأنشطة الاقتصادية التي لا يتم تسجيلها أو فرض الضرائب عليها بالإضافة إلى العمال والأجراء الذين لا يتم التصريح عنهم.
يمكن في بعض الأحيان القول أن الاقتصاد غير المنظم يساهم بخلق فرص عمل وبزيادة النمو الاقتصادي في الدول الهشة والفقيرة. إلا أن السلبيات تكون في معظم الأحيان أكثر من الإيجابيات. فيؤدي التهرب الضريبي وعدم تسجيل الأعمال والنشاطات التجارية في الاقتصاد غير المنظم إلى حرمان السلطة التنفيذية من إيرادات ضريبية مهمة، مما يؤثر على قدرتها على توفير الخدمات العامة، والبنية التحتية، وزيادة الرواتب والأجور.
ويساهم تضخم حجم الاقتصاد غير المنظم بتشويه المنافسة بين الشركات المرخصة والأخرى غير المرخصة مما يؤثر سلبًا على أرباح الشركات النظامية وعلى نوعية وجودة السلع والخدمات المقدمة. يفتقر العاملون بالقطاع غير المنظم من الحماية الاجتماعية والتأمينات الصحية ومعاشات التقاعد أو تعويضات نهاية الخدمة مما يجعلهم عرضة لظروف عمل غير لائقة ولمخاطر اقتصادية واجتماعية.
وإن كان تحسين الإجراءات الضريبية في الموازنة لأي دولة يساعد في تنظيم قضية الاقتصاد غير الشرعي ولكن لا بد لهذه الإجراءات في لبنان أن تكون جديّة وواقعية في مقاربة عمق الأزمة الحالية.
فبالعودة إلى تقرير وزارة المالية نجد أن التعديلات الضريبية المقترحة في مشروع موازنة 2025 هي:
في ضريبة الدخل (المادة 63 ):اقتطاع الضريبة من الرواتب بالعملات الأجنبية وتحويلها إلى الليرة اللبنانية عند الإيفاء على سعر الصرف 89500.
قانون الإجراءات الضريبية (المادة 44) :تعريف صاحب الحق الاقتصادي بما يتناسب مع التعريفات الدولية وتعديل غرامات عند عدم التصريح.
قانون رسم الطابع المالي (المادة 67 ) إدخال وسائل دفع متعددة، لاستيفاء رسم الطابع المالي.
رسم الطابع المالي (البند 46) تعديل رسم أعلى الإيصالات :تحديد 2 دولار أو يورو للإيصالات بالعملات الأجنبية.
ضريبة الأملاك المبنية (المادة 31 ) تعديل رسم تسجيل سنوي بقيمة 200,000 ل.ل. على عقود الإيجار.
مهلة إضافية للإعتراضات الضريبية :منح المكلفين مهلة 6 أشهر إضافية لتقديم الاعتراضات بسبب عدم إمكانية التبلغ.
تمديد وقف قانون ضريبة الأراضي حتى 31/12/2027.
تعديلات مختلفة: تعديل الرسوم الخاصة بالخدمات العقارية وبالنسبة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية التي لا تطال ذوي الدخل المحدود، وتصحيح الغرامات والرسوم الخاصة بتسجيل الملكية الأدبية والفنية.
وفي السياق يقول أستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور خليل جبارة أن موازنة ٢٠٢٥ التي أقرها مجلس الوزراء يوم الاثنين في ٢٣ أيلول تضمنت بعض التصحيحات أو الإجراءات الضريبة البسيطة.
ويضيف جبارة أنه وبخلاف ما صرح به وزير المالية لم تتضمن هذه الموازنة إجراءات للحد من التهرب الضريبي ولضبط الاقتصاد غير النظامي. فليس هناك إجراءات مقترحة لتسهيل وتبسيط ومكننة عملية تسجيل الشركات وتخفيف الأعباء الإدارية على الشركات صغيرة الحجم لتشجيعها على التسجيل. ولم تلحظ الموازنة حوافز للشركات مثل بعض الإعفاءات من الرسوم والضرائب لتشجيعها على التسجيل أيضًا.
"ليس واضحًا الإجراءات التي سيتم اتخاذها لمكافحة التهرب الضريبي وتعزيز القدرات والإمكانيات في الإدارات والأقسام في وزارة المالية المسؤولة عن مراقبة الشركات والأفراد. وليس واضحًا أيضًا الإجراءات والقرارات التي ستساهم بعودة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى تقديم خدمات صحية واجتماعية للعمال والأجراء. فإن وجود ضمان اجتماعي فاعل هو محفز مهم للعمال للمطالبة بتسجيلهم".
إذًا وبناء على ما سبق، فإنه صحيح جزئيًا أن مشروع موازنة العام 2025 يحدّ من تمادي الإقتصاد غير الشرعي. فبالرغم من وجود بعض الإجراءات التي تدفع باتجاه الالتزام الضريبي وبعض التعديلات الضريبية البسيطة الاّ أن الأمر بحاجة الى خطة حكومية شاملة لمكافحة الاقتصاد غير الشرعي تشمل جميع الوزارات والأجهزة المعنية.