Loading...

ذوو الإعاقة بعد الحرب… مصير الآلاف مجهول!

 

شكلت الحرب الإسرائيلية الأخيرة خاصة بعد توسعها في الربع الأخير من العام 2024 نقطة فاصلة في معاناة ذوي الإعاقة في لبنان، فهم الذين اعتادوا على التهميش، وضعف الحقوق والخدمات طيلة السنوات الماضية وجدوا أنفسهم اليوم أمام تحديات كبيرة يصعب مواجهتها.

 

خلّفت الحرب والقصف المتواصل للقرى والبلدات ورائها آلاف القتلى والجرحى، وتسببت للمئات منهم بإعاقات ظرفية ودائمة، وتجلّت هذه المعاناة مع تفجيرات أجهزة "البيجر" والأجهزة اللاسلكية لعناصر من حزب الله منتصف أيلول 2024 وأدت إلى اصابة آلاف الأشخاص.

 

ومع انطلاقة العهد الرئاسي الجديد وتشكيل الحكومة الجديدة مؤخرًا عاد الحديث بقوة حول العديد من الملفات الإصلاحية ومنها قضية الحماية الإجتماعية عمومًا و"لذوي الإعاقات الناتجة عن الحرب" خصوصًا، وكيف سيتم تأمين الخدمات الاجتماعية والصحية لهم ومن سيتكفل بها، وما هي الخطط المُعدّة لهذه الغاية، خاصة مع تعهد رئيس الجمهورية جوزيف عون في خطاب القسم الى اللبنانيين بتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، ما ينعكس ايجابًا على كافة الفئات المحتاجة في المجتمع ومنهم ذوي الإعاقة بالطبع.

 

وفي منتصف آذار الماضي ترأس رئيس مجلس الوزراء نواف سلام إجتماعًا موسّعًا في السرايا حول شبكات الأمان الإجتماعي في لبنان بدعوة من وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيّد تحت عنوان: المرحلة التالية من الإصلاح. وأكد سلام: "التزمنا في إعلاننا الوزاري بالعمل على إرساء نظام شامل للحماية الاجتماعية، وزيادة الإنفاق الاجتماعي. وسنسعى جاهدين لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إنشاء نظام شامل للحماية الاجتماعية يُعنى بأفقر شرائح السكان وأكثرها ضعفًا. وستُعيد الحكومة، بقيادة وزيرة الشؤون الاجتماعية، تفعيل اللجنة الوزارية الاجتماعية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية. سنسعى جاهدين لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، بما في ذلك برامج استهداف الفقر وبرامج ذوي الإعاقة، وضمان حصول الفئات الأكثر ضعفًا على تغطية صحية مناسبة من خلال مراكز الرعاية الصحية الأولية".

 

يشكو عدد كبير من المواطنين الذين أصيبوا في الحرب (غالبًا ما يفضلون عدم الظهور الإعلامي) عدم حصولهم على مساعدات اجتماعية أو صحية  بعد مرور أكثر من 4 أشهر على "وقف إطلاق النار" وعودة الأهالي الى منازلهم وقراهم. ما يطرح أسئلة كبيرة حول الوضع الاجتماعي والصحي لآلاف الأشخاص.

 

لا إجابات واضحة

نزوح، خسائر بشرية  ومادية وغيرها من الظروف عاشها ذوو الإعاقة عمومًا من دون أن تلتفت الدولة إليهم بشكل لائق.  ولكن ما مصير الجدد منهم من مصابي الحرب؟، بعد أن بلغ عدد المصابين أكثر من 16 ألف شخصًا وفق ما أعلنت وزارة الصحة العامة في كانون الأول/ديسمبر 2024.

 

حمل فريق "مهارات نيوز" هذا السؤال إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لمعرفة هل من برامج خاصة لهؤلاء أعدتها الوزارة؟، لاسيما أنها كانت استهدفت سابقًا فئة ذوي الاعاقة ضمن برنامج خاص وهو برنامج البدل النقدي لذوي الإعاقة بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي واليونيسف ومنظمة العمل الدولية.

 

بعد التواصل مع "الشؤون" يتضح بحسب مصدر في الوزارة أن برنامج البدل النقدي لذوي الإعاقة ما زال ساريًا وتم توسيع الشريحة المستفيدة منه لكن لم يشمل مصابي الحرب. ويُضيف المصدر "للأسف بسبب الأوضاع الراهنة لم يُقام أي تنسيق بين وزارة الشؤون والصحة لإحصاء عدد الأشخاص المُعوّقين نتيجة الحرب، ونأمل أن يقام ذلك مع الحكومة الجديدة".

 

وفي مقابلة لها لجريدة الأخبار أواخر آذار 2025 أوضحت الوزيرة حنين السيد أن فئة ذوي الإعاقة من بين أكثر الفئات المستحقة للحماية الاجتماعية، وملفها مطروح أولوية على "الأجندة" في اجتماعات الوزارات الأربع المسؤولة (الصحة والعمل والتربية والشؤون).

 

وردًا على سؤال حول مدى لجوء أصحاب الإعاقات الناتجة عن الحرب الإسرائيلية إلى الوزارة، أكدت السيد أن عددًا قليلًا منهم فقط تقدموا بطلب بطاقة معوّق، وحول أسباب ذلك تؤكد السيد أن هناك أسباب خاصة تعود للمعوقين أنفسهم، ولكن أبواب الوزارة مفتوحة دائمًا للجميع. "ونحن مهتمون بمعرفة العدد الإجمالي للمعوقين في لبنان، لذلك طلبت من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الاسكوا» إجراء مسح شامل لهم".

 

يُظهر ما سبق الغياب الواضح لأي إجراءات عملية على الأرض بعد أشهر عديدة من "توقّف الحرب"،  إلاّ ما يكون من وعود إصلاحية تُطلق من هنا وهناك، وتبقى العبرة دائمًا في التنفيذ.

 

واقع قاسي فاقمته الحرب

"وضع الإعاقة في لبنان مأساوي من الأساس، والتراجع الحاصل في السنوات الثلاث الماضية على صعيد الخدمات الأساسية كان كبيرًا"، هكذا تصف رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا سيلفانا اللقيس حال ذوي الإعاقة في لبنان لاسيما بعد الحرب.

 

وتُضيف في حديث لـ "مهارات نيوز" أن ذوي الاعاقة خسروا في الفترة الأخيرة الكثير من الخدمات التي كانوا يحصلون عليها مثل الإعفاء من فروقات المستشفى عند دخولهم للعلاج على نفقة وزارة الصحة، واستبعاد بعض العمليات الضرورية لهم من اللائحة المُغطاة من قبل الوزارة كعمليات القروح الناتجة عن الإصابات والشلل، فضلاً عن توقّف توزيع المُساعدات المتعلقة بالإعانة من كراسي وعكازات أو سماعات  منذ أكثر من سنة.

 

وحول أصحاب الإعاقات الجدد الناتجين عن الحرب تؤكد اللقيس أن لا أرقام دقيقة حول هذا الأمر ولكن التقديرات تقول بأكثر من 3000 إلى 4000 شخص، مطالبةً الدولة أن تقوم بواجباتها لمساعدة هؤلاء حيث أنهم ضحايا، "فمعظم المصابين كما شاهدنا في وسائل الإعلام أصيبوا بالنظر والأطراف، ونحن كنا كمؤسسات معنية ننتظر الوقت المناسب للتواصل معهم، حيث أنهم بحاجة الى الكثير من الدعم والمساندة".

 

وعن أدوار الإتحاد في الدعم، تقول اللقيس: " رغم بعض التقديمات، دورنا كإتحاد مطلبي وحقوقي، حيث نعمل على طرح السياسات وتقديم الدعم التقني، واليوم وبعد تشكيل الحكومة أرسلنا كتابًا للحكومة أثناء إعدادها للبيان الوزاري للمطالبة بتضمينه بعض القضايا التي تهمنا، من ضمنها الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص المعوقين والتي صادق عليها لبنان ولكن لم يُبلّغ الامم المتحدة بذلك بعد، وبالتالي لا تزال الأمم المتحدة تعتبر ان لبنان غير مصادق عليها، وهي اتفاقية ضرورية وذات أولوية كبرى، وتقول الاتفاقية أنه على الدول إشراك جمعيات الأشخاص المعوقين بصناعة القرارات والتقييم. ونطالب الحكومة في أن تكون سياسات خطة النهوض دامجة وتأخذ بعين الإعتبار حاجات الإعاقة، وأن تلتزم عملية إعادة الإعمار المعايير الهندسية المراعية لسهولة الوصول".

 

وتختم اللقيس بالقول: "لو كانت الدولة عملت على خطة احترازية، لربما كان عدد المصابين والضحايا أقل، فالاشخاص المعوّقين عانوا كثيرًا في شهريّ الحرب، لذلك يجب أن يكون ضمن الأولويات وضع خطة احترازية تشمل تسجيل بيانات الاشخاص ذوي الاعاقة، بحيث في أي حدث مُشابه يمكنهم أن يعلموا الأماكن التي يجب التوجه إليها، وأيّ المراكز مجهزة لهم".

 

المساعدة "بالموجود"

أسفرت هذه  الحرب عددًا كبيرًا من ذوي الإعاقات، الذين باتوا يعيشون واقعًا صعبًا تمتزج فيه التحديات الجسدية والنفسية والاجتماعية. وإن تجاهل احتياجاتهم يشكل خرقًا لحقوق الإنسان الأساسية ويعكس تقاعسًا في الوفاء بالالتزامات الوطنية والدولية. وعليه من الضروري أن تتضافر جهود الحكومة، المجتمع المدني، والمجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لهذه الفئة، وضمان حياة كريمة لهم. وفي السياق نشأت مجموعة "Task Force" وهي مجموعة داعمة للأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الطوارئ.

 

يشرح منسق المجموعة إبراهيم عبد الله أنه "من المبكر جدًا أن نعلم ماذا سببت الحرب من إعاقات فهناك فجوة كبيرة في ما يخص الأرقام والإحصاءات، والعمل على حالات ذوي الإعاقة التي سببتها الحرب صعب في الفترة الحالية.

 

ويضيف عبد الله لـ "مهارات نيوز"  أن هذه المجموعة تأسست في الأصل لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة وكانت تضم حوالي الثلاثين منظمة هدفها مساعدة الأشخاص وتأمين أماكن لهم في مراكز الإيواء في ظل غياب تام للدولة. وبعدما انتهت فترة الاستجابة دخلت مرحلة المناصرة. يلوم عبد الله الدولة بالقول " لبنان بلد معرض دائمًا للأزمات الأمنية لذلك يجب أن يكون هناك خطة طوارئ واضحة لكن للأسف هذا لم يحدث في الحرب الأخيرة ".

 

بدورها تشرح مديرة جمعية "حل. تك" HalTek أمل شريف كيف أنهم استطاعوا عبر بعض التمويلات في الحرب مساعدة عدّة عائلات من ذوي الإعاقات لكنهم ليسوا من جرحى الحرب. وتضيف، "للأسف موضوع ذوي الإعاقة لم يتحدث عنه أحد، ولم يلتفت له أحد، فالدولة لا تحب الأرقام، وإذا التفتنا إلى موضوع ذوي الإعاقة فهي تعترف بمئة ألف شخص، وبحاملي بطاقات الإعاقة فقط، أما العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة الناتجة عن الحرب والذين من الصعب عليهم الوصول إلى المراكز المختصة لتدوين الأسماء، الدولة لم تفكر بهم أبداً . لا استغرب من الواقع التي تعيشه هذه الشريحة اليوم لأن هذا الواقع ليس بجديد".

 

وعن الحلول تقول شريف أن الأساس هو وجود خطط طوارئ تحترم جميع أفراد هذه الدائرة لأنهم الأكثر هشاشةً خلال هذه الأزمات ويجب أن يكون لدينا سياسات عامة تنص على كافة الإجراءات التي يجب أن يتم اتخاذها في الحرب وأين يجب على أفراد ذوي الإعاقة التوجه، ومن الهيئات المسؤولة عنهم.