خلال الشهر الحالي، أعلنت مبادرة غربال أن المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين في وزارة الداخلية اللبنانية رفضت طلبها الحصول على معلومات عن أعداد الناخبين والمقترعين في الداخل والخارج، في مخالفة جديدة لقانون حق الوصول إلى المعلومات وضرب لمبدأ الشفافية.
وتشكّل تجربة غربال عينة من تجارب عديدة تندرج ضمن فجوة تطبيق الحق في الوصول إلى المعلومات. وتعدّ مثالًا عن معاناة مبادرات ومنظمات غير حكومية تنشط في مجال تعزيز الديمقراطية ومكافحة الفساد، جراء سوء التواصل والردود غير القابلة للتفسير التي تتلقاها من هيئات حكومية في إطار مطالبتها بالوصول إلى المعلومات، التي تحمل حقائق تخص الفاعلين كما الرأي العام.
والأغرب من ذلك أن المعلومات التي طلبتها مبادرة غربال قد سلّمت نفسها الى شركات إحصاءات تقوم ببيع معلومات، من واجب الإدارة الرسمية المعنية توفيرها مجانًا للجميع.
يثير هذا الموضوع إشكالية تطبيقية وقانونية تم التطرق إليها مرارًا في ظل عمل المؤسسات الإدارية والعامة بطرق سرية، بما يحول دون تحقيق مبدأ الشفافية وخدمة المصلحة العامة عبر قانون "حق الوصول إلى المعلومات" الذي أقر في العام 2017.
ويقول أسعد ذبيان من مبادرة غربال لموقع "مهارات نيوز"، إن عملية الحصول على بيانات أعداد الناخبين والمقترعين رفضت أكثر من مرة من قبل المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين في وزارة الداخلية.
ويوضح "رفضت المديرية بداية استلام الطلب باليد عند إرساله للمرة الأولى، ثم تمّ رفض استلام الطلب المرسل عبر البريد المضمون والمسجّل باسم مبادرة غربال مطالبةً بإحالته إلى وزارة الداخلية التي أحالته بدورها إلى المديرية بعد إرسال الطلب للمرة الثالثة.
بعد وصول الطلب، ردت المديرية، وفق ذبيان، بأن "المعلومات والبيانات المتعلقة بالانتخابات النيابية متوفرة على موقع وزارة الداخلية". لكن بعد مراجعة موقع الانتخابات اللبنانية ٢٠٢٢، تيبن غياب كافة البيانات المرتبطة بالمقترعين وبطوائفهم وتوزّعهم حسب الدوائر الانتخابية".
ويوثق الموقع بيانات تتعلق فقط بـ:
1- تفاصيل احتساب نتائج الانتخابات لعام 2022
2- مجموع أصوات المرشحين بحسب الدوائر لعام 2022
3- نتائج فرز لجان القيد بحسب الدوائر لعام 2022 (وفق ما ورد في لجان القيد الابتدائية والعليا)
مع اعتكاف المديرية عن الرد إلا بعد حصولها على موافقة مسبقة من وزير الداخلية، لا يزال طلب مبادرة غربال معلّقًا. ويشير ذبيان إلى استحالة القيام بأي خطوة قانونية في ظل تعطل القضاء المختص وعدم القدرة على تقديم الملفات بطرق قانونية.
تعديل المادة الخامسة
ويخالف ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المكرّس في الدستور اللبناني والذي ينصّ على حقّ كل إنسان في استقاء المعلومات والحصول عليها، وكذلك اتفاقية مكافحة الفساد التي انضم اليها لبنان عام 2009 لناحية تكريسها مبدأ الشفافية. كما يخالف قانون حق الوصول إلى المعلومات الذي تم تعديله عام ٢٠٢١ ليطابق المعايير العالمية لاتفاقية مكافحة الفساد ومبدأ الشفافية المعلوماتية.
في هذا السياق، يشدّد أيمن دندش من الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي) على أهمية فهم وتفصيل المواد المرتبطة بقانون حق الوصول إلى المعلومات. ويوضح أنّ المادة السابعة منه تنصّ على مبدأ "النشر الحكمي"، أي أنّه على الهيئات الحكومية والمؤسسات والإدارات العامة كافة واجب نشر المعلومات، ومنها المرتبط بالانتخابات النيابية. أما في حال غياب أي معلومة، يحوّل حق الوصول للمعلومات إلى تطبيق مبدأ النشر الطلبي الذي اتبعته غربال عند التقدم بالطلب.
ولا يجب أن يتعارض طلب المعلومات مع المادة الخامسة التي نصّت على امتناع الإدارة عن الإفصاح عن المعلومات المطلوبة إذا تناولت مواضيع مرتبطة بأسرار الدفاع الوطني والأمن القومي والأمن العام، وإدارة العلاقات الخارجية للدولة ذات الطابع السري، أو أي محاضر من الجلسات السرية لمجلس النواب أو لجانه.
ويطابق طلب غربال، وفق دندش، ما ينصّ عليه القانون في مادتيه الخامسة والسابعة.
في تحليل لمسودة قانون حق الوصول للمعلومات المعدلة، يري دندش أن لبنان أقر قانونًا قد يدعم "نظريًا" الحق بالحصول على المعلومات. أما تطبيقيًا، فمن الضروري تعديل المادة الخامسة منه عبر إلغاء "الاستثناء المطلق" واستبدالها بـ"الاستثناء النسبي". فهذه الخطوة القانونية تربط نشر وطلبات حق الحصول على المعلومات مع المصلحة العامة، أي لا يمكن الامتناع عن نشر أو رفض أي طلب للحصول على المعلومات، من ضمنها المنصوص عليها في المادة الخامسة، إذا تداخلت مع المصلحة العامة.
ويشدّد على أن "إعادة النظر بهذه المادة ضروري بهدف تطابقها مع المعايير الدولية لمبدأ الشفافية ومنع حجب المعلومات عن مطلقيها، خصوصًا أن الوصول إلى المعلومات هو حق للجميع، للمواطن والصحافي والمؤسسات على السواء".
العبرة في التنفيذ
في سياق مراقبة والتزام الإدارات العامة بتنفيذ أحكام قانون الوصول إلى المعلومات، قدّمت مبادرة غربال في عام 2021 طلبات إلى ٢١٠ إدارة ومؤسسة عامة وشركات خاصة تدير مرافق عامة.
الجدول ١: الشفافیّة في الإدارات العامّة اللبنانیة ٢٠٢١: تفصيل إجمالي الطلبات التي تم إرسالها
وبحسب التقرير السنوي الصادر عن المبادرة، تبين أن ١٠٤ مؤسسات لم ترد على الطلبات المرسلة، ورفضت خمس إدارات استلام الطلب، بينما عادت ثلاثون من المؤسسات المعنية بإجابات كاملة.
ويشير ذبيان إلى أن عدد الإدارات التي ردّت خارج المھلة القانونية المحددة، أي ١٥یومًا، ارتفعت إلى ٦٧ إدارة، خلافًا لما ينص عليه قانون حق الوصول إلى المعلومات.
في المرحلة الثانية من تطبيق حق الوصول إلى المعلومات، يفرض القانون على الإدارات العامة نشر المعلومات على مواقعها الإلكترونية والاستجابة للطلبات عبر البريد الإلكتروني. لكن لا يزال البعض منها يفتقر إلى البنية التحتية والموارد اللازمة لتطبيق القانون تقنيًا. فبحسب التقرير أعلاه، ومن عينة ٨٥ طلب تم الاستجابة له (أي ٤٣،٣٧٪ من مجموع الطلبات المرسلة)، أجابت ست إدارات فقط عبر البرید الإلكتروني، في حين أجابت ٧٩ إدارة خطیاً.
في الخلاصة، تقوّض سياسة حجب المعلومات وسرية بيانات الإدارات العامة مساعي الجهات الساعية للحصول على المعلومات والبيانات. ويشكل التهرّب من الاستجابة لطلباتها خرقًا لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات.
TAG : ,الوصول إلى المعلومات ,البيانات ,الانتخابات النيابية ,قانون ,حق ,الإدارات العامة ,الناخبين ,المقترعين ,الشفافية ,الديمقراطية ,الفساد