Loading...

تعديل دفتر شروط النافعة... هل يكون بابًا للحوكمة في لبنان؟

 

يتواصل العمل بشكل جزئي في هيئة إدارة السير والآليات والمركبات - مصلحة تسجيل السيارات والآليات، وقد تم العمل مؤخرًا على إنشاء منصّة لحجز المواعيد في المركز الرئيسي في الدكوانة، وذلك منذ إعلان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي إعادة فتح النافعة في 7 تشرين الثاني 2023، وتكليف محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود بمهام رئيس مجلس إدارة - مدير عام هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، حتى إشعار آخر، تأمينًا لإستمرارية سير المرفق العام واستقراره، بعد أشهر على إقفالها بسبب قضايا فساد، أهمها التلزيم لشركة "انكريبت" خلافًا للقانون بعد إجراء المناقصة عبر هيئة إدارة السير وليس عبر وزارة الداخلية والبلديات. 

يُعيد هذا الأمر الحديث عن أهمية تطبيق قانون الشراء العام، الذي يكفل تطبيقه إمكانية عدم حصول ممارسات فاسدة في التلزيمات العمومية، لأنّ قسمًا كبيرًا من هذه الممارسات يتم من خلال إجازات مفتوحة من مجلس الوزراء للوزراء بعَقد صفقات بالتراضي دون وجود أسباب موضوعية تبرّر ذلك.

تأجيل التلزيم الجديد ودفتر الشروط قيد التعديل

كان يُفترض أن تُفضّ عروض المناقصة الجديدة لتلزيم وتشغيل مراكز المعاينة الميكانيكية في 30 تشرين الأول 2023، إلا أنّ محافظ بيروت القاضي مروان عبود أصدر قرارًا بإرجاء جلسة التلزيم إلى موعد يُحدّد لاحقًا فور إدخال التعديلات اللازمة على دفتر الشروط .

كتاب التأجيل الذي  نُشر عبر منصة هيئة الشراء العام لم يستفيض في شرح المستجدات التي إستدعت إعادة النظر بدفتر الشروط بل اكتفى بأن التأجيل يهدف لإزالة الغموض تفاديًا لتعرّض عملية التلزيم للطعن، وتأمين التنافس والمساواة بين العارضين، تطبيقًا  للمادة 21 من قانون الشراء العام.

وتُعنى المادة 21 من القانون بطلبات الاستيضاح حول أمرين وهما: ملفات التلزيم والتأهيل المسبق، والمعلومات المتعلقة بالمؤهلات والعروض. 

وأوضحت هيئة ادارة السير في بيان أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2023 أن المناقصة لن تُلغى بل سيعاد اطلاقها وفقا للاصول حيث أن دفتر الشروط المعد سابقا للتلزيم، ونتيجة الاستيضاحات العديدة التي وردت من عارضين محتملين أصبح بحاجة إلى اعادة النظر والتعديل في نقاط جوهرية منها: معادلة الاسعار، الشروط الفنية، مصدر التمويل، وتناقض في أحكام بعض المواد.

بدوره يقول رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة في حديث لموقع "مهارات نيوز"، "مناقصة النافعة جرت من خارج إدارة المناقصات يومها، ولم يعرض علينا دفتر شروطها"، مؤكدًا أنه ووفقًا لرأي هيئة الشراء العام، لا يوجد ثغرات بدفتر الشروط.

وردًّا على سؤال حول طريقة ضبط التحايلات التي قد تحدث على قانون الشراء العام لتمرير التلزيمات أكد العليّة أن المراقبة والمحاسبة هي الطريقة الأنجح لذلك.

المسار القضائي في النافعة مستمر

يواصل القضاء تحقيقاته في ملف النافعة منذ إقفالها، وتوقيف عدد كبير من الموظفين فيها بتهم فساد ورشوة، وقد أحالت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة برئاسة القاضي فوزي خميس، يوم الخميس في 7 كانون الأول 2023، رئيس مجلس إدارة شركة "انكريبت" هشام عيتاني، وكل من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكًا إلى النيابة العامة التمييزية، لملاحقتهم جزائيًا عما ارتكبته الشركة بحق مصلحة "النافعة".

بجانب الملف القضائي، تم تشكيل لجنة تقصي الحقائق المنبثقة عن لجنة الاشغال العامة والنقل والمكلفة تقصي الحقائق في موضوع تلزيم مشروع النظام المتكامل بإصدار رخص سوق ورخص سير المركبات الالية واللاصقات الإلكترونية ولوحات التسجيل الامنة وبرامج مكننة مصلحة تسجيل السيارات والآليات، ويرأس اللجنة النائب إبراهيم منيمنة الذي أشار في حديث لموقع "مهارات نيوز" إلى أن اللجنة تبحث في الملف وتضع ما توصلت إليه في سياق تقرير، موضحًا بأن عمل اللجنة يأتي في سياق معرفة كيف تم تلزيم النافعة وليس في إطار عملها اليوم، حيث أن اللجنة لا تتدخل في موضوع الإدارة الحالية.

ويشرح منيمنة بأنه تم الإستماع إلى ديوان المحاسبة، محافظ بيروت، وهيئة الشراء العام، لتكوين فكرة حول كيف تم الاستفادة من الثغرات القانونية، وكيف حصلت سلسلة التجاوزات لحصول شركة "انكريبت" على التلزيم، مؤكدًا بأن العمل يدور حول تجميع الحقائق والوقائع، وفي وقت لاحق يمكن وضعه في صيغة تقرير لاستعماله في لجنة تحقيق برلمانية.

تجربة عمل لجنة تقصي الحقائق بحسب منيمنة موجودة في نص النظام الداخلي لمجلس النواب إلا أنها لم تمارس من قبل، ويتم العمل لجعلها سابقة في هذا الإطار، بالرغم من الصعوبات بالوصول الى الوثائق وعدم امتلاك صلاحية الإستدعاء أو فرض الحصول على معلومات. 

وفيما يخص الشق الإداري والعملي في النافعة، يقول المحافظ مروان عبود في حديث لموقع "مهارات نيوز": "الغاية الأساسية اليوم من عملنا هي استمرارية المرفق العام بعيدًا عن الشق القضائي ولجنة تقصي الحقائق، لا سيما وأنه لدينا معاملات متراكمة ننجزها والأساس إعادة ضخ الأموال الى الخزينة العامة، ومن لديه أي مأخذ فليتابع الموضوع في القضاء"، ولفت عبّود إلى أن تسيير المرفق العام سيستمر إلى حين إقرار المناقصة الجديدة، لا سيما وأننا نحن أمام أكثر من 60 ألف معاملة مكسور العمل بها.

الشفافية تبدأ بتطبيق قانون الشراء العام 

جاء قانون الشراء العام، الذي بدأ العمل به في 29 تموز 2022، ليعالج الكثير من الثغرات الموجودة، وحدّد ﻗﻭﺍﻋﺩ إجراء الشراء العام، كما أن تأسيس هيئة الشراء العام جاء لينهي الفوضى في العقود الإدارية والتلزيمات العمومية، ويشكّل الشراء العام محورًا أساسيًا من محاور الإنفاق العام الملحوظ في الموازنات العامة للدولة، في ظل غياب الدفاتر النموذجية المطلوبة للصفقات.

وفي السياق، أكدت رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي السيّدة لمياء المبيض في حديث لموقع "مهارات نيوز" أن قانون الشراء العام هو أحد المداميك لاستعادة الثقة بلبنان، وبأنظمته ومؤسساته تمهيدًا لوضع الإقتصاد على سكة التعافي، ولفتت إلى أن القانون القديم ليس قانونًا معياريًا ولا يحقق المتطلبات العامة للشفافية، كما أنه وفق قانون المحاسبة القديم لا يوجد إلزامية لاجراء مناقصة، مشدّدةً على أن روحية أي إدارة جيدة وسليمة تفرض على المسؤول القيام بمناقصات لممارسة الحكم بشكل جيد، وتحقيق القيمة الفضلى للمال العام حتى إذا لم يكن هناك نص يلزمه بذلك .

ظهرت الحاجة في لبنان الى ضرورة تحديث النصوص القانونية، ووضع حَد للخلل في التطبيق والتنفيذ، من خلال الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، وذلك نتيجة التطورات التي طرأت على الشراء العام والتعقيدات التي ترافق هذه العمليات.

ولا يمكن النظر الى قانون الشراء العام الذي تمّ إقراره بوصفه قانونًا مستقلًا، بل على أنه يشكل جزءًا من منظومة قانونية مترابطة، وقد شددت رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي على أن هناك "عمى مالي" في إدارات الدولة، لأن قانون الشراء العام مرتبط بالموازنة والإطار المالي للدولة وهي حلقة واحدة لا يمكن فك إرتباطها، وقانون الشراء العام هو قانون معياري ودولي وتطبيقه ليس سهلاً، ويجب التعود عليه، وعلى المسؤولين تطويع أنفسهم وليس تطويع القانون، واعتبرت بأن وضع أطر قانونية حديثة هو جزء من عملية إصلاحية متشعبة.

وتضيف مبيّض "ما حصل للأسف الشديد أن قانون الشراء لم يعطى حقه في التحضير وتمويل كل بنود تطبيقه، وهو إلزام تدريب جميع العاملين في ما خص ملف الشراء العام، لفهم الروحية والمنهجية الحديثة، مع العلم بأن كل الدول العربية سبقتنا في هذا السياق، ويجب تهيئة الأُطر المؤسسية والقدرات البشرية لتتماشى مع متطلبات الشراء الحديث (نظام شراء لامركزي)، كما استخدام الأنظمة الالكترونية والمنصات الرقمية، لأن نجاح الإصلاح مرتبط بها إلى حد كبير، ونحن في لبنان ينقصنا الجديّة في تطبيقه".

ودعت مبيّض إلى الإستثمار في البنية التحتية المعلوماتية من خلال إنشاء وتفعيل المنصة الإلكترونية المركزية التي تُعتبر أساسًا لنظام حديث ورقابة فعلية، وإفصاح تلقائي ومنهجي عن المعلومات لا تستقيم الأمور من دونه، والتدريب على استخدامها، والعمل على تطويرها بشكل مستمر، فضلا عن أهميّة وجود "الوثائق المعيارية" أي دفاتر الشروط النموذجية والتي على هيئة الشراء العام إصدارها، وهذه الدفاتر يجب أن يرافقها أدلّة عمليّة وتدريب على استعمالها لكي تسهّل التطبيق.

إذًا ما بين تسيير المرفق العام، وتطبيق قانون الشراء العام، وتفعيل دور لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، يسير ملف النافعة كسابقة بمؤسسات الدولة اللبنانية، على أمل أن يكون "سابقة حسنة" يُبنى عليها في بقية المؤسسات.

TAG : ,دفتر شروط ,النافعة ,تسجيل السيارات ,انكريبت