Loading...

الشرطة البلدية في مواجهة أزمات النزوح والأمن في لبنان

 

مع انتهاء مهلة الـ 60 يوماً لوقف إطلاق النار بين لبنان والعدو الإسرائيلي وتجديدها، لابدّ من الإضاءة على التحديات التي واجهها لبنان على إثر هذه الحرب للبناء على هذه التجربة عند مواجهة أزمات مستقبلية. حيث شكّل النزوح الكبير الذي شهدته مناطق البقاع والجنوب نتيجة الحرب الأخيرة، عبئاً على شرطة البلدية والقوى الأمنية، ما جعل البلديات أمام مسؤوليات جسيمة ليس فقط على مستوى رعاية النازحين، بل أيضًا على مستوى تأمين سلامتهم وضمان استقرار المناطق التي تواجدوا فيها ضمن نطاق هذه البلديات والمراكز التابعة لها.

 

بدا واضحاً أن العدد الكبير من النازحين أدى إلى ضغوط متزايدة في المناطق المضيفة خصوصاً على البلديات، إذ كانت تقع بين الحين والآخر مشادات بين عائلات نازحة حول أولوية استخدام بعض المرافق العامة مثل المدارس، استدعت تدخل الشرطة لتنظيم الحشود. وخلال عمليات توزيع المساعدات الغذائية والطبية، كانت تنشب بعض الخلافات نتيجة سوء التنظيم أو الشعور بالظلم من قبل البعض. كما وأُبلغ عن حالات سرقة للمساعدات أو لممتلكات النازحين، ما أدى بالتالي إلى تفاقم التوتر مع السكان المحليين نتيجة الضغط على الموارد والخدمات. بالإضافة إلى ذلك، شهدت بعض العائلات خلافات داخلية، مما استدعى تدخل الشرطة في مواقف متعددة، مثل حادثة في مدرسة بمنطقة جزين، تدخلت خلالها الشرطة لتهدئة خلاف عائلي تصاعد إلى عراك بالأيدي وأثار قلق باقي النازحين.

 

وفي جولة لنا على مراكز النزوح في شهر أيلول 2024، تروي سارة عبود، نازحة من جنوب لبنان تقيم في مركز ببلدة ضهور الشوير تعرضها للسرقة، وتقول عبود في حديث لمنصة “صلة وصل”، “أبلغت شرطة البلدية عن سرقة محفظتي، قاموا بفحص كاميرات المراقبة المثبتة في الأحياء السكنية للنازحين، وأعادوا محفظتي بسرعة. نحن نقدّر جهودهم لضمان سلامتنا”.

 

على الجانب الآخر، في مدينة النبطية، أفاد إبن البلدة يحيى سرور، في حديث لمنصة “صلة وصل”، “أن المنطقة شهدت عملية توزيع للمساعدات أحدثت شجارًا بين مجموعتين من النازحين بسبب التوزيع غير العادل للمواد الغذائية. وأن الشرطة البلدية تدخلت بسرعة لتنظيم الحشود وفضّ النزاع، مما حال دون تصعيد الموقف”.

 

أدوار عديدة.. والتنسيق مع القوى الأمنية ضروري

بحسب الأرقام الصادرة عن منظمة الهجرة الدولية (IOM)، للفترة الممتدة ما بين 10 تشرين الأول 2023 إلى 21 تشرين الثاني 2023، بلغ عدد النازحين/ات 55,491 شخصًا. وعلى مدار ثلاثة أشهر، نزح أكثر من 82 ألف شخص من جنوب لبنان، مع تسجيل ارتفاع بنسبة 8% في أعداد النازحين بين الثاني والتاسع من كانون الثاني الجاري. 

 

وأوضح التقرير أن 93% من النازحين ينحدرون من ثلاث أقضية حدودية وهي بنت جبيل (48%)، مرجعيون (33%)، وصور (12%). وقد توزعت أعدادهم بين قضاء صور (31%)، النبطية (17%)، صيدا (15%)، بعبدا (9%)، وبيروت (7%)، مع توزع الباقون في مناطق أخرى.

 

 

في ظلّ هذه الظروف، يؤكد  رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر، المحامي جان فخري، في حديث لمنصة “صلة وصل، على أهمية الدور الذي لعبته البلديات في التعامل مع أزمة النزوح. وأوضح أن بلدية دير الأحمر اعتمدت نهجًا استباقيًا لضمان الجهوزية، حيث تمّ تجهيز شرطة الإتحاد بـ 44 متطوعًا بعد استكمال الإجراءات القانونية اللازمة. 

 

ويشيد فخري بأهمية التنسيق بين شرطة البلدية والقوى الأمنية كعنصر أساسي لضمان الأمن. فحين تواجه الشرطة مخالفات قانونية أو تتعامل مع أشخاص مطلوبين، يتم تسليمهم مباشرة للجهات الأمنية المختصة مثل الدرك أو مخابرات الجيش. مؤكداً على أن شرطة البلدية ساهمت في إدارة مراكز الإيواء، تنظيم الدوريات الوقائية، وتنفيذ عمليات إخلاء سريع عند وجود أي تهديدات مباشرة.

 

من جانبه، يوضح جورج رزق، أحد عناصر الشرطة البلدية، أن التنسيق مع قوى الأمن الداخلي يعزّز القدرة على مواجهة التحديات الأمنية. ويقول “نعمل جنبًا إلى جنب مع الجيش وقوى الأمن الداخلي من خلال تبادل المعلومات والقيام بدوريات مشتركة لضمان الأمن، هذا التعاون المستمر يسهم في استقرار الوضع رغم التحديات المتزايدة”.

 

إمكانيات محدودة تنتظر الدعم

رغم محدودية الإمكانيات البشرية لشرطة البلديات في لبنان، حيث تعتمد بعض البلديات على أعداد صغيرة من العناصر الأمنية الذين يتولون أدوارًا متعددة تشمل تنظيم السير، ضبط مخالفات البناء، ومساعدة القوى الأمنية في قضايا مثل السرقة والجرائم البسيطة، فإن البلديات تطالب بزيادة الصلاحيات لتعزيز كفاءتها العملية.

 

وفي هذا السياق، يشير سمير أحد أفراد قوى الأمن الداخلي الذي رفض ذكر إسمه بشكل كامل لأسباب أمنية، إلى الدور الحاسم للشرطة البلدية في تنظيم الأمن بالمناطق التي تشهد كثافة سكانية من النازحين. ويضيف “على الرغم من التحديات، نحن واثقون من أن الشرطة البلدية قادرة على القيام بدور أكبر إذا حصلت على المزيد من الدعم والتدريب”.

 

وفي هذا الإطار، تمّ تعزيز الإمكانيات المادية والتدريبية لعناصر الشرطة البلدية عبر برامج تدريبية مدعومة من الإتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. من خلال العمل على تأهيل هذه العناصر في معهد قوى الأمن الداخلي لإستخدام السلاح والفنون القتالية، بالإضافة إلى تزويد بعض البلديات بمعدات حديثة مثل أجهزة الاتصال اللاسلكي لتسهيل العمليات.

 

كما وأن وزارة الداخلية والبلديات تعمل منذ العام 2015، بالتعاون مع شركاء دوليين لتطوير العمل البلدي من خلال إعداد إطار تنظيمي موحد يهدف إلى رفع مستوى مهنية الشرطة البلدية، وتعزيز التعاون مع الأجهزة الأمنية الأخرى، مما يعكس سعيًا متواصلًا لتحسين أداء الشرطة البلدية في ظلّ التحديات المتزايدة.

 

تحديات التمويل

رغم الجهود المبذولة لتعزيز دور شرطة البلديات في لبنان، فإن العديد من البلديات لا تزال تعتمد على مواردها الذاتية لشراء المعدات، بما في ذلك الأسلحة المرخصة من وزارة الداخلية. إلا أن هذه الجهود الفردية لا تزال غير كافية لسد الفجوة الكبيرة بين الموارد المتاحة والمهام المتزايدة المطلوبة من الشرطة البلدية، مما يحدّ من قدرتها على التعامل مع التحديات الأمنية المتفاقمة. 

إذ يواجه رؤساء البلديات تحديات رئيسية، أبرزها نقص التمويل والتشريعات التي تتيح للشرطة البلدية استخدام السلاح الخفيف ضمن ضوابط محددة، مما يضعف قدرتها على التدخل السريع في الحالات الطارئة.

 

رغم الجهود المبذولة لتعزيز دور شرطة البلديات في لبنان، فإن العديد من البلديات لا تزال تعتمد على مواردها الذاتية لشراء المعدات، بما في ذلك الأسلحة المرخصة من وزارة الداخلية.

 

وفي هذا الإطار يؤكد رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر المحامي جان فخري، أن التحديات تفاقمت بسبب نقص التمويل، فالبلديات بحاجة إلى دعم مالي مستدام من خلال زيادة المخصصات المالية من الصندوق البلدي المستقل، مما يتيح تطوير قدرات شرطة البلدية وتأهيلها. ولكن رغم ذلك فإن الدعم المقدم من المغتربين ساهم بشكل كبير في توفير الإحتياجات الأساسية مثل الملابس، المحروقات، المواد الغذائية، والتدفئة.

 

كما وأن توفير التمويل الإضافي سيسمح بتزويد الشرطة البلدية بالمعدات اللازمة وتدريبها على مهام حيوية مثل فتح المحاضر والتعامل مع الحالات الطارئة، خاصة في أوقات الليل، مما يعزز قدرتها على التصدي للتحديات الأمنية المستمرة، وفق فخري.

 

الصلاحيات.. بين الشرطة البلدية والقوى الأمنية

تتمتع الشرطة البلدية بصلاحيات محددة ضمن نطاقها الجغرافي، بحسب نظام الشرطة البلدية. وتشمل هذه الصلاحيات التدخل في قضايا السلامة العامة، الراحة، والصحة، مع إمكانية التعامل مع الحوادث والمخالفات مثل تنظيم السير، مراقبة البناء، فضّ النزاعات البسيطة، وحتى التدخل في حالات الجرائم كالسَرقات. لكن تنفيذ هذه المهام غالبًا ما يتطلب التنسيق مع قوى الأمن الداخلي أو الدرك، خاصة في حالات التحقيق أو الاعتقال، حيث لا تمتلك الشرطة البلدية صلاحيات مستقلة في هذا الإطار.

 

في المقابل، تتركز جهود القوى الأمنية المركزية مثل الجيش وقوى الأمن الداخلي على مواجهة التحديات الأمنية الكبرى، مثل مكافحة الجرائم الكبيرة كالسرقات والخطف، وتنظيم دوريات في مناطق حساسة مثل بيروت وصيدا. بينما ظلت الشرطة البلدية أكثر حضورًا في المهام اليومية والتنظيم المحلي، بما في ذلك حفظ النظام في المناطق التي شهدت كثافة سكانية نتيجة النزوح.

 

ومع تزايد أعداد النازحين، برزت الحاجة الملحة للتنسيق بين الشرطة البلدية والقوى الأمنية المركزية مثل قوى الأمن الداخلي والدرك، خاصة في المناطق التي شهدت نزوحًا كثيفًا أو انفلاتًا أمنيًا. ولهذه الغاية تصاعدت الدعوات لزيادة صلاحيات الشرطة البلدية وتوفير الدعم اللازم لها لتمكينها من لعب دور أكبر في حفظ الأمن العام، نظرًا لقدرتها على الاستجابة السريعة ومعرفتها العميقة بالمنطقة وسكانها.

 

في السياق يشرح فخري، أن شرطة البلدية تقوم بأدوار متنوعة تشمل تنظيم المرور، متابعة مراكز الإيواء، تقديم الإغاثة الفورية، وتنظيم مواقف السيارات. كذلك، تتواجد الشرطة البلدية في مراكز الإيواء على مدار الساعة لتوفير الأمن والخدمات.

 

ويضيف “على الرغم من هذه الصلاحيات، فإن قدرة الشرطة البلدية تعتمد على التدخل الفعّال على مواردها المحدودة، حيث تضطر العديد من البلديات إلى تمويل المعدات من ميزانياتها الخاصة، بما في ذلك الأسلحة التي يتم ترخيصها من وزارة الداخلية. وهذا يبرز الحاجة إلى تعزيز التنسيق مع القوى الأمنية المركزية لضمان استجابة شاملة في مواجهة الأزمات”.

 

بالنظر إلى ما سبق، لعبت الشرطة البلدية دورًا محوريًا في الحفاظ على الأمن المحلي وتنظيم شؤون النازحين، حيث كانت بمثابة درع فعال للأمن العام. من خلال صلاحياتها المقررة في قوانين البلديات، ساعدت الشرطة البلدية في تنظيم حركة النزوح وتبعاتها، وفض النزاعات بين النازحين والمجتمع المحلي. كما أن تنسيقها مع الأجهزة الأمنية المركزية مثل قوى الأمن الداخلي والدرك ساهم بشكل كبير في ضمان الاستجابة السريعة لأزمة النزوح في لبنان.

 

مع ذلك، تطرح الأوضاع الأمنية المتفاقمة خلال فترة النزوح تساؤلًا ملحًا: هل يكفي الإطار الحالي لصلاحيات الشرطة البلدية، أم أن الواقع يستدعي توسيع هذه الصلاحيات لمواكبة التحديات المتزايدة أو التي قد تستجد؟

 

يُنشر هذا التقرير في إطار البرنامج التدريبي حول "أسس ومبادئ التغطية الإعلامية لقضايا الأمن في لبنان" الذي نظمّته مؤسسة "مهارات" بدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن "DCAF". هذا المحتوى لا يعكس بالضرورة آراء مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن. وقد تم نشر التقرير أيضًا على موقع صلة وصل.