Loading...
halftrue

صحيح جزئياً

1079981 1641030483 (1)
هل يمكن استخدام أموال الدولة والقطاع العام المودعة لدى مصرف لبنان لتمويل الكهرباء؟
15/07/2024

نشر الخبير الاقتصادي منير يونس عبر حسابه على "منصة X" متسائلًا حول ماذا يمنع الحكومة والمؤسسات العامة من الإنفاق على الخدمات ومنها الكهرباء، خاصة مع وجود ودائع للدولة ومؤسساتها العامة في مصرف لبنان تقدر قيمتها ب 4.8 مليار دولار.

 

ويشهد لبنان في الأيام الاخيرة الكثير من الجدل حول قضية الفيول العراقي وازمة الكهرباء عمومًا، حيث تطالب وزارة الطاقة مصرف لبنان بصرف الاعتمادات اللازمة لشراء الفيول العراقي تحت طائلة الدخول بالعتمة، بينما يرفض الأخير ذلك. وسط مطالبات عديدة بضرورة تحييد احتياطات المركزي عن هذا الأمر وعدم استنزافها أكثر، والاعتماد على أموال الدولة ومداخيل مؤسسة كهرباء لبنان لتمويل خدمة الكهرباء خاصة مع رفع السعر الرسمي المُعتمد للجباية من المواطنين.  

 

فهل يمكن استخدام أموال الدولة والقطاع العام المودعة لدى مصرف لبنان لتمويل الكهرباء؟ وهل تكفي هذه الأموال اصلًا لسد حاجة الكهرباء؟

 

قال حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري في 11 تموز 2024 في حديث لقناة الجديد، وتعليقًا على موضوع السجال بين وزارة الطاقة ومصرف لبنان بشأن أموال الكهرباء، إن "مؤسسة كهرباء لبنان تستطيع الحصول على أموالها كاملة من المصرف المركزي دون أي قيود ‏كذلك الأمر بالنسبة لوزارة الطاقة، لكن ‏المشكلة أن لا مؤسسة كهرباء لبنان ولا وزارة الطاقة تملك الأموال التي تطالب بصرفها من أجل شراء النفط العراقي.

 

وتابع منصوري أنه "لا يوجد في موازنة سنة 2024 أي اعتمادات لدفع ثمن‬ النفط العراقي الذي يطلبه وزير الطاقة"، مضيفًا: "لا علاقة لمصرف لبنان أبدا بكل ما يحصل اليوم لأن الحكومة سيدة نفسها ولكن لا يوجد لديها اعتماد في موازنة 2024 لدفع ‫ثمن‬ النفط العراقي ولا يوجد لديها أموال في حساباتها تسمح بذلك.

 

ويشرح الخبير في إدارة المال العام اسكندر البستاني أنه يوجد حساب للخزينة في مصرف لبنان خاص بإيرادات الدولة المُحصّلة، بالإضافة لايرادات الإدارات العامة والوزارات، التي بدورها لديها حسابات فرعية، وهذه الحسابات يمكن أن تحوي أموالًا بالليرة اللبنانية او بالدولار الأميركي.

 

ويقول البستاني في حديث لموقع "مهارات نيوز": "من الناحية التقنية لا أمر يُعيق استخدام هذه الأموال لتمويل الكهرباء، ولكن المشكلة الأساسية أن هذا الفعل سيؤثر سلبًا على موضوع سعر الصرف، ويحاول مصرف لبنان بسياساته اليوم تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار وكبح التضخم، حيث أن هناك كما هو معروف سببين مباشرين يؤدّيان إلى انهيار قيمة العملة أمام الدولار، اما ازدياد السيولة والكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، او انخفاض الاحتياطات بالعملة الاجنبية".

وبحسب البستاني فهذا الحساب الذي يحتجز منه المركزي هذا القدر من المال إذا  قررت الدولة أن تُسدد منه مستحقاتها للنفط، فهي عمليا تقوم بالأمرين اللذين يؤثران على سعر الصرف، وهما ازدياد السيولة بالليرة في السوق، وشراء الدولارات وتحويلها للخارج عبر الاستيراد، وبالتالي انخفاض احتياطي الاقتصاد بالعملة الصعبة.

 

وبالرغم من أن هذه السياسة من مصرف لبنان قد يكون لها كلفة اجتماعية مرتفعة، ولكن مدى صوابيتها يعود لسياسة وأولويات الدولة، هل هي الحفاظ على سعر الصرف وإعادة تشكيل الودائع بالعملات الأجنبية بأي ثمن، أو الأولوية للشق الاجتماعي؟

 

بدوره مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني، وردًا على سؤال حول إمكانية استخدام أموال الدولة لدى مصرف لبنان لتمويل الكهرباء، أكّد أن الحكومة اللبنانية تملك القدرة على التصرف بودائعها في مصرف لبنان، "ولكن السؤال الأساسي هل من المنطقي والطبيعي أن يسمح المصرف المركزي لدولة مدينة له بمليارات الدولارات أن تمتنع عن تسديد ديونها"؟

 

ويضيف مارديني في حديث لـ "مهارات نيوز"،  "المشكلة أن الجميع ينظر إلى ما لدى الدولة من أموال في حسابها في مصرف لبنان، ولكن لا أحد يلتفت الى أن الدولة مدينة لمصرف لبنان بأكثر من 16 مليار دولار، أي ما يقارب أربعة أضعاف ما لها منه. وبالتالي يجب النظر هنا إلى المطلوبات على الدولة لدى المركزي وليس فقط على موجوداتها. والأولى أن يتم استخدام هذه الأموال لتسديد جزء من ديون الدولة، وهكذا نكون قد بدأنا بمعالجة مشكلة الدين العام التي هي أساس الأزمة التي نعيشها".

 

وبحسب مارديني فإن الكهرباء "اساس البلاء في البلد"، والمشكلة أن مؤسسة كهرباء لبنان تجبي اقل بكثير مما تنفق وبالتالي يتم الذهاب والاعتماد دائمًا على مصرف لبنان لتسديد الأموال لشراء الفيول، وهذا النهج هو الذي اوصلنا لأن تكون الكهرباء مسؤولة عن 50% من الدين العام. ويضيف، "رغم ما نمرّ به من أزمة لا يزالوا مستمرين بنفس النهج ويتوجهون اليوم لاخذ ما تبقى من أموال في مصرف لبنان لهدرها على كهرباء لا تأتي".

    

الحل الوحيد لمشكلة الكهرباء في لبنان وفق ما يقول الدكتور مارديني هو بنقل صلاحية الكهرباء من وزارة الطاقة الى البلديات. "لدينا اليوم ثورة بالطاقة المتجددة ولبنان غني باشراق الشمس عليه اغلب اوقات السنة. ويجب التوجه نحو مزارع الطاقة الشمسية حيث كلفة الكهرباء ارخص بكثير من كلفة كهرباء الدولة والموتورات، وذلك عبر السماح لكل بلدية ان ترخص ضمن نطاقها مزارع للطاقة الشمسية، وتأتي شركات خاصة لتستثمر بالكهرباء عبر هذه المزارع وتبيع الخدمة للمواطن مباشرة، وهكذا يمكن توفير شراء الفيول، وذهاب كهرباء لبنان سنويا لأخذ أموالاً من الدولة".

 

اذًا وفي المحصلة، فإن السؤال عن إمكانية استخدام أموال الدولة المودعة لدى مصرف لبنان لتمويل الكهرباء هو صحيح جزئيًا، حيث لا أمر يمنع الحكومة تقنيًا من التصرف بودائعها في مصرف لبنان كيف شاءت، ولكن يبقى هذا الأمر صعب التنفيذ اليوم على أرض الواقع نظرًا لواقع ديون الدولة المتراكمة للمصرف كما أسلفنا، والخوف على سعر صرف الليرة، الذي قد لا يكون للحكومة أو مصرف لبنان أي فائدة من زعزعته مجددًا.