Loading...

من المطمر إلى الحرائق: حكاية دير عمار مع الإهمال البيئي

 

تعد قضية إدارة النفايات في لبنان من أبرز المشاكل البيئية والصحية التي تواجه العديد من المناطق، وخاصة تلك التي تقع على مقربة من المكبات ومواقع الحرق، وتعتبر منطقة دير عمار في الشمال اللبناني إحدى هذه المناطق التي تعاني من تراكم النفايات وحرائق مكب النفايات الذي تمت إقامة جزء منه في سفح جبل في المنطقة، مما أثار جدلًا واسعًا بين السكان والسلطات المحلية والدولة.

 

تعكس هذه الأزمة خللاً واضحًا في السياسات البيئية وغياب التنسيق بين الجهات المعنية، لتطرح تساؤلات جوهرية حول مسؤولية الجهات الرسمية ومدى قدرة القوانين الحالية على معالجة مثل هذه الكوارث. فما الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد؟ وهل لا يزال بالإمكان إنقاذ دير عمار من هذا المصير البيئي القاتم؟

 

التاريخ والتطورات: مطمر النفايات في دير عمار

 في عام 2019،  قررت وزارة البيئة إنشاء مطمر للنفايات في منطقة دير عمار ، هذا القرار لاقى اعتراضًا من قبل البلدية، التي اعتبرت أن المطمر سيؤدي إلى أضرار صحية وبيئية كبيرة، خاصة وأن المنطقة تعد مصدرًا للمياه الجوفية التي يعتمد عليها السكان في الري والشرب، ووجهت كتبابًأ إلى وزارة البيئة طلبت فيه الرجوع عن قرارها ورغم هذا الاعتراض، استمرت الوزارة في مشروعها، وفي أيار 2023 تم تحويل إحدى الأراضي إلى مطمر للنفايات، وهو قرار فاقم من الاحتقان في المنطقة.

 

أهالي دير عمار، الذين سبق لهم التعبير عن رفضهم لهذا المشروع، قدموا عريضة إلى وزارة البيئة في حزيران 2023 مطالبين بوقف العمل في المطمر، هذه العريضة كانت تنديدًا بالأضرار البيئية التي ستلحق بالمنطقة، خاصة مع التهديد بتلوث المياه الجوفية وتدهور الأراضي الزراعية، وفي الوقت نفسه، رفض رئيس بلدية دير عمار خالد الدهيبي، زيارة موقع المطمر برفقة وزير البيئة في حكوة تصريف الأعمال ناصر ياسين، كتسجيل موقف وتأكيد الاعتراض على إنشاء المطمر،  ما أثار مزيدًا من الجدل حول غياب التنسيق بين السلطات المحلية والدولة.

 

 

الحرائق استمرت في مكب النفايات عام ونصف

منذ تموز 2023 وحتى كانون الثاني 2025، اندلعت عدة حرائق في المكب، وقد تسببت هذه الحرائق في تلوث الهواء وزيادة المخاطر الصحية للسكان، وحمّلت البلدية في وقت سابق مسؤوليّة الحرائق للـ"النكّيشة" الذين يقومون بحرق النفايات لاستخراج المعادن، مثل التنك والحديد، ويعتقد العديد من الناشطين البيئيين يعتقدون أن السلطات المحلية لم تتخذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الممارسات.

 

في أيلول 2024، تم عقد اجتماع ضم نوابًا ومسؤولين محليين لمناقشة الأزمة، حيث تقرر إقامة نقطة حراسة ومنع الحرق في المنطقة وهو الأمر الذي نفاه رئيس بلدية دير عمار خلال مقابلة لـ"مهارات نيوز" وقال "لم يتم الاجتماع بأحد من النواب ونحن كبلديّة اتخذنا الإجراءات اللازمة"،  لكن لم ينفّض  أي إجراء بشكل جدي حتى بقيت الحرائق مشتعلة، مما يعكس عدم التزام السلطات المحلية بمعالجة هذه القضية بشكل حاسم.

 

تضارب في المسؤوليات 

يعتبر عدد من الناشطين البيئيين في دير عمار أن أزمة النفايات في المنطقة ليست فقط نتيجة غياب التنسيق بين البلديات والوزارات المعنية، بل أيضًا نتيجة غياب الثقة في مؤسسات الدولة، كما يرى الناشط البيئي نديم المصري الذي قال لـ"مهارات نيوز" إن "الحلول التي قدمتها السلطات كانت غير كافية وغير مستدامة"، وأكد أن "إنشاء مطمر صحي أو معمل لفرز النفايات كان من الممكن أن يكون حلًا فاعلًا، لكن الأمل في تنفيذ هذه الحلول ضعيف بسبب غياب الضمانات".

 

من جانبه، يرى الناشط البيئي أدهم عتر أن "المشكلة تتفاقم بسبب تراكم النفايات القادمة من خارج دير عمار، ما يؤدي إلى زيادة الحرائق في المكب"، ويضيف عتر أن "هذه النفايات تتفاعل كيميائيًا عندما تتراكم، وهو ما يسبب اشتعال الحرائق بشكل متكرر"، كما ينتقد عتر "المسؤولين المحليين"، ويؤكد أن "غياب الحراسة وتراخي السلطات في التعامل مع الأزمة كانا وراء تفاقم الوضع"، وفيما يتعلق بهدف هذه الحرائق، أشار عتر إلى أن "الشخص الذي يجلب النفايات إلى المنطقة يستفيد ماديًا من إضرام النار فيها لتقليل حجمها" ويحمّل العتر "المسؤولية إلى رئيس البلدية الذي يعد المسؤول الأول عن النفايات في البلدة".

 

وقد نفى رئيس بلدية دير عمار خالد الدهيبي  في مقابلته مع "مهارات نيوز" وجود من يستفيد ماديا من حرق النفايات قائلا "إن رعاة الماعز والغنم هم من يقومون بإحراق تلك النفايات". 

 

ورغم كل الوقائع، قال الدهيبي إن "المكب لا يحتوي على محرقة كما يُشاع، بل هو مجرد مكب يتم إشعال النفايات فيه من قبل أفراد يهدفون إلى تقليل حجم النفايات". في الوقت الذي يرى فيه البعض أن الحل يكمن في فرض عقوبات على من يقومون بإشعال النفايات، يؤكد الدهيبي أنه "ليس هناك حل سهل لهذا التحدي في منطقة جبلية نائية".

 

إدارة النفايات

في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن الحلول المستدامة، مثل إعادة التدوير وفرز النفايات، فإن الواقع يختلف، المهندس البيئي زياد أبي شاكر في حديث لـ"مهارات نيوز" أشار إلى أن "معمل فرز النفايات في المنية، الذي يحتوي على 8 مكنات لم يتم استخدامها، هو دليل على سوء الإدارة وغياب الكفاءة" إذ يقول أن "من قام بتنفيذ المكنات ليس صاحب خبرة في المجال"، تعمل ماكينات الفرز على تصنيف المخلفات بفعالية عبر مراحل متعددة، تبدأ بالفرز اليدوي، ثم الفصل الحجمي، والمغناطيسي للمعادن، والدوامي للمعادن غير الحديدية، إضافةً إلى الفرز البصري والهوائي للمواد الخفيفة، قبل أن يتم ضغطها أو معالجتها حيويًا. وكحل دائم لمشاكل النفايات بشكل عام يقترح أبي شاكر "إعادة التصنيع، بداية بالطلب من الأهالي الفرز داخل المنزل، طريقة نقل النفايات، وصولًا إلى إعادة تدويرها ما يخلق صناعة طويلة للكثير من الأنواع من المواد".

 

قرار من القائمقام يوقف المحرقة

أوعزت قائمقام قضاء المنية ـ الضنية جان الخولي بتاريخ 20 كانون الثاني 2025 إلى قائد سرية درك زغرتا في قوى الامن الداخلي في كتاب رسمي، طلبت منه "الإطلاع وتكليف مَن يلزم إجراء التحقيقات اللازمة لبيان مفتعلي الحرائق وتجددها في مكب نفايات بلدة دير عمار، مما أدى إلى تلوث كبير وانبعاثات سامة في الجو، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المعتدين وتشديد المراقبة منعاً من تكرارها". وفي مقابلة مع "مهارات نيوز قالت الخولي أنه وحتى تاريخ 31 كانون الثاني 2025 "لم يصلها أي من نتائج التحقيقات" وشدّدت على "الثقة التامة بالأجهزة الأمنية وبشفافية التحقيق التي ستنتج عن كشف مرتكبي تلك الأفعال".

 

 

وطلبت الخولي من بلدية دير عمار في وقت سابق من خلال كتاب رسمي "الإطلاع والعمل على تكليف مَن يلزم إخماد الحريق منعاً من تمدده، وتشديد الحراسة على المكب لعدم تكرار الحادثة".

 

تستمر أزمة النفايات في دير عمار دون حل حقيقي، ما يرفع من مستوى المخاطر البيئية والصحية التي تهدد السكان والمناطق المجاورة، إن غياب الحراسة عن المكب، والتراكم المستمر للنفايات، واستمرار الحرائق رغم القرارات المتخذة، تشير إلى أن السلطات المحلية لم تلتزم بما تعهدت به، وبينما تعتبر الحلول المستدامة مثل إعادة التدوير وفتح معامل الفرز حلولًا ضرورية،  فإن تنفيذ هذه الحلول يتطلب إرادة سياسية قوية وتنسيق فعّال بين الجهات المعنية. بدون هذه الإرادة، ستظل دير عمار في دائرة الأزمات البيئية والصحية، ما يهدد حياة سكانها ويشكل عبئًا على البيئة المحيطة.

 

TAG : ,ديرعمار ,مكب ,مطمر ,حرائق ,بيئة ,محرقة