بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار بين لبنان واسرائيل ودخوله حيّز التنفيذ صباح 27 تشرين الثاني 2024، عاد المواطنون اللبنانيون من مراكز الايواء إلى بيوتهم في الجنوب والمناطق التي كانت تتعرّض للقصف الاسرائيلي، باستثناء أهالي القرى الحدودية التي لا زال الاسرائيلي يتواجد فيها.
ومن المهم اليوم، النظر إلى الفترة السابقة وتحدياتها، تحديدًا مراكز الايواء وأمنها الذي شكّل جدلًا كبيرًا حول اشكالية من يتولّى أمن هذه المراكز، الدولة اللبنانية أم الأحزاب؟
تسارعت الأحداث بشكل دراماتيكي في لبنان وصولًا إلى أيلول 2024 حيث شن العدوّ الإسرائيلي عدوانًا كبيرًا تسبب بنزوح مليون ومئتي ألف مواطن من منازلهم في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع وفق تقرير للجنة الطوارئ الوطنية. لكن سرعان ما تبين أن خطّة الطوارئ لم تكن معدة كما يجب، إذ شابت تطبيقها ثغرات عدة رغم أن عدد النازحين الذين احتاجوا إلى مراكز إيواء كان فقط مئة وتسعين ألف مواطن وفقاً لوزارة التربية، في حين أن الباقين إما استأجروا منازل في أماكن أكثر أمنًا أو سافروا أو سكنوا عند أقاربهم.
خطة الطوارئ الوطنية
لمعالجة الاشكالية، لا بد من العودة إلى الأساس أي خطة الطوارئ الوطنية التي لحظت تأمين حاجات الاغاثة ومراكز الايواء من دون تحديد الجهة الرسمية المولجة حفظَ الأمن فيها وإدارتها واكتفت بتحديد الجيش وقوى الأمن الداخلي كأجهزة مساندة لوزارة الشؤون الاجتماعية (مرفق ربطًا).
وفق تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية ضمّت بيروت 194 مركز إيواء رسميّ واستقبلت 54016 نازحًا. هذه المراكز كانت عبارة عن مدارس ومعاهد وجامعات تحولت إلى مراكز إيواء بقرار من وزارة التربية إثر النزوح الكبير من الضاحية الجنوبية ليل 27 أيلول 2024. ففي تلك الليلة وإبّان نشر المتحدث باسم جيش العدو الاسرائيلي أفيخاي أدرعي خرائط إنذار لمناطق عدّة في الضاحية، حصلت موجة نزوح ضخمة توجه بنتيجتها الأهالي إلى مراكز الإيواء التي افتتحت لاستقبالهم.
الأحزاب تولت الأمن داخل مراكز الإيواء في العاصمة بيروت
جالت شبكة ZNN الإخبارية قبل توقف الحرب على عينة من مراكز الايواء الرسمية في العاصمة بيروت بحيث اتضح أن إدارتها وتيسير أمور النازحين اللوجستية فيها تولتها جهات حزبية هي: حركة أمل، حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي.
في مركز إيواء تابع لحزب الله، يؤكد أحد المسؤولين أن “الحزب هو من تولّى الأمن هناك، إضافة إلى مهمة حل المشاكل والتنسيق والعمل على تأمين احتياجات النازحين”.
الأمر نفسه انسحب على حركة أمل التي تولت إدارة عدد من مراكز الإيواء في بيروت وأهمها مجمّع الرئيس نبيه بري التربوي الذي استقبل 3500 نازح. يقول أحد المسؤولين هناك لشبكة ZNN الإخبارية :"إن حركة أمل انشأت قبل توسع العدوان لجنة تنسيق مركزية تولت مع توسع العدوان فتح مراكز الايواء والتنسيق مع مدراء المدارس والمعاهد والجامعات. من مهام هذه اللجنة كان حفظ الأمن في المراكز ومنع حيازة الأسلحة فيها والتدخل لحلّ المشاكل في حال وقوعها والتدقيق في هويات الوافدين إلى المراكز من غير النازحين فضلاً عن أن تقديم أي نوع من الخدمات الصحية أو الاجتماعية أو المادية كان يفترض التنسيق مع ممثلي الحركة في المراكز".
ضمن الإطار ذاته، أكد مسؤول في الحزب السوري القومي الاجتماعي لشبكة ZNN الإخبارية :”أن الحزب تولى إدارة ست مدارس في بيروت من الألف إلى الياء، وأنه وضع ممثلين عنه لمتابعة كل تفاصيل النازحين، بما فيها التنظيم الأمني لمراكز الإيواء”.
إذًا، وبقراءة موجزة لواقع الحال في مراكز الإيواء يتبين الآتي:
ـ وزارة التربية نظمت تحديد المدارس الرسمية المعتمدة كمراكز إيواء.
ـ وزارة الشؤون الاجتماعية نظمت التنسيق مع الجهات المانحة لتأمين بعض المساعدات.
ـ وزارة الصحة أمنت احتياجات النازحين الصحية.
ـ الأحزاب تولت إدارة المراكز وتأمين الأمن داخلها ووضع الأنظمة والضوابط عوضاً عن أجهزة الدولة.
أين دور القوى الأمنية؟
جولة سابقة ميدانية لشبكة ZNN على بعض مراكز الإيواء في العاصمة بيروت كانت كفيلة بإظهار الغياب الكلي للجهات الأمنية الرسمية هناك. هذا الوجود الذي كان يقتصر على الحضور الأمني الرسمي خارج بعض المراكز وفي محيطها، كما سُجلت حالات نادرة لجأ خلالها مسؤولو الأحزاب إلى الأجهزة الأمنية لفض إشكالات داخل المراكز.
بالنتيجة تكرست سطوة الأحزاب التي باتت هي الوسيط بين الناس والدولة. فالأحزاب هي من وضعت الأنظمة والضوابط وحددت من تستقبل ومن تطرد وهو واقع أوجد حالة هجينة من الأمن الذاتي فرضته قوى الأمر الواقع.
واقع يستدعي طرح أكثر من سؤال: لماذا تم تغييب دور سلطة الدولة عن مراكز الإيواء الرسمية في بيروت؟ ولماذا لم يتم إلحاق عناصر الفصائل المغلقة في الضاحية الجنوبية بهذه المراكز؟ ولماذا اقتصر تواجد القوى الأمنية فقط على خارج نطاق مراكز الإيواء؟
وردًّا على هذه التساؤلات، كان قد صرّح وزير الداخلية بسام مولوي بعد حوالي الشهر على اندلاع الحرب بـ”ضرورة اتخاذ اجراءات وتدابير ضرورية وسريعة لضمان أمن المناطق والنازحين ومعالجة أي إمكانية لوقوع أي تطور أمني”، مشيراً إلى أن “الجيش يسير دوريات في المناطق ومديرية أمن الدولة تعمل على الأرض لتأدية الدور الأمني الضروري”.
وفي اجتماع أمني في وزارة الداخلية بحضور المحافظين وضباط عن الأجهزة الأمنية والعسكرية قال المولوي: “بحثنا بضرورة الأمن الاستباقي وضرورة عمل المخابرات وشعبة المعلومات”.
لكن تبين حينها أن التصريحات تختلف عن واقع الحال، إذ اقتصر دور الأجهزة الأمنية على تدخّلها عند ورود أي شكوى وعلى ملاحقة حاملي السلاح في المجتمعات المضيفة بالإضافة إلى حماية الأملاك العامة والخاصة من أي اعتداءات.
إذ وعلى سبيل المثال، كان لافتاً عدم إلحاق عناصر فصائل الضاحية الجنوبية المخلاة بمراكز الايواء الرسمية في بيروت، وعليه حملنا هذا السؤال إلى مصدر أمني معني. هنا أكد الأخير لشبكة ZNN أنه "تم توزيع العناصر على فصائل في مناطق أخرى، أما التواجد داخل مراكز الايواء فهو في الحقيقة قرار سياسي لم يتم التوافق عليه".
ويضيف المصدر عينه :”أن تولي الأحزاب التنظيم الأمني هو جزء من إدارتها لمراكز الايواء وتنظيمها لأمور النازحين، حتى أن طلب تدخل القوى الأمنية لفض عدد من الإشكالات داخل المراكز كان يتم بالتنسيق مع الجهات الحزبية الموجودة في المراكز التي حرصت في الوقت عينه على عدم ظهور ممثليها بسلاحهم داخل المراكز".
إذًا اختلف المشهد الأمني في مراكز الايواء بين ما صرّحت به الجهات الرسمية وبين واقع الحال حيث أمسكت الأحزاب بالأمن داخل مراكز الايواء بحسب ما تبيّن خلال جولات ميدانية على بعض المراكز بما يكرّس سلطة الأحزاب السياسية في لبنان، الأمر الذي يطرح ضرورة وضع استراتيجية جديدة تعيد ثقة المواطن بالدولة. ثقة لا يمكن بناؤها إلا بإعادة دور الأجهزة الأمنية الرسمية بحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة.
يُنشر هذا التقرير في إطار البرنامج التدريبي حول "أسس ومبادئ التغطية الإعلامية لقضايا الأمن في لبنان" الذي نظمّته مؤسسة "مهارات" بدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن "DCAF". هذا المحتوى لا يعكس بالضرورة آراء مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن. تم نشر التقرير في موقع ZNN NEWS NETWORK.