يعاني طلاب لبنان في المدارس بشقيها الخاص والرسمي خوفًا واسعًا على مستقبلهم وعلى سنتهم الدراسية مع انقطاع التدريس منذ توسع الحرب نهاية أيلول 2024. وبالرغم من إعلان وقف النار منذ أيام يخشى اللبنانيون أن يكون الاتفاق هشًا وغير نهائي. انقسمت المدارس الشهر الماضي (بعد إدراكها أن العمليات العسكرية قد تطول، وبعد جدال طويل بين الجهات المعنية) إلى فئتين، فمنها من عاد للتعليم الحضوري في "المناطق التي تُعتبر آمنة" ومنها من اعتمد التدريس عن بعد "أونلاين".
أعاد هذا الأمر الى الواجهة الحديث عن مشاكل الانترنت في لبنان وسوء تغطيته، والاهم عدم قدرة الأهالي والطلاب على تحمّل تكلفة الإنترنت المرتفعة (تتطلب البرامج التي تُستخدم للغاية عملية صرف أكبر لباقات الانترنت).
وعليه أعلن وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم في مقابلة للـ LBCI عن موضوع كان قد طرحه على مجلس الوزراء في 06 تشرين الثاني 2024 عن توصل الوزارة بالمفاوضات المباشرة مع شركة Microsoft لإدخال تقنية الـ whitelisting على برنامج Microsoft Teams الذي يُستخدم اليوم في عملية التعليم. ويسمح هذا الأمر للأساتذة والتلاميذ في القطاع الرسمي من الدخول إلى تطبيق Teams من دون أن يتكلفوا انترنت وذلك عبر التعريف عن أرقامهم مسبقًا. فما هي هذه الخطة وآلية تنفيذها؟
تقنية الـ whitelisting
باختصار فإن الـ whitelisting أو القائمة البيضاء هي تقنية حماية، بحيث يُسمح فقط لقائمة محددة من المستخدمين الولوج الى نظام أو تطبيق معيّن. كما ويمكن استخدام تقنية القائمة البيضاء دون الاتصال بالإنترنت في الشبكات المحلية أو الأنظمة غير المتصلة بالإنترنت. ولدى القائمة البيضاء عدة نماذج منها:
القائمة البيضاء للتطبيقات: حيث يُسمح فقط بتشغيل التطبيقات والبرامج المُعتمدة، على جهاز كمبيوتر أو داخل شبكة محلية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى منع تثبيت البرامج غير المصرح بها أو تنفيذها، حتى في وضع عدم الاتصال.
القائمة البيضاء للأجهزة: يمكن فقط لأجهزة محددة ومعتمدة (مثل محركات أقراص USB أو محركات الأقراص الصلبة الخارجية) الاتصال بأجهزة الكمبيوتر، مما يساعد على منع نقل البيانات غير المصرح به أو إدخال برامج ضارة من أجهزة غير موثوقة.
القائمة البيضاء لوصول المستخدم: يمكن أن يقتصر الوصول إلى ملفات أو قواعد بيانات أو موارد معينة على مستخدمين محددين ومصرح لهم، حتى داخل شبكة مغلقة وغير متصلة بالإنترنت.
في كل الحالات، تعمل القائمة البيضاء على تحسين الأمان من خلال ضمان أن العناصر المعتمدة مسبقًا فقط هي التي يمكنها التفاعل مع النظام، بغض النظر عن الاتصال بالإنترنت
تُستخدم تقنية القائمة البيضاء على نطاق واسع في العالم وفي مختلف الصناعات والقطاعات. يتم تنفيذها من قبل بائعي البرامج والمؤسسات التي تُعطي الأولوية للأمان. وبعض المستخدمين النموذجيين يشملون:
شبكات الشركات والمؤسسات، الحكومة والجيش، منظمات الرعاية الصحية، البنية التحتية الحيوية، الشركات الصغيرة والمتوسطة، موفرو برامج الأمن السيبراني، ومن المستخدمين أيضًا المؤسسات التعليمية: غالبًا ما تستخدم المدارس والجامعات القائمة البيضاء للتحكم في التطبيقات أو مواقع الويب التي يمكن الوصول إليها عبر شبكات الحرم الجامعي، مما يضمن وصول الطلاب والموظفين فقط إلى الموارد التعليمية أو المعتمدة.
الأساتذة والطلاب على القائمة البيضاء
عرض وزير الاتصالات في مقابلته تفاصيل الخطة القائمة على تعريف أرقام الطلاب والأساتذة المستهدفين على نظام محدد(system)،بعد الحصول عليها من وزارة التربية، وبالتالي يصبحون على القائمة البيضاء ما يخولهم الولوج للتطبيق والبرامج الخاصة بالتعليم.
وأعلنت وزارة الاتصالات في 21 تشرين الثاني 2024 بأن شركتي "ألفا" و"تاتش" باشرتا بتزويد باقة مجانية من 20GB للطلاب والمعلّمين الواردة أسماؤهم في لوائح وزارة التربية، الأمر الذي يُخول أفراد الهيئة التعليمية والمتعلمين الإستخدام المجاني لتطبيق Microsoft Teams وعدد من المواقع التي حددتها وزارة التربية، في سياق تسهيل التعليم عن بعد في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان.
وكانت وزارة الإتصالات قد استلمت لائحة مطبوعة ومختومة من وزارة التربية بـ 130 ألف و255 معلّمًا وطالبًا في المدارس الرسمية يستفيدون من الباقة المجانية المتاحة لهم من الإثنين إلى الجمعة من كل أسبوع بين الـ ٧:٣٠ صباحا والـ ١:٣٠ بعد الظهر، على أن يتم العمل لتأمين خدمة شبيهة لأساتذة وطلاب الجامعة اللبنانية في المستقبل القريب.
وبدأ الأشخاص المستهدفين من الخطة بتلقي رسائل نصية على هواتفهم تُفيد بأن الباقة الجديدة قد تم تفعيلها. كما تشمل الرسالة القواعد التي تخضع إليها الباقة مثل الدخول إلى تطبيقات معينة ضمن ساعات محددة. وفي حال عمد الطلاب أو الأساتذة للدخول لمواقع "غير المحددة" سيتم خصم تكلفة الانترنت من رصيدهم الخاص إذا ما كانوا مشتركين ضمن باقة مسبقًا.
وحول دور شركة مايكروسوفت في هذه الخطة تشرح أوساط وزارة الاتصالات لـ "مهارات نيوز" أن عند إطلاق الخطة، عُقدت اجتماعات متتالية مع كل الجهات المعنية لتطبيقها بالسرعة القصوى، بما فيها شركة مايكروسوفت التي تم التعاون معها على صعيد نقاط تقنية عدة. مع الإشارة إلى أن شركتي الخليوي تستخدمان عناوين الـ IP المنشورة أصلاً من قبل مايكروسوفت على شبكة الانترنت.
وتضيف الوزارة حول كلفة مبالغ الانترنت هذه ومن سيغطيها بالقول: " ان كلفة الباقات المجانية المخصّصة للأساتذة والتلامذة بسيطة لأننا نستخدم الشبكة الموجودة، وبالتالي ستتكفل وزارة الاتصالات بتغطيتها المادية". مؤكدًة حول الخوف على حماية البيانات وأرقام هواتف الطلاب والاساتذة بأن شركتا الخليوي تحتاج لهذه الأرقام لجعلها تستفيد من الخطة وهي في كل الأحوال موجودة لدى الشركتين.
تحديات التعليم عن بُعد
يواجه التعليم في لبنان عموما مشاكل وتحديات عديدة خاصة فيما يخص التعليم عن بعد، وعليه تقول داريا وهي استاذة في التعليم الرسمي (ومن المستفيدين من باقة الإنترنت الجديدة): "التعليم أونلاين في لبنان يواجه مُعوّقات كبيرة، أبرزها عدم وجود بُنية تحتية مناسبة، عدم التخطيط والتهيئة لهذا النوع من التعليم، أو التعليم في وقت الأزمات، قد يعود للإهمال أو التكلفة المادية المرتفعة، رغم أنه كان يُفترض أن نكون مجهّزين بعد تجربة جائحة كورونا".
التحديات الاخرى بحسب داريا تتعلق بالانترنت وسوء التغطية، ومن ثم عدم التزام بعض التلاميذ والطلاب بالتعليم عن بعد واعتباره فاشلًا وغير مجدي، بالرغم من أن التعليم عن بعد يُمكن أن يكون مُمتعًا نظرا للعدد الهائل من التطبيقات الموجودة عبر الإنترنت والتي يمكن استخدامها في هذه الظروف لجعل التعليم مفيد ومسلّي للتلميذ. وهنا التحدي يكمن بالاضافة للانترنت والتغطية في وجود الأجهزة المناسبة، فكيف يمكن للتلميذ ان يُتابع التعليم هو واخواته في البيت الواحد عبر جهاز واحد!
وحول باقة الـ 20 جيجابايت تقول داريا: "نحنا كاساتذة يُهمنا ايصال التعليم بالطريقة الافضل لتلاميذنا، وكان لدينا قلق وخوف حول كيفية التواصل مع تلامذتنا والمتابعة معهم في هذه الأزمة والظروف الصعبة، كون مدرستنا موجودة في منطقة كانت تعتبر خطرة وأهاليها تهجروا منها. هذه المبادرة برأي ساعدت الكثير من الأهل والاساتذة في هذه الظروف القاهرة أن يستطيعوا إتمام التعليم، كما أن تفعيل الباقة كان سهل من خلال الرسالة اللي وصلت. ونتمنى دائمًا أن يكون هناك تعاون بين الوزارات لتسهيل أمور المواطنين بأوقات الحرب والسلم".
وتضيف "كنا بحاجة لهذه الباقة ولاول مرة نشعر ان الدولة فكرت بنا وساعدتنا بالرغم من التقصير ببعض النواحي الاخرى، حيث دائمًا ما يتم الاعتماد على ضمير الأستاذ والمبادرات الخاصة دون تشجيع وتحفيز فعلي".