Loading...

الحملات الالكترونية ضد النساء: تضامن نسبيّ.. والنافذات أقدر على المواجهة

 

اضطرت الشركة التي تعمل الناشطة والاعلامية كريستين حبيب لديها، الى إصدار بيان حماية لها، بعد ساعات قليلة على حملة الكترونية طاولتها على خلفية موقف عبّرت عنه أواخر شهر أيار/مايو الماضي. فإلى جانب موقف الشركة الداعم لحرية الرأي الشخصية، لم يكن بوسعها الاستجابة لضغوط فئة سياسية شنت الهجوم على حبيب، لأن حملة الكترونية مضادة وواسعة وُلِدت لتحصينها، وعزّزت موقف الشركة.

وما كانت حبيب لتنجو من الضغط الالكتروني التخوينيّ، لو لم تكن تحظى بشعبية ونفوذ إلكترونيين، حصّناها من الهجوم السياسي عليها. فحجم نشاطها وتأثيرها، أكسبها شهرة ساعدتها على تخطي حملة الضغوط عليها، خلافاً لنساء أخريات لا يتمتعن بحجم انتشار مماثل، فوقعن فريسة التخوين والاسفاف والترهيب، فانصعن للحملات عبر الانكفاء لاحتوائها والتخفيف من وقعها، أو بقين فريسة الهجمات، ومن ضمنها هجمات ذات طابع ذكوريّ.

ويزداد خطر التعرض لحملات إلكترونية مغرضة في مواقع التواصل الاجتماعي يوماً بعد يوم. وتعيش النساء في لبنان هذا الخطر يومياً في ظل الاصطفافات السياسية والحزبية وتعدد مواضيع لا يزال ينظر البعض اليها على انها "تابو" يُحظر على المرأة الخوض فيه والنقاش به. وتتنوع الحملات بين التنمر والشتم والسباب والتخوين، وتأخذ طابعاً جندرياً إذا كان المستهدفون من النساء.

انتقائية

لكن نتائج الحملات، لا تتساوى بين مستهدفات يحظين بشهرة ونفوذ في مواقع التواصل، وبين أخريات مغمورات. ومع أن الحملة ستكون أكثر قسوة بحق ناشطة معروفة، إلا أن آليات الرد والتحصين ستكون أقوى، عملاً بقاعدة المؤازرة من جمهور يتشارك معهن الموقف نفسه، وينتج حملة الكترونية مضادة لدعمهن. وينطبق ذلك على حالة الإعلامية ديما صادق التي تنشر آراءاً في حساباتها الالكترونية، إلا أنها في كل مرة تجد نفسها عرضة لهجوم الكتروني بغيض يسمح بالتطرق لحياتها الشخصية وتصبح عائلتهاعرضة للتشريح، وصولاً الى استعمال ابنتها ووالدتها كسلاح للضغط عليها.

والحال نفسه، تعرضت له كريستين حبيب، عندما أصبحت حياتها الشخصية والمهنية عرضة للانتهاك. إذ قام خصومها بجمع صورها مع عائلتها وتمني الموت لهم مع حملة للضغط على المؤسسة التي تعمل لديها لطردها من عملها.

غير أن النساء اللواتي لا يتمتعن بهذا القدر من التأثير، ستكون عرضة للضغط، وغالباً ما تكون المعالجة بالانكفاء، وهو ما تشير اليه مراسلة قناة "ام تي في" نوال بري قائلة في تصريح لـ"مهارات نيوز" إنها "اضطرت بعد هجوم ضخم عليها إلى اغلاق صفحاتها الالكترونية لمدة 15 يوماً".

عزلة

والحال ان الناشطات والنساء اللواتي لا يتمتعن بقدرة على التحشيد المضاد، غالباً ما يكن بمثابة نساء عُزّل في المواقع التواصل الاجتماعي، بلا أسلحة ولا جيش يحارب معهن خلال فترة الهجوم التي تستبيح كل ما هو خاص وعام. ويتحولن إلى مادة سجالية في الفضاء الالكتروني، ولا يمتلكن في المقابل آليات الدفاع عن أنفسهن أو شن هجمات مضادة من دون حملات تضامن معهن.

وتعدّ الناشطة فرح أبي مرشد مثالاً دقيقاً على هذا الواقع، إذ قامت بإنشاء مجموعة خاصة بالنساء "مساحة خاصة للنساء" وجمعتهن فيها لتكون مساحة تشاركية وتفاعلية. لكن بدأ الهجوم عليها بعد انضمام نساء إلى هذه المجموعة التي اتهمت بالتشجيع على "فجور النساء"!

وتبين ان التضامن مع فرح على خلفية الهجوم عليها لم يكن بالمستوى الذي يحصل مع الوجوه المعروفة، حتى من النسويات أنفسهن وذلك لأسباب عديدة. وترى ابي مرشد "أن التضامن يحصل بحسب الشخص نفسه إذا كان مشهوراً أو معروفاً كما يتم الأخذ بالحسبان انتماء المهاجم عليه وخلفيته السياسية والحزبية". وتقول لـ"مهارات نيوز": "ثمة انفصام وتحيز وموقف سياسي حتى لو كان غير ظاهر، إذ يكون التضامن نسبياً ويتبع ذلك تشويهاً لمفهوم النسوية حيث يكون منقوصاً عندما تكون القضايا ذات توجه سياسي مختلف". وتعتبر فرح أن مجموعة عناصر متشابكة وغير منصفة تلعب دورًا في عدم حصول التضامن بشكل متساوِ.

"ثمة انفصام وتحيز وموقف سياسي حتى لو كان غير ظاهر، إذ يكون التضامن نسبياً ويتبع ذلك تشويهاً لمفهوم النسوية حيث يكون منقوصاً عندما تكون القضايا ذات توجه سياسي مختلف"

تخوين

على غرار ابي مرشد، اشتهرت ضحى صباغ بالفيديو الذي شاركت فيه في برنامج "صار الوقت" عندما تحدثت عن فساد وتقصير في البيئة السياسية الفاعلة في الجنوب. حاز مقطع الفيديو الذي تم تناقله بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي، على ضجة كبيرة أنتجت في اليوم التالي حملة الكترونية وهجوم ضدها ينبش ماضيها ويتهمها انها ممولة من الولايات المتحدة، وبأنها "عادت إلى لبنان بأجندة سياسية ومشاريع تخريبية".

تنتمي ضحى إلى بيئة سياسية جنوبية ذات لون واحد، وكل من يخرج عن هذا اللون يصبح عميلاً. تقول ضحى لـ"مهارات نيوز" إن هذه الحملة في بداياتها جعلتها تشعر كأنها انسان مهزوم ومكسور في الوقت الذي  كان التغيير هدفها من أجل هذه البيئة أولاً. تضيف: "لقد أحسست بالإهانة وبدون غطاء إذ لم أجد من يدافع عني لاسيما من المقربين الذين يعرفونني جيداً وهذا ما أحزنني، فقد تم التطاول عليّ في سمعتي وشرفي". وتصف ضحى هذه الحملة بالكف الذي تلقته وجعلها تشعر بعدم الأمان، مختصرة الواقع بالقول: "أن يضربك أحد ما جسديًا أسهل من الضرب المجتمعي".

وتصف ضحى التضامن بالبسيط، إلا أنه أفرحها. وتقول: "كنت أتمنى أن أحصد تضامنَ أوسع" ذلك ان "التضامن مع أحد مشهور وله جمهور يحصل لأنه أصبحت الناس تشعر أنهم يعرفونه لكن أن يتضامن الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي مع أحد لا يعرفونه فهذا يعد مخاطرة ويجدالمتضامن نفسه عرضة للانتقاد وهذا ما حصل مع كثيرين".

صوّرت ضحى فيديو تنفي كل ما قيل في حقها على صفحتها، إلا أن التعليقات من بيئتها جاءت سلبية، إذ تمت مطالبتها بالصمت لأن صوتها "عورة" والكف عن ابداء رأيها في المواضيع الحساسة كونها "امرأة" و"غير مسموح التكلم في السياسة".

الخوف الذي عاشته ضحى الكترونياً انقلب على حياتها اليومية، فصارت تبتعد عن المشاركة من التظاهرات خوفًا من التعرض لها وإهانتها من قبل أشخاص صدقوا أنها "عميلة للأميركان". حتى اسمها في منطقتها صار شبهة وأثر على أعمالها، فإذا أرادت المشاركة في عمل تطوعي أو جمع المساعدات لاسيما في ظل أزمة كورونا، صارت تبتعد عن ذكر اسمها لأنه صار مشبوهاً!

ذكورية

والتخوين بات سمة للهجمات الالكترونية، إضافة الى النبش في الماضي الشخصي، مضافاً الى الشتيمة في حالات النساء والتطاول على شرفهن. وتقول الخبيرة الجندرية عبير شبارو لـ"مهارات نيوز" إن "هذا النوع من الحملات الالكترونية على النساء يأخذ طابعًا جنسيًا وهذا ناتج عن العقلية الذكورية للمجتمعات في الوقت الذي تغيب المحاسبة بسبب عدم إقرار قانون يجرم التحرش الجنسي وضمنه التحرش الجنسي الالكتروني".

TAG : ,الحملات الالكترونية ,التنمر الالكتروني ,التحرش الجنسي ,الناشطات ,الاعلاميات