سلّطت حوادث السير المميتة التي شهدها لبنان في الآونة الأخيرة الضوء مجددًا على بنية السير المتداعية في البلاد، في ظل تراجع قدرة المؤسسات المعنية على صيانة الطرقات وتأهيلها ووضع خطة للسلامة المرورية قيد التطبيق.
وتظهر إحصاءات لقوى الأمن الداخلي، اطّلع عليها موقع "مهارات نيوز" انخفاضًا في نسبة حوادث السير في الأشهر الست الأولى من هذا العام مقارنة مع الفترة ذاتها خلال العام الماضي بنسبة 38,81%. لكن وتيرة الحوادث عادت لترتفع خلال شهري تموز وآب، وفق ما يؤكد مواكبون لموضوع السلامة المرورية.
ويقول مصدر من قوى الأمن الداخلي إن "سبب هذا الانخفاض يعود الى البطالة، والحجر جراء وباء كورونا، ثم ارتفاع أسعار المحروقات وهجرة الشباب وارتفاع أسعار الكحول، ما أدى بالتالي إلى انخفاض في نسبة الحوادث، رغم حالة الطرقات السيئة في لبنان وعدم صيانتها أو إضاءتها".
ويوضح الخبير في إدارة السلامة المرورية كامل ابراهيم لـ"مهارات نيوز" أنه بعد انخفاض حوادث السير خلال السنتين الأخيرتين، "عادت النسبة لترتفع بشكل كبير خلال شهري تموز وآب، مع توافد أعداد كبيرة من السائحين والمغتربين ومع عودة الحياة الى طبيعتها نوعًا ما"، ما أدى بالتالي إلى ارتفاع عدد القتلى جراء "غياب استراتيجية أو خطة لضمان عدم الموت على الطرقات".
ولم تزوّد قوى الأمن الداخلي موقع مهارات نيوز بإحصاءات الشهرين المذكورين، رغم طلبات متكررة بهذا الشأن.
ويُعدّ وضع الطرقات حاليًا في لبنان، وفق إبراهيم، "مشابهًا لما كان عليه قبل سنة 2000، لناحية عدم وجود إنارة والتوقف عن صيانة الطرقات وعدم تطبيق القانون، إضافةً إلى انعدام القدرة المادية لصيانة السيارات، ما دفع المواطنين الى اعتماد وسائل نقل أخطر مثل التوكتوك والدراجات النارية التي تؤدي كلها إلى حوادث مميتة".
وفق إحصاءات قوى الأمن الداخلي، انخفض عدد القتلى بنسبة 29,35% في الأشهر الست الأولى من العام الحالي مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
ويرى إبراهيم أن "الانخفاض الذي تتحدث عنه المصادر الأمنية ليس بانخفاض إيجابي، لأنه أتى نتيجة تراجع التنقلات وليس نتيجة تطبيق القوانين" المطلوبة أو تطبيق إجراءات ملحّة للحفاظ على السلامة المرورية.
في بلد تسود حالة الفوضى على طرقاته، لا يمكن وفق إبراهيم، تحديد سبب واضح لحوادث السير. ويشرح "يقع هذا الدور على قوى الأمن التي يجب أن تحدّد أرقام الحوادث في كل منطقة بشكل مدروس مع تحديد الأسباب التي من الممكن أن تختلف بين السرعة وعدم الرؤية ليلًا أو وضع الطرقات السيء".
وتعاني طرقات لبنان من دون استثناء من غياب أو نقص تدابير الحماية. ولا يتم التعامل مع السلامة المرورية كأولوية، خصوصًا على وقع الانهيار الاقتصادي المتمادي الذي يشهده لبنان منذ قرابة ثلاث سنوات.
وفي مؤتمر صحافي عقده في 20 أيلول، أكّد وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حميه أن "كل طرقات لبنان تعاني من موضوع السلامة العامة".
ويصل طول شبكة الطرق على الأراضي اللبنانية إلى 22 ألف كيلومتر، تقدّر كلفة صيانتها وفق حمية، استنادًا إلى المعايير العالمية المتبعة بـ 105 مليون دولار، أي ما يعادل قرابة 4 آلاف مليار وفق سعر الصرف.
في المقابل، يبلغ مشروع موازنة الوزارة الحالية 39 مليار، أي ما يوازي مليون دولار فقط، مخصص "لصيانة كافة أقسام شبكة الطرق المصنفة"، وفق حميه.
ويوضح حميه: "نحن بحاجة إلى 220 مليون دولار مقسّمة إلى 105 مليون للقيام بالصيانة الدورية و120 مليونًا للقيام بصيانة وتأهيل الأوتوسترادات".
وفي ظل انعدام قدرتها على تأهيل الطرقات، عمدت الوزارة خلال الأشهر الماضية بالتنسيق مع الجهات المعنيّة إلى ترقيع عدد كبير من الحفر، في غياب اعتمادات لتعبيدها بالإسفلت.
ويرد في إطار الإصلاح والإنعاش وإعادة الإعمار في لبنان (3RF)، الذي يشكل جزءًا من الاستجابة الشاملة للانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب 2020، أن قطاعي الخدمات والبنية التحتية يتطلبان إجراءات فورية في العديد من المجالات ذات الأولوية لبدء الانتعاش. وتشمل إحدى الاستراتيجيات وخطط العمل المتعلقة بالاستثمارات / البرامج في الخدمات البلدية، إعادة تأهيل الطرق والبنية التحتية للنقل المتضررة وتصريف مياه الأمطار وسواها.
ويعاني لبنان من بنى تحتية متداعية ومن غياب شبه تام لوسائل النقل العام. ويتجاوز عدد السيارات والعربات المسجّلة فيه المليونين، وفق إحصاءات رسميّة، فيما يعيش ثمانون في المئة من إجمالي السكان البالغ عددهم قرابة ستة ملايين، تحت خط الفقر.
ويحذّر مؤسس جمعية اليازا الدكتور زياد عقل من خطورة الوضع الراهن.
ويقول لموقع "مهارات نيوز" إن الوضع اليوم مشابه "لواقع التسعينات مع توقف المعاينة الميكانيكية الالزامية، والاتّكال على المعاينة الذاتية التي أصبحت مستحيلة لدى البعض بسبب الأوضاع الاقتصادية".
ويضيف "يرتب هذا الأمر خطرًا كبيرًا، خصوصًا مع قدوم فصلي الخريف والشتاء" داعيًا "كل سائق إلى التأكد من الإطارات والمكابح وغيرها من الوسائل التي تحتاج معاينة دائمة لمنع حصول الحوادث".
ووصل ترهّل الطرقات الى حدّ سرقة أغطية المجاري الصحية (الريغارات)، ما تسبّب بسقوط العديد من الأشخاص داخلها.
ويعتبر عقل أنّ "عدم معاقبة هذه العصابات بشكل جدّي وحاسم يسبب تدهورًا إضافيًا في مستوى السلامة المرورية، مع غياب شبه تام لصيانة الطرقات التي لا تتمتع بالحدّ الأدنى من مواصفات الطرق السليمة، لناحية الإشارات التحذيرية ووسائل الحماية التي يجب أن تكون موجودة، إضافةً الى غياب الإنارة".
ويختم "هذه الأسباب كلها تأتي نتيجة غياب القانون بشكل صارم، وغياب الوعي عند معظم المواطنين في ما يخصّ الالتزام بقانون السير الذي يبقى حبرًا على ورق".
TAG : ,حوادث السير ,الطرقات ,السلامة المرورية ,الأوتوسترادات ,تأهيل الطرق ,البنية التحتية