Loading...

قانون المنافسة في مواجهة الثغرات القانونية وعدم التطبيق

 

تداولت بعض وسائل الإعلام خبر إصدار وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان، قرارا بمنع استيراد المفروشات المنزلية والمكتبية بهدف حماية الصناعات المحلية والحد من تحويلات الدولار إلى الخارج، ما أدّى إلى توقف العمل بأكثر من 100 مؤسسة تجارية وتسريح عمالها بحسب ما تم تداوله، الأمر الذي نفته نقابة مخلصي البضائع وفق بيان صدر في 30 كانون الثاني 2023، مؤكدةً أن القرار المذكور أصدره وزير الصناعة آنذاك وائل أبو فاعور بتاريخ 9 أيار 2019، ولم يمنع بموجبه استيراد المفروشات من أي نوع كان، بل وضع بعض الشروط، كتسجيل المعامل التي تصدّر منتوجاتها إلى لبنان، وتقديم بعض المستندات من قبل المستوردين، تثبت أن هذه المصانع تطبّق نظام رقابة على الجودة، بهدف حماية الصناعة المحلية.

 

ولكن على المقلب الآخر أكّد وزير الاقتصاد في مقابلة مع "نداء الوطن" أن وزارة الصناعة بدأت منذ فترة تتّخذ قرارات تقع ضمن صلاحية وزارة الإقتصاد وآخرها، قراراً بمنع استيراد المفروشات بهدف المحافظة على الصناعة الوطنية، من دون العودة إلى وزارة الاقتصاد المعني الأول والوحيد في الإستيراد والتصدير وفقاً للقانون. 

فما حقيقة إصدار قرار بمنع استيراد المفروشات المنزلية والمكتبية؟ وأين قانون المنافسة من هذه الأزمة؟

 

 

القرار المتداول مفاده منع استيراد المفروشات المنزلية والمكتبية بهدف حماية هذا قطاع، بسبب عوائق عدّة تعاني منها الصناعة المحلية من يد عاملة عالية الأجر، وتكلفة كهربائية ومواد أولية أغلى مقارنةَ بالخارج. كل هذه العوامل أدت إلى صعوبة أو شبه انعدام القدرة على المنافسة بين الصناعة الوطنية والمستوردة من الخارج وتحديدًا من أوروبا الشرقية التي تتمتع بيد عاملة ومواد أولية أرخص بكثير، وتكلفة كهربائية شبه مجانية وبالتالي كلفة إنتاجية منخفضة تساعد على اكتساح السوق المحلي وشلل عمل الصناعة اللبنانية.

 

يطرح منع استيراد أي بضائع اشكالية لتعارضه مع الدستور اللبناني الذي ينص في بابه الأول وتحديدًا في مقدمته على أن "النظام الاقتصادي اللبناني حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة" ومع قانون المنافسة 281- 15/3/2022، الذي يهدف من جهة إلى حماية الاقتصاد اللبناني من الاحتكار والتحكم بالسوق وفرض أسعار مرتفعة على البضائع والسلع وتحفيز المنافسة وحماية الأسعار، ومن جهةٍ أخرى حماية حقوق المستهلك عبر إتاحة المجال أمام جميع المؤسسات والشركات التجارية أن تتنافس وتقدم أفضل السلع والخدمات وبأسعار منخفضة.

 

صدر قانون المنافسة المشار إليه على خلفية الاحتكارات في الفترة الماضية في مختلف القطاعات، مثل الاسمنت والماركات العالمية، وبفعل كثرة الامتيازات المعطاة بموجب قانون التمثيل الحصري الذي ألغي لاحقًا في 22 شباط 2022 نطرًا للتداعيات الخطيرة التي يمثلها على رفع أسعار السلع، بسبب هيمنة شركات كبيرة على الأسواق مما يجبر المواطن على شراء السلع بأسعار عالية جدًا.

 

لذلك بهدف حماية المواطن كان هناك حاجة ملحة على أن يكون هناك منافسة بين الشركات ليصبح التداول حرّ من خلال وضع قانون للمنافسة يحمي بدوره أصحاب المصالح الصغيرة من "حيتان الأموال الكبيرة" التي تهيمن على الأسواق اللبنانية ويعزز حرّية المنافسة وفق ما شرحت المحامية بالاستئناف ساندرا جان جريجيري لـ"مهارات نيوز".

 

وأكّدت جريجيري أنه "هناك خيارات أخرى أمام الوزير كان يمكنه اتباعها لحماية الصناعة الوطنية، بدلًا من المنع النهائي للاستيراد على سبيل المثال رفع تعرفة الجمرك على البضائع مما يرفع سعرها في السوق، فتصبح الصناعة اللبنانية أقل سعرًا ويخفف بالتالي الطلب على البضاعة الأجنبية ويدفع بالمواطن اللبناني للجوء إلى الصناعة الوطنية". 

 

لذلك يعتبر أي قرار بمنع الاستيراد اعتباطيا كونه يتعارض مع قانون المنافسة ومع واقع الاقتصاد اللبناني الذي يقوم على اقتصاد حرّ وحريّة المنافسة وحريّة التجارة وحرية الاستيراد والتصدير.

 

أما من الناحية القانونية أكدت جريجيري أنه "وفق التسلسل الهرمي تحدد الأولويات القانونية مفاعيل القرارات إذ يأتي في المرتبة الأولى الدستور ومنه ثم القوانين ثم القرارات وبالتالي لا يمكن لقرار وزير أن يلغي قانون لأنه وفق التراتبية القانون أقوى منه أي من القرار". 

 

وفي السياق عينه أشار وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام لـ"مهارات نيوز" إلى أنه "تم إلغاء القرار الذي أصدره وزير الصناعة من قبل مجلس شورى الدولة كونه يتعارض مع صلاحيات الوزير نفسه، إذ إن قرارات كهذه تقع على عاتق وزارة الاقتصاد لا وزارة الصناعة". 

 

وكانت لتمتد المفاعيل السلبية لهذا القرار لو طبّق على المواطن اللبناني لتحرمه من أسعار تنافسية منخفضة، نتيجة منع دخول البضائع الأجنبية التي تعتبر أرخص من البضائع الوطنية التي لا يوجد من يحميها ويقلل من التكلفة العالية التي يتكبدها الصانع اللبناني لإنتاجها من جهة الكهرباء والمواد الأولية واليد العاملة.

 

ما مصير قانون المنافسة؟

لقانون المنافسة دور أساسي على صعيد الإصلاحات الاقتصادية والماكرو اقتصادية، لذلك ورد ضمن جدول عمل الـ3RF عام 2022 ضمن مجموعة عمل القطاع الخاص، ولكن لم يعد هذا القانون ضمن عمل الـ3RF بسبب حلّ هذه المجموعة والعمل حاليًا على إيجاد مجموعة عمل تتناسب مع قانون المنافسة تضم مختصين قادرين على إجراء الحوارات بين الجهات المعنية ومتابعة تطبيق قانون المنافسة. 

 

على الرغم من إصدار قانون المنافسة لم يطبق بكامله لأنه لا يزال هناك ثغرة مهمة فيه تتمحور حول إنشاء الهيئة الوطنية للمنافسة، يقوم دورها على مراقبة عملية المنافسة على أن تحظى باستقلال مالي وإداري وتتمتع بشخصية معنوية.

 

تتألف هذه الهيئة من 7 أعضاء مجلس إدارة، أمانة سر، ومفوض لدى الحكومة على أن يكون اثنين من الأعضاء قضاة من بين قضاة محاكم التجارة والإفلاس من الدرجة العاشرة على الأقل يرشحهما مجلس القضاء الأعلى، وعضوين لديهم خبرة في التجارة يتم اقتراحهم من قبل غرفة التجارة والصناعة، وعضو من المحامين من ذوي الخبرة في القانون التجاري و/أو الحريات الاقتصادية و/أو حقوق المستهلك و/أو القانون التجاري الدولي ترشحه كل من نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، على أن يعتمد مبدأ المداورة بين نقابتي المحامين وعضو أستاذ جامعي من المختصين في المنافسة و/أو الاقتصاد و/أو الحقوق و/أو التجارة الخارجية يرشحه مجلس الجامعة اللبنانية عضو يرشحه المجلس الاقتصادي والاجتماعي من غير أرباب العمل.

 

ترشح كل من الجهات المختصة ثلاثة أشخاص عن كل مركز عضوية، فيكون عدد المرشحين 21 يختار منهم مجلس الوزراء سبعة أعضاء، ويتم اختيار كافة الأعضاء من قبل مجلس الوزراء وفق الفصل الأوّل لتكوين الهيئة من قانون المنافسة. ولكن على أرض الواقع لم تتشكل هذه الهيئة حتى هذه اللحظة، بفعل عدم انعقاد مجلس الوزراء وعدم وجود رئيس للجمهورية.

 

وأكّد سلام  في هذا السياق "إن قانون المنافسة صدر في الجريدة الرسمية وبالتالي أصبح نافذًا، أما الهيئة تم إنهاء تفاصيلها من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة ونحن بانتظار اجتماع مجلس الوزراء القادم أو الذي يليه لطرح  اللجنة، ومن هنا نكون قد طبقنا متطلبات قانون المنافسة لجهة الهيئة ويبقى فقط الموافقة على الأعضاء وإنشائها"، وشدد سلام أن إنشاء الهيئة الوطنية للمنافسة أمرّ مهم جدًا وخطوة أساسية اليوم للتمكن من إنقاذ الاقتصاد. 

 

إذًا، على ما يبدو سيبقى المواطن عرضةً للاحتكار وللأسعار المرتفعة ما لم تسارع السلطات المعنيين لحلّ الأزمة السياسية القائمة التي تعيق إنشاء الهيئات الوطنية ومنها "الهيئة الوطنية للمنافسة" التي تقوم على عاتقها متابعة تطبيق القوانين الصادر كوضع قانون المنافسة، ودعم الصناعة المحلية من جهة الكهرباء والمواد الأولية لتخفّض كلفة إنتاجيتها وتجعلها متاحة للمواطن اللبناني بأسعار تنافسية تحمي المستهلك من الاحتكار وتعطي للسوق اللبناني الحق في التنافس وحريّة التجارة بما يعود بالمنفعة على المواطن والصانع. 

TAG : ,competition law ,قانون المنافسة ,اقتصاد ,صناعة ,وزير الاقتصاد ,وزير الصناعة ,منافسة ,economy ,industry ,minister of economy ,minster of industry ,competition ,lebanon ,3RF