Loading...

صحّة اللبنانيات في السجون مهدّدة في ظلّ الأزمة الإقتصادية

 

لا تقتصر معاناة المحكومات في السجون اللبنانية على حرمانهن من الحرية فحسب، بل تكاد تكون الصحة التي تعدّ  أغلى ما يملكه الإنسان بمثابة ترف، خصوصًا في ظلّ الأزمة الإقتصادية التي تشهدها البلاد منذ ثلاث سنوات.

 

وإذا باتت المرافق والمؤسسات العامة عاجزة عن تأمين احتياجات المواطنين الأساسية على وقع هذه الأزمة، فلا يبدو المشهد مختلفًا داخل السجون المكتظة أساسًا والتي يفتقر الموجودون داخلها لأبسط مقومات الحياة الرئيسية، لا سيما النساء منهم.

 

وتوضح هدى قرى، المديرة التنفيذية لجمعية "دار الأمل" في حديث لموقع "مهارات نيوز"، أن "الدولة باتت عاجزة عن تأمين الاحتياجات والخدمات المعيشية الضرورية للسجينات من مواد غذائية ومواد تنظيف وأدوية، بالإضافة إلى مستلزمات النظافة الشخصية لا سيما للنساء الحوامل والمرضعات، أو حتى اللواتي يمرنّ بفترة الحيض".

 

وتقول "ما من طبيبة نسائية مثلًا لمتابعة السجينات، يدخل أطباء للفحص دوريًا ولكنهم ليسوا اختصاصيين". وتكمن المشكلة الأكبر، على حدّ قولها، في "عدم توفّر الأدوية خصوصًا على وقع إرتفاع أسعارها، هذا إن وُجدت، بينما تؤمن الدولة جزءًا بسيطًا منها"، ما يرتّب عبئًا كبيرًا على كاهل الجمعيات والمنظمات التي تُعنى بشؤون السجينات، بينها دار الأمل.


 

أطفال وإهمال 

تفرض المعايير والقواعد الدولية، تأمين الغذاء والملابس والحاجات الطبية والصحية المرتبطة بمتابعة اختصاصيين للمرأة الحامل، أو مواكبتها بالإرشاد النفسي وتأمين غرفة خاصة لها في مرحلة ما قبل الولادة وبعدها. 

 

لكن في لبنان، وكما تشرح قرى، "تجد السجينة الحامل أو المرضعة نفسها نزيلة بين عشرين أخرى في زنزانة صغيرة، في ظلّ تقنين للكهرباء ووجود مدخّنات في الغرفة نفسها، ما يشكل انتهاكًا لحقوقها وحقوق طفلها الصحية". 

 

وفيما يهمل القانون اللبناني طفل الأم السجينة، تسعى جمعية "دار الأمل"، على غرار جمعيات أخرى تنشط في السجون، لتوفير الرعاية الصحية له والحليب وحاجاته الخاصة من حفاضات وملابس و ملاءات، بحسب قرى.

 

ومن الواضح أن الأزمة الإقتصادية إنعكست بشكل كبير على وضع السجون في لبنان المتردي أساسًا. وباتت السجينات عمومًا مع وجود إحتياجات صحيّة خاصة بهن، والحوامل والمرضعات خصوصاً يدفعن فاتورة مزدوجة جرّاء هذه الأزمة.

 

ويقول المحامي عماد عمّار، في تصريح لموقع "مهارات نيوز"، إن "وضع السجون في لبنان سيء أساسًا، إذ لا يتم التزام الحدّ الأدنى من احترام حقوق الإنسان، لكنه تفاقم وازداد سوءًا في ظلّ الأزمة الإقتصادية".

 

ويضيف "أثّر هذا الوضع بشكل خاص على النساء السجينات، نظرًا لتراجع شروط النظافة"، ما يؤدي بالتالي إلى تفشي وانتقال الأمراض نتيجة قلة الإغتسال وقلّة النظافة.

 

ولا تحصل النساء الحوامل بطبيعة الحال، وفق عمّار، على الرعاية الصحية المطلوبة من فحوصات دورية ومتابعة طبية لمعرفة ما تحتاجه من أدوية وفيتامينات أو إذا كانت تعاني من مشكلة بالحمل مثلًا، " فما من سجن في لبنان يتوفر فيه التصوير بالموجات فوق الصوتية للجنين وقد تحصل بالتالي حالات وفاة للأم أو للجنين بسبب الإهمال".

 

في لبنان، أربعة سجون مخصّصة للنساء، تتوزّع بين بيروت وزحلة وبعبدا وطرابلس، وتضم قرابة 300 سجينة وفق إحصاءات تعود للعام 2020. ولا تضمّ محافظتا الجنوب والنبطية سجونًا للنساء.

 

وتشرح الأخصائية الاجتماعية في  جمعية "دار الأمل" سلام مُغربي أن "نزيلات السجون عمومًا، والأمهات خصوصًا، يواجهن صعوبة في زيارة أهاليهن لهن بسبب ارتفاع كلفة المواصلات" تدريجيًا خلال العامين الماضيين. وتضيف "غالبًا ما تتضاعف مع هذه المعاناة الضغوطات النفسية على المرأة" إذ أنها "تفتقر للدعم من ذويها وزوجها". 

 

وبات الاتصال الهاتفي الأسبوعي الطريقة الوحيدة للتواصل اليوم بين السجينات وأفراد عائلاتهن. وتوضح مُغربي أن مديرية السجون "تسمح بإجراء إتصال فيديو بين السجينات الأمهات وأولادهن".

 

توصيات 

للحدّ من الانتهاكات الحاصلة، يقول باسم حمد، محامٍ بالاستئناف وناشط في حقوق الإنسان، إن الحلّ يكون أولًا بترميم أو تغيير مباني السجن لتصبح سجونًا تؤدي الغاية منها وفق المعايير الدولية، وبما يتوافق مع حقوق الإنسان الصحية لجهة التهوئة والتعرض للشمس، وتصحيح الخلل، وتجهيز أماكن الطعام والطبخ، وتخصيص مكان حقيقي بمساحة مناسبة للنزهة والرياضة.
 

ويشدّد على أهمية "تجهيز عيادة صحية ثابتة في كل سجن بدوامات مستمرة من أطباء وممرضين وممرضات لا الاكتفاء فقط بزيارة طبيب مرتين أو ثلاث في الأسبوع". 

 

ويقترح حمد "إنشاء سجون في محافظة الجنوب، وتوزيع السجينات على السجون القريبة من أطفالهن وعائلاتهن لما في ذلك من دعم نفسي لهن، وسهولة في الزيارات وتقليل النفقات على عوائلهنّ".

 

ومن بين الاقتراحات أيضًا، يتحدّث عمار، الذي كان في عداد نحو 700 محام زاروا 25 سجنًا نهاية العام 2019 للإطلاع على أوضاعها وظروف السجناء فيها، عن إجراءات سريعة بينها أن يتراجع القضاة عن اعتكافهم، ما يؤدي بالتالي إلى تسريع المحاكمات.

ويقول "نحن بحاجة ملحّة اليوم إلى أن يطبّق القضاة في محاكماتهم أوسع الأسباب التخفيفية على المساجين، لتخفيف مدة العقاب التي أقلّ ما يمكن القول عنها إنها تعذيبية وتولّد نتائج معاكسة للإصلاح والتأهيل".

 

ومن الضروري بمكان، وفق عمّار، "الفصل بين المساجين بشكل عام والسجينات خصوصًا على أساس الجرائم وتحديدًا العمل على الفصل بين مبنى الأحداث والكبار لتجنّب حالات الإغتصاب والتحرّش الحاصلة بشكل فاضح ومنع حالات غسيل الدماغ التي يتعرض لها الأحداث بما يتعارض تمامًا مع مفهوم الإصلاح".

 

وعلى المدى الطويل، يأمل عمار أن يتمّ تعديل القوانين وتطبيق المعاهدات الدولية، بما يراعي حقوق الإنسان من سجينات وسجناء، مطالبًا الجمعيات التي تُعنى بحقوق الإنسان وحقوق المرأة بلعب دورها في ظلّ الغياب الفعلي للدولة حتى لو لم يكن موضوع السجون من ضمن مسؤولياتها. 

 

TAG : ,حقوق الإنسان ,السجون ,المحكومات ,السجينات ,الرعاية الصحية ,النساء ,الحوامل