تلقت الدولة اللبنانية عام 2021 مبلغ 1.139 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة المخصصة من صندوق النقد الدولي للدول المتعثرة، الدولة وكعادتها صرفت الأموال بلا حسيب أو رقيب ليتبقى من المبلغ فقط 70 مليون دولار مع نهاية العام 2023، بحسب ما أوضح مصدر مسؤول بوزارة المال في تصريح لـ«الشرق الأوسط».
سياسة الإنفاق العشوائي المُتّبعة في لبنان استمرت رغم الإنهيار الإقتصادي، حيث صرفت وزارة المال تلك الأموال من دون أن تقدّم مسار الصرف بشكل رسمي، وهو ما دفع بالنواب ابراهيم منيمنة، ياسين ياسين، بولا يعقوبيان، فراس حمدان لتقديم كتاب إلى وزارة المالية يطلبون فيه تزويدهم بمعلومات تفصيلية حول كيفية صرف مبالغ قرض الـ SDR وهو مليار و139 مليون دولار.
طلب الكتاب المرسل استيضاح عن صرف مبلغ 134 مليون و152 ألف دولار على القمح، ومبلغ 69 مليون و406 آلاف و868 دولار صرفت على استيراد البنزين والمازوت، ومبلغ 7 مليون دولار صرفت على أشغال عامة، ومبلغ 683 ألف و396 دولار صرفت على رسوم قانونية لوزارة العدل، ومبلغ 13 مليون و249 ألف و618 دولار صرفت على جوازات السفر، ومبلغ 163 مليون و518 ألف و153 دولار صرفت على قروض، ومبلغ 34 مليون و946 ألف و434 دولار صرفت على رسوم حقوق السحب الخاصة".
وبمعادلة حسابية بسيطة يتّضح أن ما يُعادل 423 مليون دولار فقط صُرّح عن كيفية صرفها بينما لا يزال مصير باقي الأموال والتي تُقدّر بحوالي 700 مليون دولار مجهولًا.
يذكر أن الكتاب ليس الأول من نوعه، إذ سبق للنواب في أيلول الماضي توجيه كتاب إلى وزارة المال ومصرف لبنان لتوضيح كيفية صرف الأموال، إلّا أن مصرف لبنان رد على الكتاب بأنه غير مخوّل الإفصاح عن كيفية الصرف وإنما الجهة المخوّلة هي وزارة المال، وبعد زيارة النائب فراس حمدان في الشهر نفسه إلى الوزير يوسف خليل استمهل خليل أسبوعًا لإعداد المطلوب، إلا أنّه ومع مرور 3 أشهر على الاستمهال، لا جواب بعد عن كيفية صرف الأموال.
صرف دون موافقة مجلس النواب
تم صرف الأموال الخاصة بحقوق السحب بدون موافقة مجلس النواب، وبطريقة عشوائية على قطاعات أساسية، بينما كان يفترض أن تمرّ بلجان وكشف حساب وفواتير وغيرها من الإجراءات القانونية التي توضح طريقة الاستفادة من أموال الـSDR.
ويوضح النائب فراس حمدان في حديثه لموقع "مهارات نيوز" أن الأموال صُرفت على قطاعات متعددة، ولم يتم أخذ الموافقة من مجلس النواب لطريقة الصرف إنما الموافقة كانت فقط عبر مجلس الوزراء، وهو ما يُعتبر مخالف للقانون، وما حدث أن الأموال صُرفت بشكل كلي من دون معرفة المستفيدين ووفق أي آلية ومعايير، وأي شفافية ومن هي الشركات التي استفادت من القرض، معتبراً أن علامات استفهام كثيرة تُطرح على صرف هذا المبلغ الضخم خلال فترة قصيرة.
وعن زيارته لوزير المالية لاستيضاحه عن كيفية صرف أموال حقوق السحب الخاصة، قال حمدان إن "وزير المال طلب أسبوع لتحضير الإجابة وبعد مرور أشهر على الاستمهال، تقدمت بكتاب لفهم كيفية الصرف وذلك ضمن قانون حق الوصول إلى المعلومات، وسأتابع الموضوع مع النواب حتى نصل إلى المعلومات، وفي حال عدم الإجابة هناك مسارات قانونية عديدة، من ضمنها توجيه أسئلة إلى الجهات المانحة لطلب استفسار من الحكومة عن مصير الأموال".
قالت الخبيرة الاقتصادية محاسن مرسل في حديثها لـ"مهارات نيوز" أن هدف الأموال هو ضخّها في الاقتصادات لتحسين نسب النمو، بينما لبنان كان لديه رأي آخر حيث فتحت الحكومة حساب في مصرف لبنان، وصرفت وبددت الأموال بطريقة عشوائية، القسم الأكبر منها أُنفق على شراء الأدوية المستعصية، ولم يتبقى من المبلغ سوى 70 مليون دولار وهو مبلغ لا يكفي شهر أو شهرين في لبنان، ما يطرح أسئلة عديدة عن كيفية صرف الحكومة اللبنانية للأموال في الأشهر القادمة على الأدوية أو الفيول أو القروض؟"
ورأت مرسل أن الحكومة اللبنانية لم تلتزم بما تعهّدت به أمام البرلمان اللبناني، بعدم صرف أي مبلغ من دون نيل موافقة البرلمان وأن الأموال صُرفت خلافًا للقوانين المالية المرعية الإجراء، وخلافًا للتعهد الذي قدّموه للمجلس النيابي، وستترك هذه الخطوة انعكاسات سلبية على مصداقية لبنان أمام المانحين.
وأضافت مرسل أن الأسئلة التي طرحها النواب واقعية ومن حق كل لبناني الوصول إلى طريقة الصرف، وهو ما دفع لجنة المال والموازنة إلى إحالة الملف إلى ديوان المحاسبة.
إحالة الملف إلى ديوان المحاسبة
قرّرت لجنة المال والموازنة في تشرين الأول 2023 إحالة ملف حقوق السحب الخاصة إلى ديوان المحاسبة لوجود مخالفات فيه، من فتح حسابات خاصة في مصرف لبنان، إلى عدم العودة لمجلس النواب لقوننة الإنفاق، بحسب ما أعلن رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان.
وقال كنعان، في تصريح له من مجلس النواب حينها وبعد اجتماع اللجنة بحضور وزير المال ومصرف لبنان لمتابعة موضوع إنفاق أموال حقوق السحب الخاصة ومناقشة السند القانوني الذي اتبعته الحكومة لهذا الإنفاق، إنّ "صرف أموال حقوق السحب الخاصة من الحكومة تمّ بشكل مخالف للقانون لأنّها لم تأت إلى مجلس النواب ولم تحصل على موافقته". وشدّد على أنّه لا يحق للحكومة ومصرف لبنان فتح حسابات من دون المرور بالخزينة.
أشار الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في حديثه لـ"مهارات نيوز" إلى أن وزارة المال بررت صرف 80% من الأموال على أمور أساسية كالدواء والفيول والقمح وغيرها، ولكن لا دليل على كيفية صرف الأموال حيث لا يوجد أي فاتورة توضح كيف بددت الأموال، حيث بررت وزارة المال بأن 43 بالمئة من الأموال ذهبت للدواء، وهو مبلغ كبير ويمكن أن يكون غير صحيح.
ورغم إحالة الملف إلى ديوان المحاسبة، وتوجيه كتاب إلى وزارة المال ومتابعة النواب لطريقة صرف الأموال، إلا أنه لا اجابات واضحة أو شفافة من قبل الحكومة عن كيفية الصرف، وفي ظل عدم طلب المانحين من الدولة توضيح طريقة الصرف، فإن ما تبقى من أموال ستُصرف دون رقيب، ما يطرح أسئلة عديدة عن مصير تمويل الدولة لمرضى السرطان وغسيل الكلى إضافة إلى قطاعات حيويّة أخرى.