Loading...

لبنان في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة: إنجاب الأطفال للميسورين فقط

 

لطالما حلمت دنيا عبد حماد وهي أم لفتاة تبلغ من العمر سبع سنوات أن تنجب لها أخاً أو أختاً "ليربيا سوياً" على حد قولها. لكن حلمها بات مؤجلاً في ظل الأزمة الإقتصادية التي يشهدها لبنان، والتي باتت تدفع العديد من الأسر اللبنانية الى التفكير ملياً قبل الإقدام على خطوة الإنجاب.

تقول دنيا (30 سنة) وهي ربّة منزل لموقع مهارات نيوز، "لدي وضع صحي منذ ما بعد فترة حملي السابقة، وإذا اتخذت قرارالحمل مجدداً سيكون عليّ أن أسير على بروتوكول علاجي من أدوية وإبر ترافقني طيلة التسعة أشهر وهذا مستحيل في وضعنا".

وتوضح "أصبح سعر الإبرة الواحدة قرابة المليون ونصف ليرة إن وجدت أصلاً وأنا بحاجة لأخذها يومياً. كما أن التكلفة الروتينية للحمل أصبحت باهظة جداً، لذلك قررت أن أتناسى الموضوع وأؤجله إلى حين تحسن الأوضاع".

 

لا يتعلق الأمر، وفق دنيا، بكلفة العلاج أثناء الحمل فقط، وتسأل "كيف لي أن أنجب طفلاً في ظروف مماثلة؟ فأنا مسؤولة عنه ويجب أن أكون قادرة على تأمين حياة كريمة له، وللأسف ما زال المجتمع من حولنا يعتقد أن "الولد تأتي رزقته معه".

 

خلال السنتين الماضيتين، شهدت أسعار مستلزمات الأطفال من حليب وحفاضات ولقاحات قفزة جنونية حيث أصبحت كلفتها تفوق قدرة المواطن اللبناني الذي تآكلت قدرته الشرائية على وقع الانهيار الاقتصادي وفقدان الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار. 

على وقع الأزمة، اعتاد اللبناني تغيير نمط حياته بما يتناسب مع وضعه وحجم الكارثة الاقتصادية، ووجد كثر أنفسهم مجبرين على التخلي عن حق من حقوقهم الأساسية وهو الحق في الإنجاب وتكوين أسرة.

وتشكل تجربة دنيا عيّنة عن تجارب العديد من اللبنانيين. وان كانت لدنيا فرصة إنجاب طفلة، فإن حلم مصطفى البرناوي (46 سنة) بالإنجاب بات مشروعاً مؤجلاً لا أفق له .

 

يحاول مصطفى وهو موظف في شركة أمن الاعتياد على فكرة عدم الإنجاب، رغم مضي سنوات عدة على زواجه. لكن ظروفه التي كانت سيئة أساساً وفاقمتها الأزمة الحالية وسط غلاء المعيشة وانهيار القدرة الشرائية، كل ذلك جعله يلغي الفكرة، خصوصاً أنه بالكاد يقوى وزوجته على تأمين مصروفهما اليومي.

ويقول لموقع مهارات نيوز "لا يوجد إنسان لا يرغب بتكوين أسرة وإنجاب طفل، لكن للأسف نحن في هذا البلد لا نملك مقومات الحياة".

ويذهب الى حد القول "أفضّل أن أبقى بلا أولاد طوال حياتي على أن أنجب طفلا لا أستطيع تأمين الحليب والحفاضات له، أو أعجز عن تعليمه ويصبح عالة او ربما انسان غير صالح".

 

لا ينكر مصطفى انزعاجه من هذا الوضع، خصوصاً أن زوجته عاطفية جداً وهي ككل امرأة ترغب في اختبار شعور الأمومة. وجراء ذلك، دائماً ما يفكر بالهجرة الى أوروبا، من أجل تحسين ظروفه المعيشية، ما من شأنه أن يمهّد لقرار الإنجاب.  

 

تراجع مستمر

وتبدو تداعيات الأزمة الاقتصادية واضحة على عدد الولادات الذي انخفض  بحسب المديرية العامة للأحوال الشخصية من قرابة 93 ألف طفل عام 2018 الى 68 ألفاً عام 2021. 

ويبدو هذا الرقم مرشحاً للانخفاض أكثر مستقبلاً، بعدما بات تكبّد تكاليف الحمل والولادة وتأمين مستلزمات الطفل من حليب ودواء ولقاحات شبه مستحيل، ناهيك عن كلفة الاستشفاء الخيالية مع غياب شبه تام لدور الجهات الضامنة، التي باتت مساهمتها رمزية. 

 

 

الحوامل في خطر

يشرح رئيس دائرة التوليد في مستشفى المقاصد البروفيسور سعد الدّين عيتاني أن الأزمتين الإقتصادية والمالية وتفشي وباء كورونا كلها أسباب ساهمت في ابتعاد الأزواج عن فكرة الإنجاب، وأدت بالتالي إلى انخفاض نسبة المواليد وارتفاع معدلات الوفيات.

ويوضح عيتاني أن السبب الرئيسي الذي يدفع الأزواج لتأجيل الإنجاب هو انخفاض قدرتهم الشرائية وانهيار العملة المحلية، وهو ما فرض ارتفاعاً حاداً في الفواتير الطبية وفي ثمن الأدوية. ويشير كذلك الى توقف الحوامل عن إجراء الزيارات الروتينية إلى العيادات النسائية، وهو ما يُترجم بمشاكل صحية خطيرة لدى الأم والجنين.

وبرزت كذلك زيادة في حالات الولادة في المنازل عبر القابلات القانونيات اللواتي، وإن كنّ أصحاب خبرة وكفاءة تُحترم، وفق عيتاني، لكنهنّ لا يغنين عن المستشفى وما فيها من تجهيزات ضرورية في حال أصاب الحامل أي طارئ أثناء عملية الولادة.

ويقول "هذه الأزمة وعدم تلقي النساء الحوامل للرعاية الصحية اللازمة أثناء فترة الحمل بسبب وضعهم المادي تسببان مشكلة كبيرة تهدّد حياة الأطفال".

ويضيف "من وجهة نظري، إيصال المرأة الحامل الى يوم الولادة بسلام وبدون مشاكل صحية أهم من عملية الولادة نفسها".

 

TAG : ,إنجاب الأطفال ,الأزمة الاقتصادية ,الإنجاب ,العائلات اللبنانية