Loading...

بين التأكيدات الرسمية ومخاوف الخبراء البيئيين: الخوف من التعامل العشوائي مع ردم الحرب

 

بدأ العمل على رفع الركام والدمار الذي خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، ريثما ننتقل إلى مرحلة إعادة تأهيل البنية التحتية والمرافق العامة وإعادة الإعمار، وأيضاً الانتهاء من الكشف الميداني على الأبنية وصحتها الهندسية. ولكن ميدانياً، كيف بدأت أعمال رفع الأنقاض وإزالة الردم ووفق أي آلية وشروط ومعايير؟ لاسيما أن الركام يحتوي على بقايا الأبنية المهدمة وألواح الطاقة الشمسية وبطاريات، وكل ما كانت تحويه الأبنية من فرش ومقتنيات.

 

ولهذا الغرض، كلّفت الحكومة السابقة عملية تلزيم إزالة الردم في الضاحية الجنوبية لبيروت لاتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، وللهيئة العليا للإغاثة في البقاع وبعلبك، ومجلس الجنوب في الجنوب.

 

لا شك أن مراعاة الشروط البيئية أولوية، خصوصاً أن بقاء بعض المخلفات بين الركام قد يحدث أثراً بيئياً سلبياً إذا لم تتم معالجته بالطرق السليمة، وتحديداً فيما يتعلق بالألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم، علماً أن المواطنون اللبنانيون باتوا يعتمدون على الطاقة الشمسية على نحو كبير بعد أزمة الكهرباء.

 

وتحتوي الألواح الشمسية على مواد كيميائية ضارة، وظيفتها تعزيز جذب الحرارة الكهرومغناطيسية من الشمس، بحيث كل لوح يتضمن السيليكون والألمنيوم والزجاج، وإعادة تدويرها يحتاج إلى طاقة كبيرة ومعامل خاصة وتكلفة مالية كبيرة. أما مختلف البطاريات، فإعادة تدويرها الخيار الناجع لحماية البيئة لاحتوائها على مواد خطرة.

 

الردم في الضاحية.. هل من سموم؟

حول بقايا الألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم بين الركام في الضاحية الجنوبية لبيروت، كونها إحدى المناطق اللبنانية التي تعرضت إلى الاستهداف الكبير، يقول علي الموسوي، مدير شركة البنيان، (الشركة التي فازت بعقد إزالة الردم في الضاحية الجنوبية) أنها تؤخذ من قبل السكان أو الأفراد وليس الشركة، أسوة بباقي المقتنيات الصالحة للاستخدام، لافتاً إلى أن الشركة تنتشل من أرض الموقع الحديد والألمنيوم والنحاس وتعطيه لتجار الحديد وما تبقى من الردم بكل ما يحتوي من خرسانة وحجارة وكرتون وبلاستيك وبقايا المفروشات وقماش وإسفنج وغيره ينقل إلى عقار قدمه اتحاد البلديات ليصار إلى فرزه.

 

ويشير الموسوي إلى أنه عقب الانتهاء من عملية الفرز، وبحسب العقد الموّقع مع الإتحاد، سينقل كل ما سبق ذكره من مواد قابلة لإعادة التدوير إلى معامل إعادة تدوير حاصلة على موافقة من وزارة البيئة.

 

وحول باقي الردم، يوضح الموسوي أنه وفقاً إلى قرار مجلس الوزراء، سينقل إلى مطمر الكوستا برافا على أن يراعي المواصفات والشروط المحددة من قبل المطمر، كاشفاً أنه حتى اللحظة لم تنقل إلى المطمر ومازالت متواجدة على العقار الذي وفره الإتحاد ريثما يتم الحصول على موافقة وزارة البيئة، موضحاً أن حجم الردم بلغ ما بين 700- 800 ألف متراً مكعّباً.

 

وفي هذا الإطار، يلفت الموسوي إلى أن الشركة تعد تقريراً بيئياً ستقدمه إلى وزارة البيئة في القريب العاجل وبعد موافقتها ينقل الردم المفروز إلى الكوستا برافا، وأيضاً يجب أن يحظى بموافقة مجلس الإنماء والإعمار.

وحول احتواء الردم الذي تم فرزه على مواد سامة وضارة، يكشف الموسوي أن الفحوصات المخبرية الدورية التي أجرتها الشركة لغاية اليوم، أثبتت خلوه من أي مواد سامة أو ضارة.

 

والجدير بالذكر أن المادة 21 من قانون البيئة /444 2002 تنص على أنه يتحتم على الجهات المعينة في القطاعين العام والخاص إجراء دراسات الفحص البيئي المبدئي أو دراسة تقييم الأثر البيئي للمشاريع التي قد تهدد البيئة بسبب أثرها أو نشاطاتها وتراجع وزارة البيئة هذه الدراسة، وتوافق عليها بعد ملاءمتها لشروط السلامة البيئية والموارد الطبيعية. أما بالنسبة للمشاريع القائمة فتوضع خطة الالتزام البيئي.

 

وزارة البيئة.. الإلتزام البيئي أولوية!

في الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء بتاريخ 7 كانون الثاني الماضي، قرّر تكليف مجلس الإنماء والإعمار توسعة مطمر النفايات في منطقة الغدير المعروف بمطمر الكوستا برافا، حيث سيُستخدم ركام الأبنية المدمّرة في الضاحية عبر استيعاب كميّة من الردم يصل حجمها إلى 1.4 مليون متر مكعب.

 

وفي سياق متصل، سبق وصرّح وزير الأشغال والنقل السابق علي حمية، "لسنا من انصار القاء الردم في البحر، وبموجب قرار مجلس الوزراء هناك مشروع لتوسعة المطمر وفق المعايير البيئية والعالمية، ونحن سنعمل على توسعة مطمر الكوستا برافا، والهدف الأساس السرعة في الإنجاز ورفع الانقاض".

 

وفي هذا السياق، أكد حمية الالتزام بالإرشادات والمعايير البيئية، لاسيما أن وزارة البيئة قدمت لائحة المقالع والكسارات في المشاعات وفي القطاع الخاص مبنية على مسح  قام به الجيش منذ فترة ، وعلى هذا الأساس تم إقفال بعض المقالع والكسارات، وهناك حاجة لترميمها.

 

كذلك، ووقف ما جاء في مقررات مجلس الوزراء في جلسة 17 كانون الأول الفائت، "سوف تقوم الجهات الثلاث التي ستتولى عملية التلزيم، بموجب العقد نفسه، بتحديد مكان الردم بالتنسيق مع وزارة البيئة لاختيار موقع من هذه المواقع للردم. أما عملية الفرز فقرر مجلس الوزراء وجوب أن تتم  كلها بإشراف وزارة البيئة.

 

من جهتها، تذّكر وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين بأن "وزارة البيئة أصدرت إرشاداتها بخصوص المسار البيئي الذي يجب أن تتبعه عملية معالجة الركام وهي إرشادات منبثقة عن أفضل الممارسات الدولية ومنها التي يوصي بها البنك الدولي الذي سيساهم لاحقا في تغطية بعض الأكلاف، موضحةً في تصريح لـ "الأنباء" أن "هذا المسار لا يخص فقط ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات بل أيضا الذخائر وكل ما يجب فرزه كي يصبح الركام قابلا لإعادة الاستخدام سواء في بنى تحتية كتوسعة مطمر الكوستا برافا او حتى  طرقات، او لإعادة تأهيل مواقع متدهورة بيئيا كالمقالع والكسارات". 

 

وحول مطمر الكوستا برافا، تشير الزين أن الحل أتى نتيجة الحاجة لتوسعة المطمر، مشددةً على أن "استخدام الركام المفروز والمعالج مرهون طبعا بمدى الالتزام بالمسار البيئي اللازم قبل اعادة الاستخدام".

 

وتجدر الإشارة إلى أن "الضوابط البيئية أدرجت في دفتر الشروط الذي على أساسه تقدم المتعهدون بعروضهم."، كما تلفت الزين. وتشير الى أن كل الجدل الدائر من قبل بعض الجهات ناجم عن مخاوف وعدم دراية بكل الجوانب التي نعالجها منذ تسلمنا الوزارة فالمشكلة لم تكن في الحلول التقنية فهي متعارف عليها دوليا و تبنيناها. 

 

وتعتبر الزين أن المشكلة كانت في إدارة الملف ونقص الأموال اللازمة و"هذا ما عملنا عليه طيلة الشهرين المنصرمين وأدرجنا تمويلا إضافيا عبر البنك الدولي لإتمام العمل على المسار البيئي المطلوب لأن التمويل من قبل الحكومة السابقة لن يكون كافيا إلا لتغطية المرحلة الأولى من المعالجة والباقي نغطيه في المرحلة الثانية الممولة من البنك الدولي ووفق أفضل الشروط المتبعة عالمياً".

 

وكشفت مصادر مواكبة لجريدة "الأنباء" الإلكترونية أنه ليس من المؤكد أن الحكومة الحالية ستبقى على قرار الحكومة السابقة بنقل الردم الذي رفع من الضاحية الجنوبية إلى مطمر الكوستا برافا، إذ أن هناك خطط بديلة قيد البحث والمتابعة، وفي طور العمل والنقاش مع البنك الدولي في هذا الصدد، عبر توفير آلية لطحن الركام واستخدامه مجدداً والابتعاد عن خيار ردمه في البحر.

 

مخاطر وتوصيات 

"فرز وتجميع كلّ الركام جرّاء مخلفات الحرب وإعادة التدوير بمعدّات وطرق حديثة وموجودة يعدّ الحلّ الأفضل للتخلّص من الملوّثات التي سببتها الحرب الأخيرة"، كما يوضح الخبير البيئي ورئيس حزب البيئة، الدكتور ضومط كامل.

ويلفت كامل إلى أنَّ القرار الذي اتخذته الحكومة السابقة بردم هذه المخلفات جميعها هو قرار غير سليم"، مشدداً على وجوب أن تتوفر معدّات حديثة جداً، مع إنشاء مركز في كلّ حيّ تُفرز فيه المعادن عن البحص والحجارة والخرسانة والحديد وإعادة تدويرها لينتج عنها البحص والرمل المطلوبان في إعادة الإعمار.

 

ويشير إلى أنَّ التلوث البيئي خطير جداً بفعل البلاستيكيات والبطاريات والقذائف وكلّ ما كانت تحتويه المنازل المدمرة، معتبراً أنه يجب وضع خطة علمية بإشراف علماء بيئة، بعيداً عن المحاصصة والسرقات التي تهيمن على الملف اليوم.

 

يختم كامل بالتشديد على أن إعادة التدوير يجب أن تشمل كلّ المعدات، ليعاد استعمالها، كما وأنَّ المطلوب من الوزارات المعنية من الصحة والبيئة والاشغال والداخلية، القيام بواجبها على أن تصدر تقارير وفق النتائج المرجوة، بالإضافة إلى دور قيادة الجيش والأجهزة الأمنية إذ أن ما نواجهه يعدّ كارثة كبرى تتطلب تدخل الدولة لحماية البلد والمنطقة، بانتظار قرار دول الحوض المتوسط التي قد تتضرر إثر هذا التلوّث، والاطلاع على الاتفاقيات الدولية والالتزام بها.

 

وفي حال رمي الركام في البحر، بكلّ ما يحتويه من بطاريات ومعادن ثقيلة وألواح شمسية وقذائف متفجرة وغير متفجرة، يحذّر كامل من أنه سيكون سبباً في تلوث البحر حتّى 100 عامٍ آخر، ويؤثّر بشكل مباشر على دول الشرق المتوسط من مصر إلى تركيا.

وفي سياق متصل، أكّد كامل وأيضاً الموسوي استنادا إلى الفحوص التي أجرتها الشركة أنَّه لم تُستخدم الأسلحة النووية، وهو ما سبق وأعلنه الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية.

 

بدورها ترى مديرة قسم المشاركة المجتمعية في كلية الصحة بجامعة البلمند الدكتورة حبوبة عون، أن طمر الألواح الشمسية وبطاريات الردم دون معالجة هو قرار غير مستدام يمكن أن يؤدي إلى تلوث البيئة والمياه والتربة، مما يؤثر سلباً على الصحة العامة والسلامة الاجتماعية"، مشددة على أنه "من الضروري إيجاد حلول فاعلة لمعالجة هذه النفايات السامة، مثل إعادة التدوير أو التخلص الآمن منها، لضمان الحفاظ على البيئة وحماية صحة الإنسان والسلامة العامة". 

 

ومن ناحية أخرى، ثمة تبعات اقتصادية وفق عون متمثلة في أن "طمر الألواح الشمسية وبطاريات الردم قد يعطل فرص التنمية المستدامة في المنطقة، وذلك في حالة تعرض البيئة لهذه المواد السامة، قد يصبح من الصعب تنمية قطاعات مثل الزراعة أو السياحة أو حتى إقامة مشاريع طاقة جديدة، مما يؤدي إلى إعاقة النمو الاقتصادي للمنطقة".

 

بانتظار ما ستؤول إليه الخطة النهائية لمعالجة مسألة الردم الناتج عن الحرب الإسرائيلية الأخيرة، على كل لبنان وتحديداً الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب كونها المناطق الأكثر تضرراً، فالسلامة العامة والبيئة والتزامات لبنان الدولية يجب أن تكون في صلب أي خطة أو توجّه مستقبلي، وإعطائها الأولية على سرعة إعادة الإعمار أو أي تكاليف مادية.

 

يُنشر هذا التقرير في إطار زمالة صحافية تنظمها مؤسسة "مهارات" حول "التغطية الإعلامية لمسار الإصلاحات". وقد تم نشره أيضًا على موقع الأنباء.