Loading...

مصدر أمني يكشف لـ"النهار" واقع انتشار الجيش اللبناني جنوباً... هل عودة الأهالي آمنة فور الانسحاب الإسرائيلي؟

 

أيّ واقع لانتشار الجيش اللبناني جنوباً؟ وما دور القطاع الأمني في تأمين عودة آمنة للمدنيين؟ وهل يُمكن للأهالي الوصول إلى بلداتهم فور الانسحاب الإسرائيلي الكامل المرتقَب نهاية الأسبوع؟

 

يترقّب أهالي جنوب لبنان الدقائق الأولى لإعلان الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القرى الحدودية، في 26 كانون الثاني/ يناير الجاري، بحسب اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، للتدفّق نحو بلداتهم التي بات بعضها "مناطق منكوبة" تغيّرت معالمها بفعل عمليات نسف المنازل وجرفها، والهمجية الإسرائيلية المتواصلة خلال فترة الـ60 يوماً. 

 

الحشد البشري لأهالي الجنوب الذي شهده اليوم الأول لوقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، ترافق مع "هفوات أمنية" وتأخّر في صدور بيان تحذيري للجيش اللبناني يُنظّم مسار العودة، ما أدّى إلى وصول مواطنين إلى قرى لا تزال محتلّة إسرائيليّاً، كالخيام مثلاً، وتعرّضهم لخطر الخطف والاعتداءات الإسرائيلية المباشرة.

 

هذا الأمر استدعى تنسيقاً أمنيّاً مضاعفاً اليوم قُبيل انتهاء المهلة، لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث، وضمان انتشار الجيش اللبناني في القرى المحرّرة والعمل على مسحها ميدانيّاً، واستكمال الدفاع المدني عمليات رفع الأنقاض وانتشال الشهداء.

 

ولعلّ التحدّي الأبرز اليوم أمام الجيش اللبناني، يكمن في أنّ القوات الاسرائيلية انسحبت من قرى متفرقة ولم تنسحب من شريط كامل في القطاعات الثلاثة، وهو ما يجعل الجيش متشدّداً في منع العودة إلى القرى المحررة بسبب تداخلها مع قرى لا تزال محتلّة إسرائيليّاً، وذلك خوفاً على حياتهم وتعرّضهم للاعتقال، كما جرى في قرى جنوبية عدة، بحسب ما أفاد مصدر أمني "النهار".

 

 

تصوير أحمد منتش.

 

فأيّ واقع لانتشار الجيش اللبناني جنوباً؟ وما دور القطاع الأمني في تأمين عودة آمنة للمدنيين؟ وهل يُمكن للأهالي الوصول إلى بلداتهم فور الانسحاب الإسرائيلي الكامل المرتقَب نهاية الأسبوع؟

 

يتحدّث مصدر في مخابرات الجيش اللبناني لـ"النهار" عن آلية انتشار العناصر في جنوب لبنان منذ ليلة وقف النار، مؤكداً أنّ "الجيش اللبناني أرسل حينها 1500 جنديّ من القوات الخاصة إلى جنوب لبنان دعماً للقوى الموجودة في جنوبي الليطاني ليكون جاهزاً لتنفيذ القرار الأممي 1701". ويضيف: "حتى الآن، حشد الجيش اللبناني أكثر من 6 آلاف جنديّ من أصل 10 آلاف المنصوص عليها في الاتفاق".

 

ويُشدّد على أنّ "الجيش اللبناني يقوم بدوره على أكمل وجه، وجاهز للانتشار في كامل منطقة جنوبي الليطاني، وهو بصدد تطويع عناصر جُدد لاستكمال عديده".

 

الذريعة الإسرائيلية في بطء انتشار الجيش اللبناني يردّ عليها المصدر في مخابرات الجيش بـ"الكذب والاحتيال"، وأنها محاولة للبقاء في جنوب لبنان، وسط التأكيد أنّ "الجيش لا يُمكنه دخول أيّ بقعة في جنوبي الليطاني لا تزال القوات الإسرائيلية متمركزة في داخلها".

 

 

تصوير أحمد منتش.

 

الجيش اللبناني متأهّب ومماطلة إسرائيلية

يُشهَد للجيش اللبناني انتشار قوّاته سريعاً في البلدات الجنوبية التي انسحبت منها إسرائيل خلال الأسابيع الماضية والعمل على مسح أحيائها، وقد استكمل تموضعه في رأس الناقورة – صور وبلدات في القطاع الغربي منها علما الشعب، عيترون، بنت جبيل، طيرحرفا، مجدل زون، الصالحاني والقوزح، في 11 كانون الثاني/ يناير الجاري، وسط تمنّيات على الأهالي بعدم التوجّه إلى القرى المحرّرة ريثما يأذن الجيش بذلك.

 

وهنا يُشدّد المصدر لـ"النهار" على أنّ "عمل الجيش اليوم يتركّز على منع المدنيين من العودة إلى القرى الحدودية قبل التأكد من خلوّها من مخلفات العدوان الإسرائيلي، كالألغام والقذائف غير المنفجرة، لئلّا تُشكّل خطراً عليهم، وهذه المهمّة تتطلّب وقتاً".

 

 

خلال الفترة الباقية لمهلة الـ60 يوماً، يتابع الجيش اللبناني تمركزه جنوباً، فيما الإشكالية تكمن في أنّ القوات الإسرائيلية لا تلتزم بمواعيد الانسحاب المتّفق عليها، كما جرى في عيترون في 13 كانون الثاني، وهذا ما يدفع الجيش اللبناني إلى حشد قوّاته استعداداً للدخول، قبل أن يُفاجأ بإبلاغه عبر قوات "اليونيفيل" بإرجاء الانسحاب الإسرائيلي.

 

وبحسب معلومات "النهار"، فإنّ "الجيش اللبناني وَضع خطّة لدخول بلدات في القطاع الأوسط، منها عيترون، ميس الجبل، مركبا، حولا والعديسة، وهو جاهز لتنفيذها فوراً، برفقة أفواج الهندسة والأشغال والنقل، وبالتنسيق مع الدفاع المدني والهيئات الصحية، إلّا أنّ الجيش الإسرائيلي يُماطل بالردّ على الطلب اللبناني المقدّم عبر اليونيفيل".

 

وتُفيد المعلومات أيضاً بأنّ "الجيش الإسرائيلي يعمد إلى دخول مناطق محرّرة فجأة، فيُعرّض الأهالي للخطر"، ومنها مدينة بنت جبيل التي توغّلت القوات الإسرائيلية في داخلها وصولاً إلى محيط ساحة البركة، ليل 15 كانون الثاني، قبل أن تنسحب باتجاه يارون.

 

الصورة من (أ ف ب).

 

"لا حياة" في الناقورة

تنعدم مقوّمات الحياة في بلدة الناقورة الحدودية، بعدما أمعنت إسرائيل في تفجير وتدمير منازلها وطرقاتها بشكل شبه كامل، ولا تزال عودة الأهالي مرتبطة بقرار الجيش اللبناني بعد انتهاء فرقه الهندسية من تنظيف الميدان.

 

في مطلع السنة الجديدة، أي بعد أكثر من شهر على الاتفاق، دخل الجيش اللبناني للمرة الأولى بلدة الناقورة، وباشر بمسح الطرق العامة والفرعية، والمنازل السكنية، والأحراج والمرافق. وأمام الواقع الميداني الكارثي، تجهد البلدية لوضع خطط لخلق مقوّمات جديدة للحياة بحدّها الأدنى، مثل إصلاح وتأهيل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والطرقات المتضرّرة جدّاً.

 

من جهته، يؤكد رئيس بلدية الناقورة عباس عواضة، في حديث لـ"النهار"، أنّه "على تواصل مستمرّ ومباشر مع الجيش اللبناني، تزامناً مع إعادة تموضعه داخل مواقعه الستة السابقة في البلدة، التي كانت القوات الإسرائيلية قد احتلّتها عند الاجتياح البرّي خلال الحرب".

 

يروي عواضة اللحظات الأولى للوصول إلى الناقورة صباح وقف النار برفقة عدد من الأهالي، قائلاً: "دخلنا من الجهة الغربية للبلدة، وباشرنا بفتح الطريق بآلية للبلدية، قبل أن نُفاجأ بتمركز الجيش الإسرائيلي في وسط الناقورة، فاضطُررنا إلى المغادرة فوراً".

 

ويضيف: "تواصلنا مع الجيش اللبناني الذي فرض حاجزاً خارج حدود البلدة لمنع وصول الأهالي نتيجة استمرار الخطر الإسرائيلي، وقد التزم الجميع مُذّاك بعدم العودة إلى أرضهم".

 

ولكن، هل يُمكن لأهالي الناقورة العودة فور انتهاء مهلة الـ60 يوماً إذا ما التزمت إسرائيل بالانسحاب الكامل، أم ثمّة ظروف لا تزال تحول دون ذلك؟ يجيب عواضة بالقول: "نلتزم بقرار الجيش اللبناني حفاظاً على سلامة السكان، ولا أظنّ أنّه سيُرجئ العودة إلى ما بعد 26 كانون الثاني، لكن الوضع الميداني صعب جدّاً في الناقورة وسيُفاجِئ الأهالي".

 

تصوير أحمد منتش.

 

الواقع الميداني في علما الشعب

كحال سكان الناقورة، يُمنَع على أهالي علما الشعب العودة إلى منازلهم إطلاقاً منذ وقف إطلاق النار، فيما بدأ الجيش اللبناني بدخول البلدة في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، وتسلّم مركزَي "لحلح" و"الحميض" بعد تحريرهما.

 

أحد أهالي البلدة نجح في الوصول إلى مشارف علما الشعب ولم يستطِع الدخول بعدما علم بوجود القوات الإسرائيلية بين الأحياء السكنية، إضافة إلى فرض الجيش اللبناني حاجزاً عند مدخل الناقورة المجاورة، لمنع المواطنين من العبور نحو القرى المحتلة.

 

لا يقلّ الواقع الميداني في علما الشعب مأساوية عن الناقورة، إذ إنّ القوات الإسرائيلية عاثت خراباً في البلدة ودمّرت أكثر من 100 منزل بالكامل، فيما الأحياء السكنية الأخرى متضرّرة بنسب متفاوتة نتيجة القصف الجوي والمدفعي، إلى جانب تدمير البنى التحتية الأساسية.

 

وعن الوضع الأمني في علما الشعب، يؤكد رئيس بلديّتها جان غفري أنّ "التنسيق بين البلدية وقيادة الجيش اللبناني متواصل يوميّاً، وخاصة مع قائد اللواء الخامس ومخابرات الجيش واليونيفيل"، مشيراً إلى أنّه "لا معلومة مؤكدة بعد عن موعد عودة الأهالي إلى بيوتهم، وأتوقّع أنّها مرتبطة بانتهاء عمليات المسح الهندسية للمنازل خوفاً من تفخيخها، وانتشال الدفاع المدني للشهداء في البلدة، إلّا في حال وجود سبب سياسي أو أمني آخر قد يمنع العودة". ويُشدّد على دور الجيش اللبناني في بسط الأمن، بالقول: "نحن بانتظار بيان رسمي عن الجيش اللبناني يسمح لنا بالعودة الآمنة".

 

يُنشر هذا التقرير في إطار البرنامج التدريبي حول "أسس ومبادئ التغطية الإعلامية لقضايا الأمن في لبنان" الذي نظمّته مؤسسة "مهارات" بدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن "DCAF". هذا المحتوى لا يعكس بالضرورة آراء مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن. تم نشر التقرير في موقع النهار.