ادى الحراك السياسي المتواصل في لبنان بعد انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة الى زيادة جرعة التفاؤل ازاء اصلاح الواقع الخدماتي الذي تقدمه الدولة للمواطنين، لا سيما الحاجة الى تطوير قطاع النقل العام الذي بحاجة الى دعم وجهود كبيرة لتسهيل حياة المواطنين، وبالرغم من موجات التهديد المستمر تواجه خطوط النقل العام اخرها تعرض سائقي خط العدلية - مجمع الحدث الجامعي (الجامعة اللبنانية) الذي افتتح مع نهاية عام 2024، الا ان انطلاق هذا المشروع الطموح في منتصف العام 2024 شكل بادرة ايجابية لتطوير هذا القطاعه المهم، من دون نسيان ان هناك تحديات عدة ربما ستواجه أي محاولة لإصلاح هذا القطاع الحيوي أو أي قطاع آخرابرزها اهمال الحكومات السابقة لهذا الملف. حيث لم تضع اي حكومة تطوير قطاع النقل في اولوياتها خصوصا مع تحويل مبلغ 300 مليون دولار من قرض البنك الدولي المخصص لتطوير قطاع النقل الى تمويل البطاقة التمويلية في العام 2021.
في السياق، أوصى تقرير صادر عن البنك الدولي لتحسين النقل العام في لبنان والاردن والعراق في العام 2022، الى عدة خطوات يجب اتخاذها من قبل الدولة اللبنانية لتحسين هذا القطاع منها ضرورة توحيد الحافلات وإنشاء صندوق لإعادة شراء تراخيص النقل العام، وتنفيذ أنظمة النقل الذكية بما في ذلك بروتوكول التذاكر المفتوحة وإدارة الأسطول والمعلومات للمستخدم، ووضع خطة وطنية للسلامة العامة. هذا فضلاً عن اعتماد الحلول السريعة التنفيذ من أجل تحسين تجربة المستخدم كمواعيد الحافلات وتطبيقات تخطيط الرحلة والخرائط والمعلومات في الوقت الحقيقي، واعتماد نماذج النقل مع البيانات الحديثة للسماح بالتخطيط للنقل العام، والتفاوض مع المالكين الأفراد لتوحيد صغار المشغلين وإنشاء شركات جديدة وإلغاء المركبات القديمة، مع الأخذ بعين الاعتبار وضع استراتيجية وخطة السلامة على الطرق. كما أوصى بوضع خطط للمشاة وركوب الدراجات الهوائية، والتجديد العمراني، وتكامل التعرفة والعمليات، إضافة إلى برنامج إدارة الطلب على حركة المرور، بما في ذلك إدارة المواقف والتنفيذ وتقييد استخدام السيارات وفرض رسوم الازدحام.
والسؤال المطروح أين وصل تنفيذ مشروع تطوير النقل العام، ما هي التحديات التي تقف امام تنفيذه؟ وهل من خطط واستراتيجيات لدى الدولة اللبنانية لتعميمه على مناطق اوسع في لبنان؟
اعتداءات تعرقل الجهود
في اليوم التالي من تدشين مشروع الباصات الجديدة لتعزيز قطاع النقل العام، تعرضت العديد من هذه الباصات إلى التخريب والتحطيم من قبل مجهولين. وقد تسبب ذلك في ترويع الركاب وتعريضهم للخطر. هذا الاعتداءات استمرت مع تعرض سائقو خط العدلية - مجمع الحدث الجامعي للتهديد والترهيب من قبل بعض أصحاب الباصات الخاصة في نهاية العام 2024. ورغم أن هذه الاعتداءات قد تم استنكارها ورفضها من قبل اتحادات النقل البري، إلا أنها تشي بتحديات كبيرة تواجه اي مشروع تطوير للنقل العام، كما أنها تعكس حالة الفوضى التي تعاني منها مختلف القطاعات في لبنان.
هذا الوضع استدع تحركاً فورياً من قبل الأجهزة الأمنية لحماية السائقين والحافلات، والحفاظ على حق المواطنين في الحصول على الخدمات العامة التي تقدمها الدولة. كما استدعى أيضاً إعادة النظر في طريقة إدارة قطاع النقل، ووضع خطة شاملة لتطويره وتنظيمه.
وفي هذا السياق، أكد رئيس مجلس إدارة مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك "زياد نصر" في حديث لـ"مهارات نيوز" على دور الفعال لأجهزة الدولة في التصدي للمعتدين على الباصات، مع التأكيد ان دعم السلطات الادارية ساهم في تخفيف هذه الاعتداءات. حيث تم تشكيل غرفة عمليات في وزارة الاشغال والنقل يتم التواصل معها بشكل فوري للتدخل، وتحويل المعتدين الى السلطات القضائية.
أما رئيس إتحاد النقل البري "بسام طليس" فقال لـ "مهارات نيوز" انه استنكر مثل هذه السلوكيات وشدد في لقائه مع رؤساء ومدراء خطوط النقل العمومي، على أن المنافسة يجب أن تكون شريفة. وأضاف أنه ومن اللحظة الاولى لم يكن لدى اتحاد النقل البري مانع باطلاق النقل العام المشترك، لا بل هو حق طبيعي، وتم تقديم الدعم عند انطلاق هذا المشروع.
تقسيم الخطوط وتصنيفها
تم تقسيم خطوط النقل العام الجديدة إلى خمس فئات رئيسية، كل فئة تضم عدة خطوط تغطي مناطق مختلفة في بيروت وضواحيها. هذا التقسيم دقيق للغاية ويعتمد على عوامل عدة، منها طول المسافة وعدد المحطات ومدة الرحلة. لا توجد رحلة مباشرة بين أي نقطتين دون توقف، مما يعني أن الركاب قد يحتاجون إلى تغيير الحافلة في بعض المحطات.
لتلبية احتياجات مختلف الركاب، تم توفير نوعين من الحافلات: حافلات كبيرة من نوع "IVECO" تتسع لـ 63 راكبًا، وهي تستخدم بشكل أساسي داخل مدينة بيروت، وحافلات صغيرة من نوع "MITSUBISHI" تتسع لـ 24 راكبًا، وهي مخصصة للخطوط الطويلة التي تربط بيروت بالمناطق البعيدة. هذا التوزيع الدقيق للحافلات يهدف إلى ضمان راحة الركاب وكفاءة الخدمة.
باختصار، تم تصميم نظام النقل العام الجديد ليكون شاملاً وفعالًا، حيث يغطي معظم المناطق في بيروت وضواحيها، ويقدم خيارات متنوعة للركاب بأسعار معقولة تتراوح التكلفة الإجمالية للرحلة الواحدة بين 70,000 ليرة و200,000 ليرة لبنانية، حسب المسافة التي يقطعها الراكب. فمثلاً، الرحلات داخل مدينة بيروت هي الأقل تكلفة، بينما الرحلات الطويلة إلى المدن البعيدة مثل طرابلس هي الأعلى.
كما تعمل جميع الخطوط وفق جدول زمني موحد يبدأ من الساعة السادسة صباحًا وينتهي عند الثامنة مساءً.
إلى أين وصلت عملية تنفيذ المشروع؟
تشمل شبكة النقل المشترك 11 خطًا مختلفًا، أطلق منها ٦ حتى الآن، على أن الخطوط الخمسة المتبقية كانت يجب أن تطلق في وقت سابق لكن الظروف القاهرة التي مرّة بها لبنان في الفترة الاخيرة وتحديدا الحرب أدت الى عرقلة سير عمل الخطة. وأشار "نصر" في هذا الخصوص الى النجاح الذي حققه المشروع حيث أفاد بأن "النجاح المشروع يُحدث حالة ايجابية ولأول مرة في تاريخ لبنان الحديث يعود النقل المشترك بشكل منظم وفعال ومن دون اي أعباء على الدولة اللبنانية" فالمشروع نفذ بعد أن فازت "شركة الأحدب للمواصلات" بالمناقصة التي أطلقتها وزارة الأشغال العامة والنقل.
وأضاف أن الخطوط الستة التي تعمل افتتحت حسب الاصول وكما يجب واثبتت نجاحها. أما الخطوط التي لم تطلق حتى الآن، حاليًا يجري التواصل مع المتعهد ونقوم بالجدولة لنثبت التواريخ.
بارقة امل
"فكرة كتير حلوة انو رجع عنا هيك شي بالبلد" هذا ما قالته ريم في احدى المواطنات اللواتي يستخدمن النقل العام لـ"مهارات نيوز"، ووصفت النقل المشترك بالوسيلة الآمنة والنظيفة. وأضافت ريم ان استخدام البطاقة اللاكترونية والتطبيق على الهاتف في الدفع فكرة ممتازة، فبدلًا من الدفع نقدًا يمكنك الشحن والدفع من عبرهما، حيث بات يمكنك من خلالهما ان تدفع وتذهب إلى أماكن كثيرة بأسعار قليلة.
في المقابل قالت زهراء تستخدم النقل العام للتنقل من سكنها الى جامعتها، ان انطلاقة المشروع كانت خجولة حيث لم يكن هناك إقبال كبير من المواطنين، ربما لاهم كانوا مستغربين من الأمر، ولكن الآن أصبح هناك إقبال أكبر، فمثلا كان الباص بالأمس مكتظًا بالركاب، والمقاعد ممتلئة.
أما سائقو الحافلات فتوافقت ارائهم حول استقرار الوضع من ناحية المضايقات إلى حد ما ، فقال احمد في هذا الخصوص "مش كل المناطق عم نواجه فيها مضايقات ومش متل الأول"، ويقصد بكلامه أن الذين يتعرضون إلى باصات النقل المشترك أصبحوا مجبورين على ضبط تصرفاتهم جرّاء التدابير، التي اتخذتها الدولة بحقهم.
وفي السياق نفسه علّق سائق آخر "هلئ صار في قانون" لافتا الأخير الى أن التعرض للباصات ليست في كل المناطق بل في بعضها فقط، فهي محدودة إضافة الى إغلاق أجهزة الدولة أي باب لتصرفات خارجة عن القانون.