مع التوسع الهائل في استخدام التطبيقات الرقمية، أصبحت خدمة رسائل التطبيقات (A2P) ضرورة لا غنى عنها للتحقق من هوية المستخدمين وتأمين التواصل الفعال. تلعب هذه الخدمة دورًا حيويًا في إرسال رموز التحقق، وتنبيهات المعاملات المالية، والإشعارات المهمة. وشهد قطاع الاتصالات اللبناني تساؤلات عدة حول كيفية تلزيم خدمة A2P إلى شركات لا تتمتع بالخبرة اللازمة للقيام بهذه المهمة. لا سيما أن هذه الشركات أخلت بالعقود الموقعة لناحية دفع المستحقات، وذلك بحسب تقرير ديوان المحاسبة، مما أدى إلى حرمان شركتي الاتصالات من أموال ضخمة.
تعتبر خدمة A2P هي اختصار لـ "Application-to-Person"، وتعني إرسال الرسائل من التطبيقات إلى الأفراد. تتضمن هذه الرسائل رموز للتحقق من هوية المستخدمين عند تنزيل اي تطبيق على الهاتف، اضافة الى رسائل تنبيه مرتبطة بالمعاملات المالية، والإشعارات المهمة. وتعمل هذه الخدمة عبر شركات الاتصالات والشركات الوسيطة، التي تتولى التعاقد مع التطبيقات وتضمن وصول الرسائل بأمان.
عقود A2P مع "تاتش" و"ألفا"
وقعت شركتا "الفا" و"تاتش" العقود في منتصف العام 2023، وتلخصت نتيجة المزايدتين على النحو التالي: أظهرت نتائج مزايدة شركة Touch المتعاقدة مع "ان موبايلز" لتلزيم خدمات A2P لمدة ثلاث سنوات، حدًا أدنى لعدد الرسائل النصية يبدأ من 31 مليون رسالة في السنة الأولى، ليصل إلى 34 مليون رسالة في السنة الثالثة، وقد تم تحديد السعر الفردي للرسالة الواحدة خارج ضريبة القيمة المضافة (TVA) بـ 0.075 يورو في السنة الأولى، و 0.076 يورو في السنتين الثانية والثالثة، وبلغ الحد الأدنى للعائد السنوي المضمون 2.325 مليون يورو في السنة الأولى، ليصل إلى 2.584 مليون يورو في السنة الثالثة، بإجمالي إيرادات متوقعة خلال ثلاث سنوات قدرها 7.379 مليون يورو.
أما نتائج مزايدة شركة Alfa المتعاقدة مع "فوكس سوليوشن" لتلزيم خدمات A2P لمدة ثلاث سنوات، فقد أظهرت حدًا أدنى لعدد الرسائل النصية (SMS او Flash Call) يبدأ من 46.666 مليون رسالة في السنة الأولى، ليصل إلى 56.800 مليون رسالة في السنة الثالثة. وتم تحديد السعر الفردي للرسالة الواحدة خارج ضريبة القيمة المضافة (TVA) بـ 0.105 يورو في السنة الأولى، و 0.115 يورو في السنة الثانية، و 0.125 يورو في السنة الثالثة. وبلغ الحد الأدنى للعائد السنوي المضمون 4.9 مليون يورو في السنة الأولى، ليصل إلى 7.1 مليون يورو في السنة الثالثة، بإجمالي إيرادات متوقعة خلال ثلاث سنوات قدرها 17.9 مليون يورو.
شبهات هدر وفساد في المناقصات
كشف تقرير ديوان المحاسبة ان شركتي "إن موبايلز" و"فوكس سوليوشنز" ارتكبتا مجموعة من التجاوزات في العقدين الموقعين مع وزارة الاتصالات، حيث اشار التقرير الى:
تجاوزات شركة "إن موبايلز" مع "تاتش":
لم تلتزم شركة "إن موبايلز" بدفع السعر المتفق عليه عن الرسائل القصيرة للسنة التعاقدية الأولى، حيث دفعت أقل بكثير من المبلغ المطلوب. كما لم تجدد الكفالة المصرفية المنصوص عليها في العقد، ولم تلتزم بالشروط التعاقدية للسنة الثانية، ولم تحول المبلغ المتفق عليه لشركة تاتش.
إضافة إلى ذلك، زادت شكاوى المشتركين بشكل كبير بسبب عدم حصولهم على الرسائل القصيرة من التطبيقات، وتأخر إطلاق المزايدة الجديدة، مع عدم التقيّد بتوصيات هيئة الشراء العام، وعدم اعتماد نفس الشروط التأهيلية التي كانت موضوعة في دفتر الشروط السابق.
تجاوزات شركة "فوكس سوليوشنز" مع ألفا:
تأخر إطلاق خدمة A2P من قبل شركة "فوكس" لمدة تزيد عن ١٣ شهراً، أي بعد مرور فترة طويلة على توقيع العقد والتاريخ المتفق عليه للإطلاق. وبعد مطالبة شركة "ألفا" لشركة "فوكس" بتسديد الالتزام وفقاً للعقد، طلبت الشركة إعادة النظر في حجم التزامها السنوي وتخفيضه بشكل كبير.
كما طالبت شركة "فوكس" بتعديل العقد قبل البدء الفعلي بالتنفيذ، وهو ما يخالف المبادئ والمعايير الواجب مراعاتها في العقود الإدارية، حيث أن تعديل العقد من صلاحيات الإدارة فقط، ولا يجوز المطالبة بتنفيذ بنود معينة قبل البدء بالتنفيذ.
الإجراءات التي قام بها ديوان المحاسبة والتوصيات التي فرضها
في إطار جهود ديوان المحاسبة لمكافحة الفساد في قطاع الاتصالات، قام الديوان بإعداد تقرير مفصل يكشف تجاوزات في عملية تلزيم خدمة A2P، بما في ذلك تلاعب شركة "تاتش" بشروط المزايدة، وتأهيل شركات غير مستوفية للشروط، وشبهات حول تزوير شركة "إن موبايلز" للمستندات، وتورط وزير الاتصالات السابق بالتواطؤ. وقد أحال الديوان هذا التقرير إلى القضاء، وأصدر توصيات لوزارة الاتصالات تشمل مراجعة القوانين، وإعادة المزايدات وفقًا لقانون الشراء العام.
وأكد التقرير على انه يجب على وزارة الاتصالات تفعيل الرقابة، وتطبيق الشفافية، ومراجعة العقود، وتطبيق قانون الشراء العام، ومحاسبة المتورطين، وإعادة هيكلة القطاع لضمان المصلحة العامة. وتتطلب هذه التجاوزات إجراءات حاسمة وشفافة لتطبيق القانون ومحاسبة المتورطين.
كما أعد الديوان تقرير مفصل يوثق المخالفات والتجاوزات في عملية التلزيم، وبناءً على تقريره الصادر في 6/3/2025، يرى ديوان المحاسبة ضرورة إطلاق مزايدة جديدة وفقاً لأحكام قانون الشراء العام، وذلك بهدف تصحيح المخالفات التي شابت عملية التلزيم الحالية.
كما اقترح الديوان النظر في إمكانية إجراء مزايدة موحدة لنظام الرسائل النصية للشركتين معاً في المستقبل، وذلك بهدف تحقيق تكافؤ الفرص وتوفير أفضل الأسعار للدولة.
وأكد الديوان على أهمية الابتعاد عن القرارات الارتجالية في إدارة موارد الدولة، وضرورة التخطيط السليم وإجراء دراسات الجدوى المالية قبل اتخاذ أي قرار. وفي السياق نفسه شدد على ضرورة مراعاة قواعد الحوكمة الرشيدة القائمة على الشفافية والموضوعية والثبات، ووضع خطط استراتيجية واضحة لإدارة المشاريع، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية الوقت والقيمة المالية.
مهارات تقدم طلب معلومات
للحصول على معلومات دقيقة حول صفقة تلزيم خدمة A2P من قبل شركتي الخليوي، تقدمت مؤسسة مهارات بطلب معلومات إلى وزارة الاتصالات اللبنانية، استنادًا إلى قانون حق الوصول إلى المعلومات رقم 28 بتاريخ 2017/2/10. يحمل طلب رقم ٦٠٧/م م وتاريخ 19 آذار 2025.
تضمن الطلب الحصول على نسخ من عقود التلزيم المبرمة بين شركتي "تاتش" و"إن موبايلز" وكل من شركتي "ألفا" و"فوكس سوليوشنز"، بالإضافة إلى دفاتر الشروط التي استندت إليها الوزارة في عملية التلزيم. كما طلبت مهارات الحصول على تفاصيل المبالغ التي دفعتها الشركتان مقابل هذا التلزيم وتواريخ الدفع، وذلك بهدف الوقوف على الشفافية في هذه الصفقة وتفاصيلها المالية والإدارية.
آلية الوصول إلى حل للأزمة
أكد الخبير في الاتصالات وسيم منصور في تصريح لـ "مهارات نيوز" على ضرورة تطبيق شركتي "تاتش" و"ألفا" لتوصيات ديوان المحاسبة، وتحصيلهم لأموال الدولة المتفق على دفعها في العقود والعمل على دفتر شروط جديد وموحد.
ولفت منصور إلى أن ليس من المطلوب فسخ العقود مع شركتي "تاتش" و"ألفا" والبقاء من دون شركة وسيطة، بل العمل على طرح مزايدة جديدة واختيار شركات جديدة تستوفي الشروط المناسبة للمصلحة العامة والخزينة، ومن ثم إلغاء كل ما هو قديم، أي أن المسار واضح للحل، وعند إيجاد شركات بديلة نلغي الشركات القديمة.
وشدد منصور إلى أن الدولة تمتلك "الفا" و"تاتش" بالتالي يجب تطبيق قانون الشراء العام، من خلال العمل على دفتر شروط موحد ويلتزم أعلى معايير الشفافية، والقيام بمناقصة منفصلة لكل شركة للحصول على العرض الأفضل.
في السياق، قال مسؤول التواصل في منظمة سمكس "عبد قطايا" لـ "مهارات نيوز" بأنه بعد صدور توصيات ديوان المحاسبة، يجب على الوزارة إجراء مناقصة جديدة تضمن تحقيق إيرادات للقطاع دون تأخير، مع فرض عقوبات في حال التقاعس. وأكد على ضرورة الحفاظ على المال العام، مشيراً إلى وجود شبهات فساد وتواطؤ منذ البداية.
وأوضح قطايا أن مناقصة "فوكس سوليوشن" بدأت بشكل جيد، لكن شركة فوكس بدأت بالمماطلة والتأخر في الدفع وتوصيل الرسائل. ورغم مطالبة ديوان المحاسبة الوزير السابق خمس مرات بإجراء مناقصة جديدة لشركة "تاتش"إلا أنه لم يلتزم، مما يثير تساؤلات حول وجود مصالح شخصية، وتساءل عن سبب عدم مطالبة شركة "تاتش" بالمثل.
وشدد على ضرورة قيام الدولة بإجراء مناقصة جديدة فوراً. وبعد الانتهاء منها، يجب التوجه نحو المحاسبة والقضاء لتحديد المسؤولين عن هدر الأموال لمدة ثلاث سنوات ونصف، وتحديد حجم الأموال المهدرة. وهو ما أكده منصور، ولفت الى أن "هذا الملف اليوم عند وزير الاتصالات الجديد"، حيث يجب دراسة الملف، وتحويله للنيابة العامة المالية. كما يجب ملاحقة مدراء شركات الاتصالات وشركات الوسطاء المتورطين في الفساد أيضاً ومحاسبتهم.