Loading...

فورة العملات الرقمية: اقتصاد جديد أم مخاطرة؟

 

اختار  الشاب رشاد العامل في مجال إنتاج وتنسيق الحفلات، الدخول في مجال العملات الرقميّة لأنها تشكّل "حالة تمرّد على نظام المصارف" على حد قوله بنبرة تمرّد، معتبراً أن عدم مرور كتلات نقدية مماثلة عبر المصارف "يدفعهم للجنون"، وسط الانهيار الاقتصادي الحاصل، من دون أن يأبه بمخاطر جسيمة قد تترتب على التعامل بهذه العملات الإفتراضية.

في العام 1998 تمكن خريج علوم الكمبيوتر وي داي من إنشاء مخطط للعملة الإلكترونية ما شكّل نواتا للعملات الرقمية الموجودة حاليا.

وفي العام 2008 نشر شخص يدعى ساتوشي ياكاموتو ورقة يتحدّث بها عن طريقة لتحويل الأموال من دون مراقبة الحكومات والسلطات ليتمكن في عام 2009 من تعدين أول 50 عملة بتكوين وصل سعرها عام 2011 إلى دولار واحد، لتبلغ اليوم ما يقارب ال50000 دولار للعملة الواحدة من بتكوين.

أمّا اليوم فأصبح هناك العشرات من منصات التداول التي توفر بيع وشراء العملات الرقمية  بقيمة سوقية تعدّت 700 مليار دولار في بداية عام 2020 بحسب مقال نشرته وزارة الإعلام اللبنانية

تشكّل العملة الرقمية نوعاً من أنواع العملات غير الموجودة بأشكال فيزيائية ومادية، بل إنها افتراضية وتتواجد في فضاء الإنترنت. وتأسّست  لهدف واضح ألا وهو استخدامها في الدفع الإلكتروني والمعاملات التجارية وكذلك لنقل الأموال وتحويلها بسرعة من أي بلد لآخر، دون وجود أي سقف  للتحويل اليومي والآني، ودون شروط أو مرور عبر المصارف.

وكغيره من البلدان، بدأ  المواطنون في لبنان التداول بهذه العملات عبر شرائها وبيعها استنادا الى ارتفاع وانخفاض سعرها .فكيف تعمل العملات الرقميّة؟ وما هو تأثيرها على النظام المصرفي؟

تعمل  المصارف على إنشاء سجلات للمودعين لديها لمعرفة حركة أموالهم، وينطبق الأمر ذاته على العملات الرقميّة التي تعتمد تقنيّة سلسلة الكتل (Blockchain)  القائمة على إنشاء سجلّات مشفّرة بنسخ متطابقة للمتداولين. وتنتشر  في فضاء الإنترنت  من دون أي قيود.

ولإتمام أي عملية تداول، يتمّ تأكيدها من العديد من السجلات المرتبطة في ما بينها عبر خوادم، فتجري عملية تحويل مليارات الدولارات بسهولة خلال دقائق مع خصوصية عالية، من دون الكشف عن أطراف الصفقة، ويصار الى حفظ العملية في كتلة و توزيعها على ملايين الحواسيب حول العالم، ما يجعل عملية إختراقها مستحيلة عملياً.

 ويشرح موظف لدى شركة تبيع هذه العملات الرقميّة أنّ آلية الشراء تتم عبر فتح حساب لمن يرغب في الاستثمار مقابل الدفع نقداً. وفي ما يخصّ عامل الثقة، فهي منوطة بطرفي الصفقة فقط، فلا وجود لأي جهة مراقبة أو محاسبة أو ضامنة لحقوق المستهلك والمستثمر في هذه العملات.

ويقول الموظف: "يأخذ المستثمر على عاتقه مخاطرة الخسارة أو الربح، فمن يتداولها هو من يغطيها".

في هذا الإطار، يشرح الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي لـ"مهارات نيوز"، أنّه  كصاحب اختصاص من غير الممكن أن يستثمر في العملات الرقمية التي تأخذ قيمتها من متداوليها، دون أي تغطية بأي منتج إقتصادي أو مصرف مركزي، بل يفضّل الإستثمار بالذهب أو العقارات كونها ذاتية القيمة.

ويقول: "تكمن خطورة العملات الرقمية في غياب وجود جهة راعية ومراقبة لحركة الأموال الضخمة التي يتمّ تداولها والتي كسرت كل الحدود" مضيفا "تتحرّك قيمة تلك العملات بشكل غير منطقي، وهو ما يؤكد وجود مضاربات بين كبار المؤثرين والمستثمرين في العالم".

يذكر أنّ شركة تيسلا لصناعة السيارات الكهربائية على سبيل المثال اشترت ما قيمته 1.5 مليار دولار من العملة الرقمية الأشهر في العالم "بيتكوين"، مؤكدة أنها ستقبل من الآن فصاعداً من الزبائن سداد ثمن سياراتها بهذه العملة.وتخطّت القيمة السوقية للعملات الرقمية 700 مليار دولار عام 2020، ما  يثير الريبة والشك في مصدر هذه الأموال.

 

يعرب يشوعي عن اعتقاده بأن أموالاً "وسخة" تقبع وراء هذه العملات، فمن يملك مالا جناه من تجارة الممنوعات وغيرها، ولم يستطع توظيفه في المصارف، يلجأ الى العملات الرقمية لتبييض أمواله. وهنا تقبع خطورتها على الاقتصادات المحلية والاقتصاد العالمي.

ويعمل مصرف لبنان منذ سنوات عدّة لتأسيس عملة رقمية مرتبطة باقتصاد البلد وإطلاقها في السوق، خصوصاً بعد أنّ  أقرّ مجلس النواب  قانون المعاملات الإلكترونية  الذي منح المصرف صلاحيات تحديد ماهية النقود الإلكترونية والرقمية، وكيفية إصدارها واستعمالها والتقنيات والأنظمة التي ترعاها.

 وينقل مقال نشره موقع  "المدن" عن مصرفيين، لم يسمهم، أن إقرار العملة الرقميةبات اليوم أكثر إلحاحاً  لامتصاص الكتلة النقدية من الدولار المحلّي في ظل العجز عن توفير الدولار النقدي الحقيقي.

ويجزم يشوعي بأنّه "لا يمكن للمصرف المركزي إصدار عملة رقميّة"، فخلقه لنقد محلي جديد يجب أن يستند لازدياد احتياطاته من العملات الصعبة ونحن اليوم في نظام مصرفي مفلس أوصل الوضع الاقتصادي لما هو عليه اليوم على حد تعبيره.

ويعتبر أن الأزمة الحقيقية راهناً هي "أزمة ثقة بالمصارف"، مستبعداً أن يصار في ظل الظروف الراهنة والانهيار المالي الى اطلاق عملة رقمية. ويسأل "على ماذا سيستند وهو مفلس؟"،معتبرا أنّ الحلّ الوحيد هو بمعالجة جذرية تبدأ من العمل على استعادة الثقة واستعادة ما نهب من أموال الناس.

ويبدو ما يحدث اليوم أشبه بحرب باردة، فهناك من يعتبر أنّ الثقة بقطاع  المصارف سقطت مع الأزمات المتتالية، ومن شأن العملات الرقمية أن تكسر هيمنتها ، وثمّة من ينبّه من مخاطر تداول هذه العملات التي تخلق أسواقا  للمضاربين  وتُستعمل لتبييض الأموال ولأعمال غير قانونية بما يشكّل خطراً على الأمن المالي المحلي والدولي.

 ويقول يشوعي: "يجب قطع الاتصال والتواصل بين المتداولين بهذه العملات".

TAG : ,العملات الرقمية ,بيتكوين ,التداول ,المصارف ,النظام المصرفي ,حرب باردة